الأربعاء, 10 حزيران/يونيو 2020 16:24
انتباه، فتح في نافذة جديدة. PDFطباعةأرسل إلى صديق

 

بسم الله الرحمن الرحيم
 

الاتحاد الأوروبي ومعالجة أزمة كوفيد-19 الاقتصادية

(مترجم)
 

 

  •  2020الأربعاء, 10 حزيران/يونيو  
  • 1

     

     

    في كلمة أمام البرلمان الأوروبي يوم الأربعاء 27 أيار/مايو 2020، اقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن يتحمل الاتحاد الأوروبي ديوناً بقيمة 750 مليار يورو من أجل تقديم 500 مليار يورو من المنح و250 مليار يورو من القروض إلى دول في أوروبا تعاني من أضرار اقتصادية جراء إغلاق كوفيد-19. وعلى الرغم من المتطلبات الملحة لهذه الأموال، إلا أن الأمر قد يستغرق عدة أشهر من المفاوضات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قبل التوصل إلى اتفاق حول التفاصيل.

    لقد أساء الغرب إدارة وباء فيروس كورونا بشكل خطير. ففي حين تجاهل الغرب بالكامل تقريباً الطوق الجغرافي، إلا أنه استخدم ابتكارات غريبة من التباعد (الاجتماعي) والإغلاق العام، مما شل الحياة المجتمعية كلها. إن الاقتصادات الغربية هشة بالفعل لأن النظام الاقتصادي الرأسمالي القائم على حرية الملكية يؤدي إلى استيلاء نخبة صغيرة لا تملك الرغبة أو القدرة على توليد نشاط اقتصادي كاف للمجتمع بأسره. هذه الثروة والنخبة القوية تفضل عادة استثمار جهودها في القطاع المالي، الذي أصبح غاية في حد ذاته بدلاً من العمل على دعم النشاط الاقتصادي الحقيقي. ومن المحتم أن تكون نتيجة هذا النظام أن الدول الغربية تعاني عموماً من سوء توزيع الثروة والبطالة والفقر المدقع حتى في الأوقات العادية.

    أوروبا لديها مشاكلها الفريدة الخاصة بها. وكانت بريطانيا وأمريكا هما الدولتان وراء إنشاء المجموعة الأوروبية كوسيلة لاحتواء فرنسا وألمانيا لمنع عودتهما كقوتين عظيمتين بعد الحرب العالمية الثانية. وذلك لأن القوة تتطلب الحسم، كما أن إلزام ألمانيا وفرنسا إلى جانب العديد من الدول الصغيرة الأخرى لا يؤدي إلا إلى تعقيد وعرقلة عملية صنع القرار الفعالة. ومع ذلك، لا يمكن قمع روح الأمم لفترة طويلة؛ ففرنسا وألمانيا، على الرغم من الصعوبات التي تواجهانها، قد ارتفعتا بالفعل مرة أخرى بعد الحرب العالمية الثانية لتصبحا قوى كبرى. فقد عملوا جاهدين من أجل بناء الاتحاد الأوروبي ليصبح منصة قادرة على مضاعفة قوتها حتى في الوقت الذي لا يزالون يعانون فيه من ضعف القيادة المركزية للاتحاد الأوروبي والالتزام المضني بالحصول على موافقة إجماعية من الحكومات الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على اتخاذ قرارات كبرى. وفي الوقت نفسه، يمكن ملاحظة أن ألمانيا وفرنسا ترغبان في السيطرة على عملية صنع القرار في الاتحاد الأوروبي بنفسيهما. على سبيل المثال، طعنت المحكمة الألمانية الكبرى في وقت سابق من شهر أيار/مايو الماضي في خطة من البنك المركزي الأوروبي لتوفير الإغاثة المالية للحكومات من خلال الاستحواذ على السندات، في خطوة غريبة وغير مسبوقة، حيث إن البنك المركزي الأوروبي يقع ضمن اختصاص المحاكم الألمانية وليس محكمة العدل الأوروبية. ويبدو أن ألمانيا لم تكن تريد للبنك المركزي الأوروبي أن يعمل بشكل مستقل للغاية.

    وفي نهاية المطاف، فإن هذا التمويل ضروري لأوروبا وربما لألمانيا أكثر من أي شيء آخر. ويأتي اقتراح هذا الأسبوع الذي تبلغ قيمته 750 مليار يورو مباشرة من إعلان مماثل أعلنه في الأسبوع السابق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين، وهي في الواقع وزيرة سابقة في حكومة ميركل. وعلى عكس الدول الغربية الأخرى، فإن القوة الاقتصادية الألمانية مبنية على النشاط الاقتصادي المحلي الفعلي وقوة التصنيع، حيث تشتهر ألمانيا بعددها الكبير جداً من الشركات الصغيرة، وقد قاومت عموماً الاتجاه الرأسمالي لبناء شركات ضخمة متعددة الجنسيات بميزانيات بحجم ميزانيات الحكومة الوطنية. ولكن حتى هنا، يعتمد الدخل الألماني على صادراتها، وخاصة إلى دول جنوب أوروبا، التي تحتاج إلى تمويل مستمر لدفع ثمن السلع الألمانية. والواقع أن ألمانيا تعمل على نموذج اقتصادي استعماري قديم داخل أوروبا، حيث يُعطى التصنيع قيمة أكبر كثيراً من الموارد الطبيعية أو الزراعة أو الجهود البشرية، الأمر الذي يترك جنوب أوروبا في وضع مالي دائم غير مواتٍ فيما يتعلق بالشمال. وكما هو الحال مع النموذج الاستعماري، فإن السبيل الوحيد لعمل الهيكل الاقتصادي الأوروبي هو تحويل الأموال بانتظام إلى الجنوب، بطبيعة الحال مع العديد من "الشروط" المرفقة. ومن هنا تدرك ألمانيا أن تعزيز التمويل الأوروبي ضروري ليس فقط للبلدان الأكثر فقراً في أوروبا، بل إنه ضروري حتى بالنسبة للاقتصاد الألماني نفسه.

    إن تعقيدات أوروبا هي نتيجة لمفهومها للدولة القومية الذي نتج عن تسوية وستفاليا في القرن السابع عشر، وقبل ذلك، التنافس بين الملوك والأمراء النصارى في أوروبا على الرغم من أنهم يدينون إلى بابا واحد. وقبل إنشاء الدول القومية، كانت البلدان قادرة على التوسع والانكماش بشكل طبيعي وفقا لقدرتها على الحكم وقوتها العسكرية والاقتصادية. ولكن بعد أن تصبح الحدود ثابتة، لا تملك الدول القوية منفذاً آخر سوى التدخل في الدول الأضعف وغير القادرة تماماً على إدارة نفسها واستغلالها. والمسار الصحيح للقوة الألمانية هو أنه ينبغي لها أن تتوسع إقليميا لتشمل، على سبيل المثال، البلدان الأكثر فقرا في أوروبا الشرقية التي تحتاج إلى دعم وحكم أفضل. ومن شأن ذلك أن يستهلك بشكل مثمر الحيوية الألمانية في رعاية وإدارة شؤون شعوبها بدلا من استغلال بلدان أخرى، كما حدث لبعض الوقت مع إدارة أقاليم ألمانيا الشرقية السابقة بعد إعادة التوحيد. إن نموذج الدولة القومية لا ينتج عنه سوى المزيد من تمكين القوي وإضعاف الضعفاء.

    وبإذن الله، سيشهد العالم قريباً عودة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تحدد مساحة أراضيها وفقاً لقدرتها على الحكم الصحيح لأراضيها وبمسؤولية ونزاهة. وعلاوة على ذلك، سوف تبرهن مرة أخرى على تفوق الحكم المركزي الفريد على نماذج الحكم المنقسمة والفاشلة في الدول الغربية.

    بقلم: الأستاذ فائق نجاح

     
     
    الأربعاء, 10 حزيران/يونيو 2020 16:24
    انتباه، فتح في نافذة جديدة. PDFطباعةأرسل إلى صديق

     

    بسم الله الرحمن الرحيم
     

    الاتحاد الأوروبي ومعالجة أزمة كوفيد-19 الاقتصادية

    (مترجم)
     
     
     

    في كلمة أمام البرلمان الأوروبي يوم الأربعاء 27 أيار/مايو 2020، اقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن يتحمل الاتحاد الأوروبي ديوناً بقيمة 750 مليار يورو من أجل تقديم 500 مليار يورو من المنح و250 مليار يورو من القروض إلى دول في أوروبا تعاني من أضرار اقتصادية جراء إغلاق كوفيد-19. وعلى الرغم من المتطلبات الملحة لهذه الأموال، إلا أن الأمر قد يستغرق عدة أشهر من المفاوضات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قبل التوصل إلى اتفاق حول التفاصيل.

    لقد أساء الغرب إدارة وباء فيروس كورونا بشكل خطير. ففي حين تجاهل الغرب بالكامل تقريباً الطوق الجغرافي، إلا أنه استخدم ابتكارات غريبة من التباعد (الاجتماعي) والإغلاق العام، مما شل الحياة المجتمعية كلها. إن الاقتصادات الغربية هشة بالفعل لأن النظام الاقتصادي الرأسمالي القائم على حرية الملكية يؤدي إلى استيلاء نخبة صغيرة لا تملك الرغبة أو القدرة على توليد نشاط اقتصادي كاف للمجتمع بأسره. هذه الثروة والنخبة القوية تفضل عادة استثمار جهودها في القطاع المالي، الذي أصبح غاية في حد ذاته بدلاً من العمل على دعم النشاط الاقتصادي الحقيقي. ومن المحتم أن تكون نتيجة هذا النظام أن الدول الغربية تعاني عموماً من سوء توزيع الثروة والبطالة والفقر المدقع حتى في الأوقات العادية.

    أوروبا لديها مشاكلها الفريدة الخاصة بها. وكانت بريطانيا وأمريكا هما الدولتان وراء إنشاء المجموعة الأوروبية كوسيلة لاحتواء فرنسا وألمانيا لمنع عودتهما كقوتين عظيمتين بعد الحرب العالمية الثانية. وذلك لأن القوة تتطلب الحسم، كما أن إلزام ألمانيا وفرنسا إلى جانب العديد من الدول الصغيرة الأخرى لا يؤدي إلا إلى تعقيد وعرقلة عملية صنع القرار الفعالة. ومع ذلك، لا يمكن قمع روح الأمم لفترة طويلة؛ ففرنسا وألمانيا، على الرغم من الصعوبات التي تواجهانها، قد ارتفعتا بالفعل مرة أخرى بعد الحرب العالمية الثانية لتصبحا قوى كبرى. فقد عملوا جاهدين من أجل بناء الاتحاد الأوروبي ليصبح منصة قادرة على مضاعفة قوتها حتى في الوقت الذي لا يزالون يعانون فيه من ضعف القيادة المركزية للاتحاد الأوروبي والالتزام المضني بالحصول على موافقة إجماعية من الحكومات الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على اتخاذ قرارات كبرى. وفي الوقت نفسه، يمكن ملاحظة أن ألمانيا وفرنسا ترغبان في السيطرة على عملية صنع القرار في الاتحاد الأوروبي بنفسيهما. على سبيل المثال، طعنت المحكمة الألمانية الكبرى في وقت سابق من شهر أيار/مايو الماضي في خطة من البنك المركزي الأوروبي لتوفير الإغاثة المالية للحكومات من خلال الاستحواذ على السندات، في خطوة غريبة وغير مسبوقة، حيث إن البنك المركزي الأوروبي يقع ضمن اختصاص المحاكم الألمانية وليس محكمة العدل الأوروبية. ويبدو أن ألمانيا لم تكن تريد للبنك المركزي الأوروبي أن يعمل بشكل مستقل للغاية.

    وفي نهاية المطاف، فإن هذا التمويل ضروري لأوروبا وربما لألمانيا أكثر من أي شيء آخر. ويأتي اقتراح هذا الأسبوع الذي تبلغ قيمته 750 مليار يورو مباشرة من إعلان مماثل أعلنه في الأسبوع السابق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين، وهي في الواقع وزيرة سابقة في حكومة ميركل. وعلى عكس الدول الغربية الأخرى، فإن القوة الاقتصادية الألمانية مبنية على النشاط الاقتصادي المحلي الفعلي وقوة التصنيع، حيث تشتهر ألمانيا بعددها الكبير جداً من الشركات الصغيرة، وقد قاومت عموماً الاتجاه الرأسمالي لبناء شركات ضخمة متعددة الجنسيات بميزانيات بحجم ميزانيات الحكومة الوطنية. ولكن حتى هنا، يعتمد الدخل الألماني على صادراتها، وخاصة إلى دول جنوب أوروبا، التي تحتاج إلى تمويل مستمر لدفع ثمن السلع الألمانية. والواقع أن ألمانيا تعمل على نموذج اقتصادي استعماري قديم داخل أوروبا، حيث يُعطى التصنيع قيمة أكبر كثيراً من الموارد الطبيعية أو الزراعة أو الجهود البشرية، الأمر الذي يترك جنوب أوروبا في وضع مالي دائم غير مواتٍ فيما يتعلق بالشمال. وكما هو الحال مع النموذج الاستعماري، فإن السبيل الوحيد لعمل الهيكل الاقتصادي الأوروبي هو تحويل الأموال بانتظام إلى الجنوب، بطبيعة الحال مع العديد من "الشروط" المرفقة. ومن هنا تدرك ألمانيا أن تعزيز التمويل الأوروبي ضروري ليس فقط للبلدان الأكثر فقراً في أوروبا، بل إنه ضروري حتى بالنسبة للاقتصاد الألماني نفسه.

    إن تعقيدات أوروبا هي نتيجة لمفهومها للدولة القومية الذي نتج عن تسوية وستفاليا في القرن السابع عشر، وقبل ذلك، التنافس بين الملوك والأمراء النصارى في أوروبا على الرغم من أنهم يدينون إلى بابا واحد. وقبل إنشاء الدول القومية، كانت البلدان قادرة على التوسع والانكماش بشكل طبيعي وفقا لقدرتها على الحكم وقوتها العسكرية والاقتصادية. ولكن بعد أن تصبح الحدود ثابتة، لا تملك الدول القوية منفذاً آخر سوى التدخل في الدول الأضعف وغير القادرة تماماً على إدارة نفسها واستغلالها. والمسار الصحيح للقوة الألمانية هو أنه ينبغي لها أن تتوسع إقليميا لتشمل، على سبيل المثال، البلدان الأكثر فقرا في أوروبا الشرقية التي تحتاج إلى دعم وحكم أفضل. ومن شأن ذلك أن يستهلك بشكل مثمر الحيوية الألمانية في رعاية وإدارة شؤون شعوبها بدلا من استغلال بلدان أخرى، كما حدث لبعض الوقت مع إدارة أقاليم ألمانيا الشرقية السابقة بعد إعادة التوحيد. إن نموذج الدولة القومية لا ينتج عنه سوى المزيد من تمكين القوي وإضعاف الضعفاء.

    وبإذن الله، سيشهد العالم قريباً عودة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تحدد مساحة أراضيها وفقاً لقدرتها على الحكم الصحيح لأراضيها وبمسؤولية ونزاهة. وعلاوة على ذلك، سوف تبرهن مرة أخرى على تفوق الحكم المركزي الفريد على نماذج الحكم المنقسمة والفاشلة في الدول الغربية.

    1

    بقلم: الأستاذ فائق نجاح

     
     
    الثلاثاء, 09 حزيران/يونيو 2020 23:45
    انتباه، فتح في نافذة جديدة. PDFطباعةأرسل إلى صديق

     

    بسم الله الرحمن الرحيم

     

    جواب سؤال: #التباعد_في_الصلاة #بدعة يبوء الحكام بإثمها

     

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد،

    إلى جميع الذين أرسلوا إليّ متسائلين عن #التباعد مترين بين المصلي والذي بجانبه في #صلاة_الجمعة والجماعة... ويقولون إن الحكام في بعض بلاد المسلمين يغلقون المساجد، وعندما يفتحونها يُلزمون المصلين بالتباعد مترين... وتبرر السلطات ذلك بأن المريض معذور فكما يصلي جالساً فيقاس عليه التباعد عن الذي بجانبه مترين بل حتى لو لم يكن مريضاً وإنما يخشى المرض فيتباعد... ويتساءلون هل يجوز للحكام أن يلزموا المصلين بالتباعد على النحو المذكور؟ أو هذا التباعد بدعة يبوء الحكام بإثمها؟ ويلح المتسائلون على معرفة الجواب...

    وجواباً على تساؤلاتهم أقول وبالله التوفيق:

    لقد سبق أن أصدرنا أكثر من جواب عن البدعة، ولو تدبرها المتسائلون لتبين لهم الجواب بأن التباعد على النحو المذكور هو بدعة يبوء الحكام بإثمها إذا ألزموا الناس بهذا التباعد، وبيان ذلك كما يلي:

    أولاً: أصدرنا في 28 رجب 1434هـ، الموافق 07/06/2013م، جاء فيه: (... إن البدعة هي مخالفة أمر الشارع الذي وردت له كيفية أداء، فالبدعة لغة كما في لسان العرب: "المبتدع الّذي يأتي أمراً على شبهٍ لم يكن...، وأبدعت الشّيء: اخترعته لا على مثالٍ". وهي في الاصطلاح كذلك، أي أن يكون هناك "مثال" فعله الرسول ﷺ ويأتي المسلم بخلافه، وهذا يعني مخالفة كيفية شرعية بيَّنها الشرع لأداء أمر شرعي، وهذا المعنى هو مدلول الحديث: «وَمَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» أخرجه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري. وهكذا فإن من سجد ثلاثاً في صلاته بدل اثنتين فقد جاء ببدعة، لأنه خالف فعل الرسول ﷺ، ومن رمى ثماني حصيات بدلاً من سبع على جمرات منى فقد جاء ببدعة لأنه كذلك خالف فعل الرسول ﷺ، ومن زاد على ألفاظ الأذان أو أنقص منها فقد جاء ببدعة لأنه خالف الأذان الذي أقره رسول الله ﷺ...

    أما مخالفة أمر الشارع الذي لم ترد له كيفية أداء، فهي تقع في الأحكام الشرعية، فيقال عنها حرام، أو مكروه... إن كان خطاب تكليف، أو يقال باطل أو فاسد... إن كان خطاب وضع، وذلك حسب القرينة المصاحبة للأمر...

    مثلاً: أخرج مسلم عَنْ عَائِشَةَ أم المؤمنين رضي الله عنها وهي تصف صلاة الرسول ﷺ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ «... وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ، حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِماً، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ، لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِساً...» فهنا بيّن الرسول ﷺ أن المسلم بعد أن يرفع من الركوع لا يسجد حتى يستوي قائما، وإذا رفع من السجود لا يسجد السجدة الأخرى حتى يستوي جالساً، فهذه كيفية بينها الرسول ﷺ، فالذي يخالفها يكون قد أتى ببدعة، فإذا قام المُصلي من الركوع ثم سجد قبل أن يستوي قائماً فيكون قد أتى ببدعة لأنه خالف كيفية بيَّنها الرسول ﷺ.

    لكن مثلاً أخرج مسلم عن عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ: «يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ، إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، عَيْناً بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ، أَوِ ازْدَادَ، فَقَدْ أَرْبَى»، فلو خالف المسلم هذا الحديث فباع الذهب بالذهب بزيادة، وليس وزناً بوزن، فلا يقال إنه أتى بدعة، بل يقال إنه ارتكب حراماً، أي الربا.

    والخلاصة: أن مخالفة الكيفية التي يبينها رسول الله ﷺ هي بدعة، ومخالفة الأمر المطلق للرسول ﷺ دون بيان الكيفية يقع في الأحكام الشرعية: الحرام والمكروه... الباطل والفاسد... وذلك حسب الدليل) انتهى... وقد أصدرنا أكثر تفصيلاً عن البدعة في 08 ذو الحجة 1436هـ الموافق 22/09/2015م وكذلك أصدرنا أجوبة أخرى قبل وبعد ذلك وهي كافية وافية بإذن الله.

    ثانياً: وعليه فإن الدول في بلاد المسلمين إذا قامت بإلزام #المصلين أن يتباعد الواحد عن الذي بجانبه مترا أو مترين، سواء أكان ذلك في #الجمعة أو الجماعة خشية العدوى، خاصة دونما أعراض مَرَضية، فإنها ترتكب بذلك إثماً عظيماً حيث هذا التباعد بدعة، وذلك لأنها مخالفة واضحة لكيفية الصفوف وتراصها التي بيَّنها رسول الله ﷺ بالأدلة الشرعية ومنها:

    - أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ، أَتَيْنَا النَّبِيَّ ﷺ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُون فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً... وَكَانَ رَفِيقاً رَحِيماً... «فَقَالَ ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ».

    - وأخرج البخاري في صحيحه عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، وَتَرَاصُّوا، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي».

    - وأخرج مسلم في صحيحه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ، ثُمَّ خَرَجَ يَوْماً فَقَامَ، حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ فَرَأَى رَجُلاً بَادِياً صَدْرُهُ مِنَ الصَّفِّ، فَقَالَ: «عِبَادَ اللهِ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ».

    - وأخرج مسلم أيضاً في صحيحه عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟» فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ».

    - وأخرج الحاكم، وقال حديث صحيح على شرط مسلم. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «مَنْ وَصَلَ صَفّاً وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَ صَفّاً قَطَعَهُ اللَّهُ».

    - وأخرج أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قال: «أَقِيمُوا الصُّفُوفَ فَإِنَّمَا تَصُفُّونَ بِصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا فِي أَيْدِي إِخْوَانِكُمْ وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفّاً وَصَلَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَمَنْ قَطَعَ صَفّاً قَطَعَهُ اللَّهُ».

    وهذا توضيح تام من رسول الله ﷺ لكيفية أداء الصلاة جماعة، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يتقيدون بذلك، فقد روى مالك في الموطأ والبيهقي في السنن الكبرى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ "يَأْمُرُ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ، فَإِذَا جَاءُوهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنْ قَدِ اسْتَوَتْ، كَبَّرَ".

    ثالثاً: ولا يقال إن #المرض المعدي هو عذر يجيز التباعد في الصلاة، لا يقال ذلك، لأن المرض المعدي عذر لعدم الذهاب للمسجد وليس عذراً لأن يذهب ويبتعد عن المصلي بجانبه متراً أو مترين!! فإن الأمراض المعدية حدثت في عهد رسول الله ﷺ (الطاعون) ولم يرد عن الرسول ﷺ أن المصاب بالطاعون يذهب للصلاة ويبتعد عن صاحبه مترين، بل هو معذور فيصلي في بيته... فالمنطقة التي ينتشر فيها المرض تكثف معالجتها مجاناً بجد واجتهاد برعاية الدولة، ولا تختلط بالأصحاء... يقول صلوات الله وسلامه عليه فيما أخرجه مسلم في صحيحه عن أسامه بن زيد قال: قال رسول الله ﷺ: «الطَّاعُونُ آيَةُ الرِّجْزِ ابْتَلَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ نَاساً مِنْ عِبَادِهِ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَفِرُّوا مِنْهُ». أي أن المريض بمرض معدٍ لا يختلط بالأصحاء ويوفر له العلاج الكافي الوافي بإذن الله. أما الصحيح فيذهب للمسجد يصلي الجمعة والجماعة كالمعتاد دونما تباعد..

    رابعاً: وكذلك لا يقال إن التباعد في الصلاة عند #الوباء يقاس على رخصة الصلاة جالساً عند المرض، فهذا ليس قياساً شرعياً، وذلك لأن المريض يصلي جالساً رخصة من الله سبحانه أي لعذر وهو المرض، والأعذار هي أسباب وليست عللاً، فالشرع لم يعللها بل جعل كل عذر منها عذراً للحكم الذي جاء عذراً له لا لغيره، فهو يعتبر عذراً خاصاً بالحكم الذي جاء له، وليس عذراً عاماً لكل حكم؛ فهو غير مفهم وجه العلية؛ ولذلك لا يقاس عليه، فالسبب خاص بما كان سبباً لوجوده، ولا يتعداه إلى غيره، فلا يقاس عليه. وهذا بخلاف العلة، فإنها ليست خاصة بالحكم الذي شرع لأجلها، بل تتعداه إلى غيره، ويقاس عليها.. ومن هنا يتبين أن ما ورد في العبادات، من كونها أسباباً وليست عللاً، يجعل العبادات توقيفية، لا تعلل ولا يقاس عليها؛ لأن السبب خاص بما كان سبباً له.

    خامساً: ثم إن #الرخصة هي حكم من أحكام الوضع، وهي خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد بالوضع، وما دامت هي نفسها خطاب الشارع، فلا بد من أن يكون هناك دليل شرعي يدل عليها. فمثلاً بالنسبة لصلاة المريض جالساً فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت بي بواسير فسألت النبي ﷺ عن الصلاة فقال: «صَلِّ قَائِماً فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِداً، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ»، فهذه رخصة أي عذر ورد الدليل الشرعي به، وكل ما ورد فيه دليل شرعي بأنه عذر لحكم معين يعتبر عذراً، وما لم يرد فيه دليل لا قيمة له، ولا يعتبر عذراً شرعياً مطلقاً... وحيث لا دليل على أن للمريض أن يبتعد في صلاته عن الذي بجانبه متراً أو مترين فإذن لا قيمة شرعاً لهذا القول، ولا يصح... فكيف إذا لم يكن مريضاً بل فقط لأنه يتوقع المرض؟!

    سادساً: والخلاصة مما سبق هي كما يلي:

    1- إن تغيير الكيفية التي بينها الرسول ﷺ للصلاة تُعَدُّ بدعة، بل إن #الحكم_الشرعي في هذه الحالة هو أن صحيح الجسم يذهب للصلاة كالمعتاد في صفوف متراصة، ودونما فرجات، والمريض بمرض معدٍ لا يذهب فلا يعدي غيره.

    2- فإذا أقفلت الدولة #المساجد، ومن ثم منعت الناس الأصحاء من أن يرتادوا المساجد للجمعة والجماعات فتكون آثمة إثماً كبيراً لتعطيل صلاة الجمعة والجماعة، فالمساجد يجب أن تستمر مفتوحة للصلاة كما بينها الرسول ﷺ.

    3- وكذلك إذا منعت الدولة المصلين من أداء الصلاة وفق الكيفية التي بيَّنها رسول الله ﷺ، بل ألزمتهم التباعد متراً أو مترين بين المصلي والذي بجانبه خشية #العدوى، خاصة دونما أعراض مَرَضية، فإنها تأثم بذلك إثماً كبيرا.

    هذا هو الحكم الشرعي الذي أرجحه في هذه المسألة، والله أعلم وأحكم... وإني أسأله سبحانه أن يهدي المسلمين إلى أرشد أمرهم، وأن يعبدوه سبحانه كما أمر، ويلزموا غرز رسوله ﷺ، ويقيموا الشرع الحنيف دونما حيد بإقامة الخلافة الراشدة... فإن في ذلك الخير والنصر بإذن الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وهو العزيز الحكيم.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    17 من شوال 1441هـ

    2020/6/8م

    أخوكم #أمير_حزب_التحرير

    #كورونا

    #Korona

    #Corona

    #فيروس_كورونا

     
     
    http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/ameer/jurisprudence-questions/68707.html
     
     
     
     
     
    أسئلة أجوبة منقولة عن صفحة أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة على موقع الفيس بوك
     
    http://naqed.info/forums/index.php?showtopic=6011&st=220&gopid=25479&#entry25479
     
     
    الثلاثاء, 09 حزيران/يونيو 2020 23:45
    انتباه، فتح في نافذة جديدة. PDFطباعةأرسل إلى صديق

     

    بسم الله الرحمن الرحيم

     

    جواب سؤال: #التباعد_في_الصلاة #بدعة يبوء الحكام بإثمها

     

    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد،

    إلى جميع الذين أرسلوا إليّ متسائلين عن #التباعد مترين بين المصلي والذي بجانبه في #صلاة_الجمعة والجماعة... ويقولون إن الحكام في بعض بلاد المسلمين يغلقون المساجد، وعندما يفتحونها يُلزمون المصلين بالتباعد مترين... وتبرر السلطات ذلك بأن المريض معذور فكما يصلي جالساً فيقاس عليه التباعد عن الذي بجانبه مترين بل حتى لو لم يكن مريضاً وإنما يخشى المرض فيتباعد... ويتساءلون هل يجوز للحكام أن يلزموا المصلين بالتباعد على النحو المذكور؟ أو هذا التباعد بدعة يبوء الحكام بإثمها؟ ويلح المتسائلون على معرفة الجواب...

    وجواباً على تساؤلاتهم أقول وبالله التوفيق:

    لقد سبق أن أصدرنا أكثر من جواب عن البدعة، ولو تدبرها المتسائلون لتبين لهم الجواب بأن التباعد على النحو المذكور هو بدعة يبوء الحكام بإثمها إذا ألزموا الناس بهذا التباعد، وبيان ذلك كما يلي:

    أولاً: أصدرنا في 28 رجب 1434هـ، الموافق 07/06/2013م، جاء فيه: (... إن البدعة هي مخالفة أمر الشارع الذي وردت له كيفية أداء، فالبدعة لغة كما في لسان العرب: "المبتدع الّذي يأتي أمراً على شبهٍ لم يكن...، وأبدعت الشّيء: اخترعته لا على مثالٍ". وهي في الاصطلاح كذلك، أي أن يكون هناك "مثال" فعله الرسول ﷺ ويأتي المسلم بخلافه، وهذا يعني مخالفة كيفية شرعية بيَّنها الشرع لأداء أمر شرعي، وهذا المعنى هو مدلول الحديث: «وَمَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» أخرجه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري. وهكذا فإن من سجد ثلاثاً في صلاته بدل اثنتين فقد جاء ببدعة، لأنه خالف فعل الرسول ﷺ، ومن رمى ثماني حصيات بدلاً من سبع على جمرات منى فقد جاء ببدعة لأنه كذلك خالف فعل الرسول ﷺ، ومن زاد على ألفاظ الأذان أو أنقص منها فقد جاء ببدعة لأنه خالف الأذان الذي أقره رسول الله ﷺ...

    أما مخالفة أمر الشارع الذي لم ترد له كيفية أداء، فهي تقع في الأحكام الشرعية، فيقال عنها حرام، أو مكروه... إن كان خطاب تكليف، أو يقال باطل أو فاسد... إن كان خطاب وضع، وذلك حسب القرينة المصاحبة للأمر...

    مثلاً: أخرج مسلم عَنْ عَائِشَةَ أم المؤمنين رضي الله عنها وهي تصف صلاة الرسول ﷺ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ «... وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ، حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِماً، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ، لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِساً...» فهنا بيّن الرسول ﷺ أن المسلم بعد أن يرفع من الركوع لا يسجد حتى يستوي قائما، وإذا رفع من السجود لا يسجد السجدة الأخرى حتى يستوي جالساً، فهذه كيفية بينها الرسول ﷺ، فالذي يخالفها يكون قد أتى ببدعة، فإذا قام المُصلي من الركوع ثم سجد قبل أن يستوي قائماً فيكون قد أتى ببدعة لأنه خالف كيفية بيَّنها الرسول ﷺ.

    لكن مثلاً أخرج مسلم عن عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ: «يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ، إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، عَيْناً بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ، أَوِ ازْدَادَ، فَقَدْ أَرْبَى»، فلو خالف المسلم هذا الحديث فباع الذهب بالذهب بزيادة، وليس وزناً بوزن، فلا يقال إنه أتى بدعة، بل يقال إنه ارتكب حراماً، أي الربا.

    والخلاصة: أن مخالفة الكيفية التي يبينها رسول الله ﷺ هي بدعة، ومخالفة الأمر المطلق للرسول ﷺ دون بيان الكيفية يقع في الأحكام الشرعية: الحرام والمكروه... الباطل والفاسد... وذلك حسب الدليل) انتهى... وقد أصدرنا أكثر تفصيلاً عن البدعة في 08 ذو الحجة 1436هـ الموافق 22/09/2015م وكذلك أصدرنا أجوبة أخرى قبل وبعد ذلك وهي كافية وافية بإذن الله.

    ثانياً: وعليه فإن الدول في بلاد المسلمين إذا قامت بإلزام #المصلين أن يتباعد الواحد عن الذي بجانبه مترا أو مترين، سواء أكان ذلك في #الجمعة أو الجماعة خشية العدوى، خاصة دونما أعراض مَرَضية، فإنها ترتكب بذلك إثماً عظيماً حيث هذا التباعد بدعة، وذلك لأنها مخالفة واضحة لكيفية الصفوف وتراصها التي بيَّنها رسول الله ﷺ بالأدلة الشرعية ومنها:

    - أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ، أَتَيْنَا النَّبِيَّ ﷺ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُون فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً... وَكَانَ رَفِيقاً رَحِيماً... «فَقَالَ ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ».

    - وأخرج البخاري في صحيحه عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، وَتَرَاصُّوا، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي».

    - وأخرج مسلم في صحيحه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ، ثُمَّ خَرَجَ يَوْماً فَقَامَ، حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ فَرَأَى رَجُلاً بَادِياً صَدْرُهُ مِنَ الصَّفِّ، فَقَالَ: «عِبَادَ اللهِ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ».

    - وأخرج مسلم أيضاً في صحيحه عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟» فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ».

    - وأخرج الحاكم، وقال حديث صحيح على شرط مسلم. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «مَنْ وَصَلَ صَفّاً وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَ صَفّاً قَطَعَهُ اللَّهُ».

    - وأخرج أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قال: «أَقِيمُوا الصُّفُوفَ فَإِنَّمَا تَصُفُّونَ بِصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا فِي أَيْدِي إِخْوَانِكُمْ وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفّاً وَصَلَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَمَنْ قَطَعَ صَفّاً قَطَعَهُ اللَّهُ».

    وهذا توضيح تام من رسول الله ﷺ لكيفية أداء الصلاة جماعة، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يتقيدون بذلك، فقد روى مالك في الموطأ والبيهقي في السنن الكبرى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ "يَأْمُرُ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ، فَإِذَا جَاءُوهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنْ قَدِ اسْتَوَتْ، كَبَّرَ".

    ثالثاً: ولا يقال إن #المرض المعدي هو عذر يجيز التباعد في الصلاة، لا يقال ذلك، لأن المرض المعدي عذر لعدم الذهاب للمسجد وليس عذراً لأن يذهب ويبتعد عن المصلي بجانبه متراً أو مترين!! فإن الأمراض المعدية حدثت في عهد رسول الله ﷺ (الطاعون) ولم يرد عن الرسول ﷺ أن المصاب بالطاعون يذهب للصلاة ويبتعد عن صاحبه مترين، بل هو معذور فيصلي في بيته... فالمنطقة التي ينتشر فيها المرض تكثف معالجتها مجاناً بجد واجتهاد برعاية الدولة، ولا تختلط بالأصحاء... يقول صلوات الله وسلامه عليه فيما أخرجه مسلم في صحيحه عن أسامه بن زيد قال: قال رسول الله ﷺ: «الطَّاعُونُ آيَةُ الرِّجْزِ ابْتَلَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ نَاساً مِنْ عِبَادِهِ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَفِرُّوا مِنْهُ». أي أن المريض بمرض معدٍ لا يختلط بالأصحاء ويوفر له العلاج الكافي الوافي بإذن الله. أما الصحيح فيذهب للمسجد يصلي الجمعة والجماعة كالمعتاد دونما تباعد..

    رابعاً: وكذلك لا يقال إن التباعد في الصلاة عند #الوباء يقاس على رخصة الصلاة جالساً عند المرض، فهذا ليس قياساً شرعياً، وذلك لأن المريض يصلي جالساً رخصة من الله سبحانه أي لعذر وهو المرض، والأعذار هي أسباب وليست عللاً، فالشرع لم يعللها بل جعل كل عذر منها عذراً للحكم الذي جاء عذراً له لا لغيره، فهو يعتبر عذراً خاصاً بالحكم الذي جاء له، وليس عذراً عاماً لكل حكم؛ فهو غير مفهم وجه العلية؛ ولذلك لا يقاس عليه، فالسبب خاص بما كان سبباً لوجوده، ولا يتعداه إلى غيره، فلا يقاس عليه. وهذا بخلاف العلة، فإنها ليست خاصة بالحكم الذي شرع لأجلها، بل تتعداه إلى غيره، ويقاس عليها.. ومن هنا يتبين أن ما ورد في العبادات، من كونها أسباباً وليست عللاً، يجعل العبادات توقيفية، لا تعلل ولا يقاس عليها؛ لأن السبب خاص بما كان سبباً له.

    خامساً: ثم إن #الرخصة هي حكم من أحكام الوضع، وهي خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد بالوضع، وما دامت هي نفسها خطاب الشارع، فلا بد من أن يكون هناك دليل شرعي يدل عليها. فمثلاً بالنسبة لصلاة المريض جالساً فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت بي بواسير فسألت النبي ﷺ عن الصلاة فقال: «صَلِّ قَائِماً فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِداً، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ»، فهذه رخصة أي عذر ورد الدليل الشرعي به، وكل ما ورد فيه دليل شرعي بأنه عذر لحكم معين يعتبر عذراً، وما لم يرد فيه دليل لا قيمة له، ولا يعتبر عذراً شرعياً مطلقاً... وحيث لا دليل على أن للمريض أن يبتعد في صلاته عن الذي بجانبه متراً أو مترين فإذن لا قيمة شرعاً لهذا القول، ولا يصح... فكيف إذا لم يكن مريضاً بل فقط لأنه يتوقع المرض؟!

    سادساً: والخلاصة مما سبق هي كما يلي:

    1- إن تغيير الكيفية التي بينها الرسول ﷺ للصلاة تُعَدُّ بدعة، بل إن #الحكم_الشرعي في هذه الحالة هو أن صحيح الجسم يذهب للصلاة كالمعتاد في صفوف متراصة، ودونما فرجات، والمريض بمرض معدٍ لا يذهب فلا يعدي غيره.

    2- فإذا أقفلت الدولة #المساجد، ومن ثم منعت الناس الأصحاء من أن يرتادوا المساجد للجمعة والجماعات فتكون آثمة إثماً كبيراً لتعطيل صلاة الجمعة والجماعة، فالمساجد يجب أن تستمر مفتوحة للصلاة كما بينها الرسول ﷺ.

    3- وكذلك إذا منعت الدولة المصلين من أداء الصلاة وفق الكيفية التي بيَّنها رسول الله ﷺ، بل ألزمتهم التباعد متراً أو مترين بين المصلي والذي بجانبه خشية #العدوى، خاصة دونما أعراض مَرَضية، فإنها تأثم بذلك إثماً كبيرا.

    هذا هو الحكم الشرعي الذي أرجحه في هذه المسألة، والله أعلم وأحكم... وإني أسأله سبحانه أن يهدي المسلمين إلى أرشد أمرهم، وأن يعبدوه سبحانه كما أمر، ويلزموا غرز رسوله ﷺ، ويقيموا الشرع الحنيف دونما حيد بإقامة الخلافة الراشدة... فإن في ذلك الخير والنصر بإذن الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وهو العزيز الحكيم.

    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    17 من شوال 1441هـ

    2020/6/8م

    أخوكم #أمير_حزب_التحرير

    #كورونا

    #Korona

    #Corona

    #فيروس_كورونا

     
     
    http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/ameer/jurisprudence-questions/68707.html
     
     
     
     
     
    أسئلة أجوبة منقولة عن صفحة أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة على موقع الفيس بوك
     
    http://naqed.info/forums/index.php?showtopic=6011&st=220&gopid=25479&#entry25479
     
    الأحد, 07 حزيران/يونيو 2020 00:52
    انتباه، فتح في نافذة جديدة. PDFطباعةأرسل إلى صديق
     
    بسم الله الرحمن الرحيم

    صلاة الجماعة من شعائر الإسلام التوقيفية،

    ولا يجوز أداؤها إلا على الوجه الذي جاء به الوحي

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد،

    قال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾إن الحق سبحانه أمرنا بإقامة الصلاة، وأدخل صيغة الأمر على الفعل قام ولم يدخلها على الصلاة مباشرة أي لم يقل "صلوا" بل جاء الأمر بالصلاة بصيغة تضم الصلاة وما لا تتم الصلاة إلا به، ومعنى أقام الشيء: أدامه على أكمل هيئة بشكل ثابت لا يتغير، ففعل الأمر "أقيموا" فيه معنى زائد عن صلوا، والمعنى المقصود وهو دوام أداء الصلاة وفق أسبابها مستكملة أركانها وشروطها وفق ما أداها النبي صلى الله عليه وسلم.

    والصلاة عبادة توقيفية ولها كيفية منقولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً والإحداث فيها بدعة، وقد بيَّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هيئتها للمقيم والمسافر، والمعافى والسقيم، وبيَّن أحكام صلاة الجماعة وكيفية أدائها، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الحويرث رضي الله عنه ومن معه فقال: «... وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي،...» رواه البخاري.

    أيها المسلمون:



    عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لَتُنْتَقَضَنَّ عُرَى الْإِسْلَامِ عُرْوَةً عُرْوَةً، فَكُلَّمَا انْتُقِضَتْ عُرْوَةٌ تَشَبَّثَ النَّاسُ بِالَّتِي تَلِيهَا، فَأَوَّلُهُنَّ نَقْضاً: الْحُكْمُ وَآخِرُهُنَّ الصَّلَاةُ»، رواه أحمد والحاكم وابن حبان بإسناد صحيح.



    لقد أغلق حكام الطاغوت المساجد ومنعوا إقامة صلوات الجماعة وصلاة الجمعة بحجة منع انتشار وباء كورونا، واتخذوا من بعض الفتاوى غطاء لهم في جريمتهم، والمؤلم أيضاً أننا سمعنا عن دعوات لإقامة صلاة الجماعة على هيئة تخالف ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وللأسف شاهدنا لهذا أمثلة في بعض البلاد الإسلامية، فرأيناهم متباعدين مخلين بالصفوف، وهذا مخالف للهيئة التوقيفية لصلاة الجماعة، ونقض لعروة الصلاة، ولبيان هذا نورد الأدلة التالية:

    عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ، مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ» رواه مسلم، وفي رواية البخاري «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ».



    وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ، ثُمَّ خَرَجَ يَوْماً فَقَامَ، حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ فَرَأَى رَجُلاً بَادِياً صَدْرُهُ مِنَ الصَّفِّ، فَقَالَ: «عِبَادَ اللهِ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» رواه مسلم.



    وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، وَتَرَاصُّوا، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي» رواه البخاري.

    وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: «أَتِمُّوا الصَّفَّ الْمُقَدَّمَ، فَإِنْ كَانَ نُقْصَانٌ فليكن في المؤخرة» رواه ابن حبان بسند صحيح.

    وعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟» فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ» رواه مسلم.



    وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: «مَنْ وَصَلَ صَفّاً وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَ صَفّاً قَطَعَهُ اللَّهُ» رواه الحاكم وقال حديث صحيح على شرط مسلم.

    وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَقِيمُوا الصُّفُوفَ، وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ، وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ، وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ، وَمَنْ وَصَلَ صَفّاً وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَ صَفّاً قَطَعَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ» رواه أحمد والبيهقي بسند صحيح.



    هذه الأدلة تبين الكيفية التي تكون عليها الصفوف في صلاة الجماعة، وهي أدلة تفيد وجوب استقامة الصف وتراصّه، والأدلة السابقة تضمنت قرائن تفيد الوجوب، فاستواء الصفوف «مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ» في رواية البخاري، و«مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ» في رواية مسلم، وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقامة الصفوف والمحاذاة بين المناكب وهذا يفيد استقامة الصفوف، ثم أمر بسد الخلل ووصف الخلل بفرجات الشيطان، ثم أكد على وجوب وصل الصف وعدم التباعد بقوله «وَمَنْ وَصَلَ صَفّاً وَصَلَهُ اللهُ» ثم قال «وَمَنْ قَطَعَ صَفّاً قَطَعَهُ اللَّهُ» وهذا زجر شديد عن قطع الصفوف، فهذه قرينة جازمة، وقوله صلى الله عليه وسلم «عِبَادَ اللهِ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ» تضمّن قسماً وتوكيداً، وهذا من أقوى صيغ التوكيد وهذه قرينة أخرى تفيد وجوب تسوية الصفوف، فدخول لام القسم على الفعل المضارع مع نون التوكيد المشددة تفيد التأكيد، ثم جاء جواب القسم مؤكداً العقوبة على مخالفة ما جاء في القسم؛ وبناء على هذه الأدلة والقرائن التي تضمنتها لا تجوز إقامة صلاة الجماعة والصفوف مخلخلة، روى مالك في الموطأ والبيهقي في السنن الكبرى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ "يَأْمُرُ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ، فَإِذَا جَاءُوهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنْ قَدِ اسْتَوَتْ، كَبَّرَ"، ولم نقف على دليل واحد يجيز إقامة صلاة الجماعة والصفوف مخلخلة أو غير متراصة.



    وفي علم الأصول لا يجوز ترك الواجب إلا لوجود رخصة أو مانع دل الدليل الشرعي عليه سواء أكان مانع طلب وأداء أو مانع طلب فقط، ولم نقف على رخصة شرعية تجيز إقامة صلاة الجماعة بصفوف غير مستوية أو مخلخلة، أما قياس صلاة الجماعة على صلاة المريض، أي اعتبار الوباء رخصة في التباعد مثل المرض الذي هو رخصة في الصلاة جالساً، فهذا القياس عقلي وليس شرعياً وهو قياس من غير علة شرعية، لأن شرط القياس وجود علة تجمع بين الحكم الذي جاء به الدليل والفعل الذي يُراد قياسه عليه، فالمريض يصلي جالساً لسبب وليس لعلة والسبب هو المرض وهذا رخصة، ولا بد من التفريق بين أسباب الرخص القاصرة وعلل الأحكام المتعدية... وقد فرق علماء الأصول بين السبب القاصر والسبب غير القاصر الذي يصلح أن يكون علة، أي فرقوا بين السبب والعلة، فقصر الصلاة رخصة وسببها السفر، فالسفر سبب وليس علة ولذلك لا يقاس عليه، والصلاة جالساً رخصة وسببها المرض، والمرض سبب وليس علة فلا يقاس عليه، هذا أولاً، أما ثانيا: فهو أن القياس يكون بإلحاق فرع بأصل لاشتراكهما في نفس العلة أي اشتراكهما في الحكم والموضوع، ومثاله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لاَ يَقْضِيَنَّ حَكَمٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ» رواه البخاري، فالقاضي الغضبان والقاضي المضطرب لمصيبة ألمّت به، لا يجوز لهما القضاء لاشتراكهما في وجه التعليل وهو عدم استقرار العقل والذهن، فالموضوع هو القضاء، والحكم هو حرمة القضاء، والعلة الغضب أو شرود الذهن، فعلة الغضب وشرود الذهن موضوعها القضاء، والحكم يدور معها لأنها الباعث عليه، وهذا لا ينطبق مثلاً على من باع أو اشترى وهو غضبان، لأن العلة جاءت في القضاء وليس البيع، فالموضوعان منفصلان، وكذلك صلاة الجماعة وصلاة المريض فهما موضوعان منفصلان، فصلاة الجماعة مسألة ولها حكم خاص بها، وصلاة المريض مسألة أخرى ولها حكم خاص بها ولا يقع بينهما القياس، ويضاف إلى ما سبق أن أسباب الأحكام أو عللها يجب أن يدل عليها الدليل الشرعي، فكل سبب يجب أن يكون عليه دليل، وكل علة كذلك.



    الخلاصة: صلاة الجماعة لها صفة مخصوصة لا تجوز مخالفتها وهي واضحة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «أَقِيمُوا الصُّفُوفَ، وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ، وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ، وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ، وَمَنْ وَصَلَ صَفّاً وَصَلَهُ اللهُ، وَمَنْ قَطَعَ صَفّاً قَطَعَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ» رواه أحمد والبيهقي بسند صحيح.



    فإقامة صلاة الجماعة على غير هدي النبوة هو نقض لعروة الصلاة، أما موضوع الوباء ومنع تفشيه فيكون عبر وسائل وأساليب بعيدة عن الإحداث في دين الله ما ليس منه، وإن صدقت العزائم فيمكن القيام بما يلزم وإقامة شعائر الله على الوجه الذي شرعه الحق سبحانه وبيَّنه رسوله صلى الله عليه وسلم.



    وفي الختام: إن أحكام الله لا تؤخذ بالأهواء والظنون والشكوك، بل تؤخذ من أدلتها المعتبرة شرعاً مع بذل الوسع في فهمها وفق دلالات اللغة وقواعد الاستدلال الصحيحة، وتحصيل الترجيح وغلبة الظن يكون وفق القرائن وقواعد الترجيح الصحيحة، والأحكام الشرعية لا تؤخذ من المنافقين أو علماء السلاطين، أو المفتونين من الأئمة الذين يتابعون الظالمين، وإنما تؤخذ من العلماء الربانيين والأتقياء المخلصين الذين يقولون الحق ولا يخشون في الله لومة لائم.



    وبفضل الله ورحمته كان الوباء على المسلمين قليل الحدة والانتشار، وهذا يوجب شكر الله تعالى على نعمته وفضله ورحمته، ومن شكره القيام بأمره سبحانه وفق ما أمر من غير تحريف أو تبديل، والتقرب إليه بما يرضيه.



    فمعظم البلاد في فلسطين لم ينتشر فيها الوباء وهناك مناطق لم تسجل فيها إصابة واحدة، وهذا يوجب إقامة الصلاة على وجهها ووفق ما أداها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما البلدات التي ظهر فيها بعض الإصابات، فهذه يحجر فيها على المصابين وعلى المخالطين لهم الذين هم مظنة العدوى، وتقام الصلوات بالصحاح أو غير المصابين، وهذا هو هدي النبوة الذي جاءت به الأدلة الشرعية... فحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «لَا عَدْوَى...»، أخرجه البخاري، هناك من يفسره بنفي العدوى... ولكن الأرجح أنه خبر في معنى الطلب أي أن الحرف "لا" للنهي وليس للنفي، وهذا يوجب على المريض بمرض معد أن يحجر نفسه حتى لا ينقل العدوى إلى غيره، وفي هذا المعنى جاء حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «لاَ تُورِدُوا المُمْرِضَ عَلَى المُصِحِّ» أخرجه البخاري.



    ومع رفع الإجراءات وفتح المرافق ومنها أماكن اللهو والمتنزهات ما بقي لأحد عذر، ولكن وزير الأوقاف ومن تابعه من المفتونين الذين لا يقيمون وزناً لشعائر الله وحدود الله دعوا إلى هذه البدعة ويريدون حمل الناس عليها، وسبحان الله ترى الناس يجتمعون ويتزاحمون في الأسواق وغيرها، وعند إقامة الصلاة يدعونهم إلى التباعد مخالفين هدي النبوة!

    وخاتمة الختام: نوصيكم بتقوى الله العظيم وتحري الحق والصدق مع الله تعالى، ومذكرين بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» رواه مسلم، ونسأل الله تعالى أن يشرح صدور المسلمين لهذا الخير فينقلبوا به من خير إلى خير، وأن يعيننا على إقامة دينه ويعزنا بخلافة راشدة على منهاج النبوة تقيم الدين على خير ما يحب الله ويرضى، وتحمله رسالة خير ورحمة وهدى للناس أجمعين.

    حزب التحرير - الأرض المباركة فلسطين
    8 شوال 1441هـ
    الموافق 30/5/2020م
     
     

     

     

     

    https://www.pal-tahrir.info/pal-publications/12009-صلاة-الجماعة-من-شعائر-الإسلام-التوقيفية،-ولا-يجوز-أداؤها-إلا-على-الوجه-الذي-جاء-به-الوحي.html

     

    الصفحة 14 من 132

    اليوم

    الإثنين, 29 نيسان/أبريل 2024  
    21. شوال 1445

    الشعر والشعراء

    يا من تعتبرون أنفسكم معتدلين..

      نقاشنا تسمونه جدالا أدلتنا تسمونها فلسفة انتقادنا تسمونه سفاهة نصحنا تسمونه حقدا فسادكم تسمونه تدرجا بنككم...

    التتمة...

    النَّاسُ بالنَّاسِ ما دامَ الحـياءُ بــهمْ

    نفائس الثمرات النَّاسُ بالنَّاسِ ما دامَ الحـياءُ بــهمْ والسـعدُ لا شــكَّ تاراتٌ وهـبَّاتُ النَّاسُ بالنَّاسِ ما دامَ...

    التتمة...

    إعلام ُ عارٍ

    إعلام عار ٍ يحاكي وصمة العار      عار ٍ عن الصدق في نقل ٍ وإخبارِ ماسون يدعمه مالا وتوجيها         ...

    التتمة...

    إقرأ المزيد: الشعر

    ثروات الأمة الإسلامية

    روائع الإدارة في الحضارة الإسلامية

    محمد شعبان أيوب إن من أكثر ما يدلُّ على رُقِيِّ الأُمَّة وتحضُّرِهَا تلك النظم والمؤسسات التي يتعايش بنوها من خلالها، فتَحْكُمهم وتنظِّم أمورهم ومعايشهم؛...

    التتمة...

    قرطبة مثلا

    مقطع يوضح مدى التطور الذي وصلت اليه الدولة الاسلامية، حيث يشرح الدكتور راغب السرجاني كيف كان التقدم والازدهار في  قرطبة.

    التتمة...

    إقرأ المزيد: ثروات الأمة الإسلامية

    إضاءات

    JoomlaWatch Stats 1.2.9 by Matej Koval