أحدث المقالات

مختارات الفيديو

.

الجمعة, 19 حزيران/يونيو 2020 15:28
انتباه، فتح في نافذة جديدة. PDFطباعةأرسل إلى صديق

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

قدرة شبكات التواصل الإلكتروني على التلاعب بالرأي العام وكيفية مواجهة ذلك

 

 

مقدمة: لا شك أن للفضاء الإلكتروني بصفة عامة ولشبكات التواصل بصفة خاصة قدرة على الولوج إلى الرأي العام والتأثير فيه بشكل يبدو سحريا في بعض الأحيان. ففي الوقت الذي تمثل فيه هذه الشبكات أداة من أدوات القوة الناعمة حين تعطي للقوى المؤثرة دوليا إمكانية الحصول على ما تريد من خلال التسويق والدعاية والجذب والإقناع، فإنها أيضا أداة لخوض حروب الدعاية المضادة أو حروب المعلومات ضمن ما بات يعرف اليوم بحرب الجيل الرابع، حيث تُستخدم حرب المعلومات هجوميا لتقويض الخصوم، وربما نعتبر هذا "قوة ناعمة سلبية". ما يهمنا على صعيد سياسي مرتبط أساسا بواقع الصراع الحضاري الذي يخوضه الغرب ضد أمة الإسلام وهي تتهيأ لإقامة كيان تنفيذي يجسد حضارتها، هو وضع هذه التقنيات واستخداماتها الحالية في إطارها السياسي الصحيح وبشكل دقيق، ثم معرفة إلى أي مدى يمكن استخدام شبكات التواصل في توجيه الرأي العام أو التأثير فيه، بل إلى أي درجة يمكن الحديث عن تحكم صناع الرأي العام بحركات الشعوب، والأهم كيف لنا أن نواجه هذه القدرة الهائلة على توظيف هذه الأدوات المهمة في ربط الشعوب بما تقره الدول الكبرى وسياساتها، ثم أخيرا هل بالإمكان امتلاك أدوات مماثلة يمكن توظيفها في عملية القوامة على فكر الأمة وحسها وتشكيل وعيها العام والحفاظ على صفاء ونقاء الرأي العام الإسلامي داخلها؟ شبكات التواصل: سلاح ذو حدين بعد أن دخل العالم ميادين حرب الجيل الرابع، أخذ الاهتمام يتجه بأقصى درجة إلى استخدام التطور في مجال الفضاء الإلكتروني، في دعم هذه الحرب، وما يحتويه هذا المجال من وفرة بلا حدود في المعلومات. وبصفة خاصة ما يتصل بالمساحة التي بدأ يشغلها الجانب العسكري في هذا المجال، وإن كانت القدرات العسكرية ما زالت في مراحلها المبكرة، إلا أن القوى الكبرى صاحبة الريادة في مجال الفضاء الإلكتروني، تعتبره سلاحا سياسيا فائق التأثير. فحرب الجيل الرابع التي دشن العلماء والخبراء العسكريون الأمريكيون، مفهومها عام 1989، هي التي قلصت من مفهوم القتال عن طريق الحشود العسكرية، والصدام المسلح المباشر، لتستبدل به نوعا غير مباشر من الحروب، التي تستهدف العقل الجمعي لمجتمع الدولة المستهدفة، بضرب معنويات الشعب، والتشكيك فيه وفي قياداته، وإشعال الفوضى داخل الدولة، لزعزعة استقرارها، باستخدام وكلاء محليين، وبحيث لا تتورط القوى الخارجية في هذه الحرب مباشرة ضمن ما بات يعرف لاحقا بنظرية الفوضى الخلاقة التي لم تعد تقف على نشر الشركات الأمنية الخاصة لإحلال الديمقراطية، بل لا بد من معاضدة جهودها بجيوش افتراضية تساهم في إخضاع البلد إلى الجهات المتربصة، وهو ما يُجنّب الجيوش النظامية "شرّ القتال". ورغم أن حرب المعلومات ليست جديدة، فإن التكنولوجيا السيبرانية تجعلها أرخص وأسرع وأبعد مدى، كما تزيد من صعوبة اكتشافها وسهولة إنكارها. ولهذا توجهت أنظار خبراء الاستراتيجية إلى مجال حروب الفضاء، ليكون داعما بوسائله لهذا النوع من الحروب الحديثة. كما وضع هؤلاء الخبراء استراتيجيات مدروسة بعناية فائقة في مجال الأمن السيبراني، وتوظيف جيوش حقيقية من الخبراء العاملين في هذا المجال، فضلا عن الجيوش الافتراضية. ولنحاول أن نتناول هذه الفكرة بشيء من التفصيل والتبسيط: إن الواضح لكل متابع أن تسليط الضوء على جرائم الأنظمة وفضائح الساسة والحكام وممارسات الدول وانتهاكاتها للشعوب وإراقتها للدماء واعتداءاتها المتكررة على أبسط مقومات العيش الكريم للإنسان ووضع ذلك كله تحت المجهر ثم ضخه بشكل تراكمي عبر منشورات تستهدف شرائح الناس المختلفة، من شأنه أن يوجد حالات من الامتعاض والاحتقان لدى الشعوب تصل إلى حد زعزعة استقرار الأنظمة وإحداث شرخ فيها أو تغيير في تشكيلات الحكومات ورموز هذه الأنظمة وبالتالي إيجاد الأرضية المناسبة لتركيز وفرض النموذج الغربي في الحكم، خاصة وأن هذه الشبكات العالمية تتيح وصول العالم أجمع إلى المعلومة فور نزولها بشكل سريع ومُعولم وفاضح في الآن ذاته، ما يجعل لكل خبر متعلق بالشأن العام والشخصيات العامة قيمة مهمة من حيث مصداقيته وكيفية صياغته وتوقيت نشره لكل من أراد أن يسرب خبرا إلى جمهور من المتلقين. وقد أدركت الشركات المتعددة الجنسيات منذ فترة طويلة أنها معرضة لخفض قيمة أسهمها عبر حملات التشهير، ووضعت استراتيجيات لمجابهة ذلك قبل ظهور حملات التسريب على غرار "ويكيليكس" و"سويسليكس". في المقابل، فإن صناع الرأي العام والقادرين على توجيه الشعوب والتأثير في خياراتها الانتخابية والسياسية، صاروا يعتمدون هذه الشبكات والقنوات الاتصالية نفسها لتلميع صور الحكام أو لصناعة رموز بديلة وزعامات جديدة تخدم بقاء النظام الرأسمالي العالمي جاثما فوق الصدور، بحيث يبدو الرئيس الذي تغزو صوره شبكات التواصل وتزكيه شركات سبر الآراء منتخبا "ديمقراطيا" لأنه حصد ملايين الإعجابات الافتراضية. ومع ذلك، لم تنجح هذه الشبكات على تعددها في صرف أنظار الأمة عن مشروعها النهضوي وعن المناداة بتحررها من ربقة الاستعمار وأنظمته ولم تمكنهم من التنبؤ بتحركات شعوب الأمة، بل لم يخف بعض المسؤولين الأمريكان تخوفاتهم من تحول هذه الشبكات إلى أداة بأيدي "الأصوليين" يستغلونها لنشر أفكارهم المعادية للحضارة الغربية، ولسان حالهم يقول: لا تفضحوا زيف حضارتنا بأدوات من صنع أيدينا. وهكذا، صار هؤلاء يخشون من تحول هذه التقنيات إلى أسلحة حقيقية وفاعلة ضدهم، تستهدف أفكارهم فتبين بطلانها وتكشف زيف حضارتهم وحجم نفاقهم السياسي العالمي العابر للقارات. ومن أهم الأقوال التي توضح هذا التخوف بشكل ملموس، ما صرح به رئيس أركان الجيش الأمريكي السابق الجنرال "راي أوديرنو" خلال محاضرة له في المعهد الملكي البريطاني "تشاتهام هاوس" بتاريخ 6 حزيران/يونيو 2012، والتي جاءت تحت عنوان: الجيش الأمريكي في المرحلة الانتقالية، حيث قال: "دعونا ننظر حول العالم، وما نراه في العالم. وجزء من هذا العالم هو، ما تعلمت، وأعتقد أن ما تعلمناه جميعاً من منظور عسكري على مدى السنوات الخمس أو الست الماضية هو هذا الربط، هذه القدرة العالمية على الاتصال التي تمكن المعلومات من الانتقال الفوري في جميع أنحاء العالم، قد أثرت على الأمن وستؤثر على كيفية تفكيرنا حول كيفية وجوب توفير الأمن في المستقبل. وقد رأينا أن هذا قد لعب دوراً في الربيع العربي، سواء أكان ذلك في ليبيا، أو في مصر، أو في تونس وترونه لا زال يلعب قليلا، اليوم، في سوريا. عندما نناقش هذا، فإننا سوف نقول لكم إن الربيع العربي لم ينته بعد. أعني، إنها مجرد بداية، ونحن الآن قد دخلنا مرحلة انعدام اليقين". ثم أضاف: "التحكم الافتراضي هو قيادة عمليات افتراضية على مستوى العمليات الاستراتيجية العالمية لدينا قيادة افتراضية للجيش، نصبناها ونحن نواصل العمل على كيفية تنظيمها. وحسب رأيي ومن وجهة نظر عسكرية نحن ندعم قيادة افتراضية بمقدرات قومية استراتيجية، ثم لدينا كذلك تحكم عملياتي افتراضي، حالياً تكتيكي، من أين يمكن قيادة عمليات مستقبلية، كيف يتم إدماج ذلك في المعلومات التكتيكية، ونحن بصدد العمل على ذلك الآن". وهكذا، نتبين أن الانتقال الفوري والسريع للمعلومات بقدر ما هو مهم ومفيد للجهات الاستعمارية، فإنه يسرع من تآكل منظومة الغرب إذا وضع بأيدي خصومها، وعليه صار لا بد من حصر مجالات استخداماته وتمكين المخابرات الدولية من التحكم في انتشار المعلومة والحصول على المعطيات الشخصية بما يمنع خروج الوضع عن سيطرة القوى الكبرى، وهو ما يجسد مخاوف حقيقية لهذه الأنظمة الاستعمارية التي تفرض انحياز الشركات الرائدة في هذا المجال إلى أجنداتها وإنقاذها من التهاوي، وتكفي الإشارة في هذا الصدد إلى الاتفاقية التي حصلت أواخر 2019 بين بريطانيا وشركتي "فيسبوك" و"واتساب" والتي تلتزم بموجبها هاتين المنصتين بمشاركة رسائل المستخدمين المشفرة مع الشرطة البريطانية، لدعم تحقيقات بشأن أفراد يواجهون اتهامات جنائية خطيرة، بينها الإرهاب. وجاء ذلك إثر تصريح مثير لوزيرة الداخلية البريطانية "بريتي باتيل" حذرت فيه من أن خطة "فيسبوك" لتمكين المستخدمين من أن يبعثوا برسائل كاملة مشفرة، ستصب في صالح مجرمين، داعية إلى "تطوير أبواب خلفية، لتمكين وكالات الاستخبارات من الدخول إلى منصات الرسائل". نماذج من التلاعب بالرأي العام عبر شبكات التواصل يساهم الفيسبوك بسبب القواعد التقنية (Algorithmes) التي يستخدمها لعرض المضامين في سجن الناس في فضاءات مغلقة منسجمة أيديولوجيا وسياسيا لا مكان فيها للتنوع يطلق عليها "غرف الصدى"، وهو ما يحيلنا مباشرة إلى المفهوم الحقيقي للديمقراطية من كونها فن خداع الشعوب. هذا التوجيه الإعلامي المباشر لجمهور الناخبين، لم يعد خافيا على جميع المتابعين، فقد كشفت مثلاً صحيفة "لوموند" الفرنسية بتاريخ 7 آذار/مارس 2019 أن أثرياء أمريكيين يمولون حملات إشهارية سياسية في أوروبا. كما أصدر البرلمان البريطاني في شهر شباط/فبراير 2019 تقريراً عن التضليل والأخبار الكاذبة (Disinformation and fake news) وصف فيه شركات الميديا بـ "العصابات الرقمية". · الانتخابات الأمريكية ربما تعد فضيحة بيانات فيسبوك-كامبريدج أناليتيكا من أكبر الفضائح السياسيّة في العالم، حيث تفجّرت في أوائل عام 2018 عندما تم الكشف عن أنّ شركة كامبريدج أناليتيكا (وهي شركة استشارات سياسية بريطانية مختصة في دراسات الرأي العام والتأثير على الناخبين في الحملات الانتخابية) قد جمعت "بيانات شخصية" حول أكثر من 50 مليون شخص على موقع فيسبوك من دون موافقتهم قبل أن تستخدمها لأغراض "الدعاية السياسية" لحملة ترامب الرئاسية حيث تم استعمال وسائل وطرق دقيقة لاستهداف الناخبين الأمريكيين وللتأثير في اتجاهات الناخبين عبر معالجة المعطيات المتوفرة عنهم في الميديا. وُصفت الفضيحة من الكثيرين على أنها "لحظة فاصلة" في الفهم العام للبيانات الشخصية كما أدّت إلى حدوث هبوطٍ كبيرٍ في سعرِ أسهم شركة فيسبوك العالميّة فيما دعا آخرون إلى "تنظيمٍ أكثر صرامة" لاستخدام شركات التكنولوجيا للبيانات الشخصية. كما تسبّبَ ذلك في "غضبٍ شعبيّ كبير" نجمَ عنه سقوط القيمة السوقيّة لشركة فيسبوك بأكثر من 100 مليار دولار في حدودِ أيّام فيمَا طالبَ عددٌ من الساسة في كلٍ من أمريكا وبريطانيا بإجابات من الرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك مارك زوكربيرغ الذي اضطرّ في نهاية المطاف إلى الموافقة على الإدلاء بشهادته أمام الكونغرس الأمريكي في 10 نيسان/أبريل 2018، بل تم تغريم شركة فيسبوك بنحو 500 ألف جنيه إسترليني (640 ألف دولار أمريكي). · الانتخابات التونسية بتاريخ 5 كانون الثاني/يناير 2020 نشرت وحدة البحوث الرقمية DFRLab التابعة لمركز الأبحاث الأمريكي "المجلس الأطلسي"، تقريرا من 31 صفحة باللغة الإنجليزية حمل اسم "عملية قرطاج: كيف أدارت شركة تونسية عملية تأثير على انتخابات رئاسية في دول أفريقيا" الذي كشف أن شركة "UReputation" التونسية قدمت خدمات للتوجيه والتضليل لصالح عملائها من السياسيين في تونس وفي دول أفريقية أخرى بهدف التأثير على الناخبين. تقرير جاء بعد أن أعلنت شركة فيسبوك في نهاية أيار/مايو الماضي عن غلق كلي لـقرابة 900 حساب ومجموعة سواء على شبكة فيسبوك أو الإنستغرام ينتسب أصحابها لمجموعة من الدول الأفريقية من بينها تونس، وما يجمع بينها صلتها بشركة UReputation. هذه الشركة التي تعرف نفسها على أنها وكالة تقدم خدمات تشمل الحماية والتأثير والتوجيه مقرها تونس، اتضح أنها استخدمت هذه الحسابات لصالح جهات سياسية في تونس وخارجها بهدف التأثير على الانتخابات، وفق ما كشفه تقرير وحدة البحوث الرقمية التابع للمجلس الأطلسي المختص في التحقيق والتدقيق في البيانات التي تقدم له من فيسبوك لوقف سوء الاستخدام أو التضليل وفق ما يعرف بـ"السلوك المريب للمستخدمين". وقد كشف التقرير أن هذه الوكالة تمكنت من استهداف جمهور قدرته بـ3.8 مليون شخص في 10 دول أفريقية، عبر صفحات وحسابات شخصية ومجموعات مغلقة في إطار خدمات تأثير أطلق عليها "عملية قرطاج" التي أنفق عليها من الوكالة حوالي 331.000 دولار في شكل إعلانات على الفيسبوك أي ما يقارب 1 مليون دينار تونسي وقع إنفاقها لاستهداف 3.2 مليون شخص. جمهور استهدف عبر 446 صفحة على شبكة الفيسبوك، من بينها صفحات مخصصة لاستهداف جمهور تونسي، هذه الصفحات تقع إدارتها من حسابات شخصية وقع حذف بعضها وهي حوالي 182 حساباً شخصياً، إضافة إلى إنفاق مبالغ للإشهار لمجموعات مغلقة قدر عددها بـ 96 مجموعة إضافة إلى 209 حساب من شبكة إنستغرام، وقع حذف جلها نهاية أيار/مايو الماضي. حسابات قامت بتقديم خدمة تضليل ونشر معطيات خاطئة عن شخصيات سياسية تونسية إضافة إلى القيام بعملية تحيل على المستخدمين عبر إطلاق الصفحات كصفحات (اجتماعية) أو تسلية لا تتطرق للمواضيع السياسية بما يساعد على تسويقها وضمان مشتركين فيها قبل أن تقوم بتغيير اسمها ومجال نشاطها إلى السياسي. وبعضها وقع إنشاؤه مع فترة الحملة على غرار صفحة "انتخابات تونس 2019" التي نظمت الكثير من عمليات سبر الآراء المرجحة لفوز نبيل القروي في الانتخابات الرئاسية، وأحدها نشر يوم الاقتراع في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية بهدف التأثير على مزاج الناخبين للتصويت لصالح القروي على اعتبار أنه الفائز. ولذلك لا نستغرب أن نجده منافسا رئيسيا في الدور الثاني، للأستاذ قيس سعيد الذي ظهرت عشرات الصفحات المساندة له بشكل مفاجئ أثناء الحملة الانتخابية التي نقلت جميع أنشطته اليومية، ومع أن جل هذه الصفحات والمنشورات الموجهة كانت ممولة، ومع أنه ظل يتصدر استطلاعات الرأي لأشهر قبل الموعد الرسمي للانتخابات، إلا أن وسائل الإعلام الرسمية ظلت تقنع متابعيها بأن أستاذ القانون الدستوري قد فاز في الانتخابات الرئاسية دون تمويل، ورأسماله كان فقط ما يحتسيه من قهوة في الأماكن الشعبية. نحن إذن إزاء "خوارزميّات" تعمل لإحداث حركية والترويج للمضمون المراد نشره في صفوف المستخدمين والذي قدر بأكثر من 3 مليون متعرض لمادة، نشرت عبر العشرات من الحسابات الوهمية والصفحات التي يديرها فريق من المختصين العاملين مع هذه الشركة، لتنحصر المنافسة بين شخصين هما قيس سعيد ونبيل القروي، الأول عرّف على أنه رمز الطهر والزهد في الحكم ونظافة اليد وأنه يرفض التدخل الأجنبي في شؤون البلاد رفضا قاطعا، والثاني تم تقديمه على أنه رمز الفساد والمافيوزية والاستعانة بالأجنبي بل حتى بالصهاينة من أجل وصوله إلى الحكم، فكانت النتيجة طبيعية وهي رجوح كفة قيس سعيد على حساب القروي. كيفية مواجهة التلاعب بالرأي العام إن ما يجب على كل سياسي إدراكه وهو يستعمل شبكات التواصل، هو أنه بصدد التعامل مع إحدى أهم أدوات المخابرات الدولية في توجيه الشعوب وتضليلها وأشدها مكرا وخداعا، وأن هذه الأدوات نفسها تتطور يوما بعد يوم مستفيدة من تقنيات الذكاء الصناعي، ولذلك فإن وجود آلاف الحسابات الوهمية وخوارزميات الإعجابات المتراكمة والتعاليق الآلية عبر برامج وتطبيقات إضافية والتبليغات الآلية عن الصفحات من أجل حجبها وغلقها مقابل تمويل بقاء الصفحات المليونية هو أمر طبيعي ويومي، ما يجعل السلوك الجماعي داخل هذه الأماكن الافتراضية موجّها بشكل يصعب الإفلات من تأثيره، حيث تكاد الشائعات في هذا المكان أن تصبح خبرا يقينيا لا مجال لنفيه ودحضه. وعليه، صار لزاما على كل من يريد التأثير عبر هذه الشبكات أن يتسلح وقتيا بجملة من الإجراءات إلى حين إعداد بديل عنها، ولعل أهم هذه الإجراءات هي: - استعمال بريد إلكتروني صحيح وربطه برقم الهاتف. - تجنب الأسماء المستعارة وضرورة وضع صور حقيقية تمكن من التأكد من هوية الشخص. - محاولة وضع صور لمناسبات رسمية ومشاركتها مع أصدقاء داخل الشبكة بما يؤكد أن الحساب المعتمد حقيقي وليس وهميا، مثل المقهى السياسي أو صور من ندوة سياسية أو غيرها. - إعداد صفحات بديلة للصفحات الرسمية التي قد يرى من خلالها ترويج لخطاب الكراهية أو معاداة السامية، والاستعداد لعمليات الغلق الآلي في كل لحظة، بحيث يتم إنشاء صفحة ثالثة كلما تم غلق الصفحة الأولى، والمرور مباشرة إلى استعمال الصفحة الثانية، وهكذا... - القيام بتسجيل محتوى الصفحات بشكل دوري، حتى لا يضيع المحتوى عند الحذف. - وضع نفس منشورات الصفحة على موقع رسمي. - تمويل المنشورات التي تتحدث عن الشأن العام بكلام عام يفهمه عامة الناس. - تمويل المنشورات التي تتحدث عن الشأن العام بكلام خاص ببعض الأوساط وأهل العلم مع تخصيص الفئة المستهدفة بهذه المنشورات (فقهية كانت أم فكرية أم سياسية). - محاولة اختصار الفكرة المراد الترويج لها، وتسليط إحساس المتلقي على الواقع ما أمكن، مع وضع صور معبرة ولافتة للنظر. - محاولة استعمال أكثر الهاشتاغات ظهورا كلما أمكن ذلك، وتوظيفها لصالح الفكرة المراد نشرها. - الحرص على إعادة نشر الأخبار المكتوبة والمرئية بتعاليق منبثقة عن زاوية النظر الإسلامية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الفيديوهات أكثر المواد قابلية للنشر. - التأكد أن الحكم المطابق للواقع هو الأكثر تأثيرا على الناس من غيره، حتى إذا لم يحصد العدد نفسه من الإعجابات، مع ضرورة الانتباه إلى أن غيره من المنشورات الموجودة على صفحات ممولة مرتبط بماكينات وآليات لا تعبر بالضرورة عن الواقع الحقيقي للإعجاب والتفاعل. - متابعة صدى هذا الجهد الإعلامي في الأماكن الافتراضية ومحاولة جني ثماره على أرض الواقع، عبر اتصالات مقصودة. هذه الإجراءات، وإن يرى أن بعضها فيه تقديم معلومات أو معطيات لمخابرات الأنظمة القائمة، فإن سفور حامل الدعوة وتحديه لا يجعله متخفيا أو حاملا للدعوة من وراء ستار، بل الأصل أن يكون متصدرا لقيادة الأمة وألاّ يخشى في ذلك لومة لائم، وعليه فالمطلوب هو أن يتخير حامل الدعوة من المعطيات فقط ما يسد به جوعة الفيسبوك، لا أن يبالغ في إعطاء تقارير مجانية للمخابرات وخاصة عن طريق المحادثات الشخصية التي ثبت بما لا يدع مجالا للشك أنها مخترقة بالكامل من قبل الأنظمة، بل لقد أضاف الفيسبوك خاصيات تمكنه من التجسس على مستعمليه حتى بعد مغادرتهم لهذه الشبكة، بحيث يتابع جميع الاستعمالات الأخرى للإنترنت ويسجل جميع كلمات البحث المستخدمة عبر أي جهاز متصل بنفس البريد الإلكتروني. هذا وإن الطريق الأصح والأقوم لمواجهة تأثير هذه الشبكات، هو ما ستقوم به دولة الخلافة عند قيامها بإذن الله: أولا: بصنع وإيجاد شبكات وتطبيقات وبرمجيات غيرها بحيث لا يكون التواصل الإلكتروني حكرا على شركات أجنبية ووفق شروطها واتفاقياتها مع الأنظمة كما هو الحال اليوم، وإنما هو متاح للأمة الإسلامية بأدوات من صنعها تجعلها تكسب المعركة التكنولوجية ضمن كسبها للمعركة السياسية. ثانيا: بتوظيف ذلك كله لصالح دعوة البشرية إلى الإسلام بوصفه رسالة رحمة للعاملين وإلى نبذ الرأسمالية التي تسوم الناس سوء العذاب. كما أن تعامل دولة الخلافة مع رعاياها لن يكون مثل تعامل الأنظمة الحالية التي توظف كل هذه الشبكات للتجسس على شعوبها. نسأل الله سبحانه أن يكون ذلك عاجلا غير آجل وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وأن يستخدمنا لنصرة دينه وإظهاره في الأرض وأن يكرمنا جميعا بخلافة راشدة على منهاج النبوة.

 

 

 

كتبه للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

 

م. وسام الأطرش

 

 

 

http://naqed.info/forums/index.php?showtopic=9161&pid=25614&st=0&#entry25614

الجمعة, 19 حزيران/يونيو 2020 15:19
انتباه، فتح في نافذة جديدة. PDFطباعةأرسل إلى صديق

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

 

بيان صحفي

 

 

تعزية بوفاة الطيار المجاهد وصاحب الشرفين "سيف الله أعظم"

 

 

يوم الأحد 2020/06/14م انتقل إلى رحمة الله تعالى، المقاتل البطل وصاحب الشرفين سيف الله أعظم في دكا / بنغلادش، رحمه الله رحمة واسعة وجمعه مع إخوانه الذين سبقوه في القتال في سبيل الله، من مثل خالد بن الوليد وصلاح الدين الأيوبي ومحمد بن القاسم، وكل فرسان المسلمين الذين صدقوا الله في سلاحهم على ما عاهدوه عليه، فلقد نال المغفور له بإذن الله شرفين عظيمين، وهما شرف قتال يهود وشرف قتال الهندوس، فقد كان سيف الله أعظم فارسا من الفرسان الذين قاتلوا دولة الهندوس في عام 1965 وقد أبلى بلاء حسنا، حيث ألحق أضرارا جسيمة بالقوات الهندية في 12 مهمة هجومية، وأسقط أعظم أيضاً طائرة تابعة لسلاح الجو الهندي وحصل على وسام شرف عسكري بذلك، وفي عام 1967 قاتل أعظم كيان يهود إلى جانب إخوانه الذين قاتلوا يهود، وكان معروفاً بأنه الطيار الوحيد الذي قاتل يهود في ثلاث قوات طيران جوية، الأردن والعراق وباكستان، وحمل الرقم القياسي لإسقاط الطائرات التابعة لكيان يهود، أكثر من أي مجاهد آخر، فرحمة الله عليه وجزاه الله عن الأمة الإسلامية خير الجزاء. ونود بهذه المناسبة أن نذكّر أقران سيف الله أعظم في الجيش الأردني والبنغالي والباكستاني أن فلسطين التي قاتل من أجل تحريرها سيف الله ما زالت ترزح تحت الاحتلال البغيض، وهي ما زالت تنتظركم لتحريرها، ونذكركم أن أولى القبلتين وثالث الحرمين، المسجد الأقصى، ما زال يدنّسه يهود وقطعان المستوطنين صباح مساء وكل حين، بل ويُتآمر عليه من أجل هدمه وبناء هيكل يهود المزعوم مكانه، ونذكركم بأنّ دولة الهندوس، شقيقة كيان يهود، ما زالت تحتل كشمير وتنكل بالمسلمين في الهند وعلى الحدود الفاصلة بين بنغلادش والهند وعلى طول خط السيطرة بين الهند وباكستان، لذلك كله ووفاء منكم لرفيقكم في الجهاد، سيف الله، يتوجب عليكم أن تحيّوا سيرته العطرة في قتال أعداء الله، يهود والهندوس ومن والاهم، فتحرروا الأرض المباركة فلسطين وكشمير الأرض الطاهرة. أيها الضباط المخلصون في جيش بنغلادش وباكستان والأردن! إننا نعلم أنكم تتحفزون إلى قتال يهود ودولة الهندوس وجميع أعداء الإسلام والمسلمين، وإننا نعلم أنّ الذي يحول بينكم وبين القتال في سبيل الله هو الأنظمة العلمانية العميلة المسلطة على رقاب المسلمين في بلادنا، لذلك ندعوكم إلى الإطاحة بهذه الأنظمة ونصرة دينكم وقضايا أمتكم بإعطاء نصرتكم لحزب التحرير لإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، حيث يقودكم حينها الخليفة الراشد في ساحات الجهاد لتحرير بلاد المسلمين المحتلة وفتح باقي المعمورة للحكم بما أنزل الله، وحينها يصدق فيكم قوله تعالى ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾.

 

 

المهندس صلاح الدين عضاضة

 

 

مدير المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير

 

 

http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/pressreleases/markazy/cmo/68864.html

 

 

 

http://naqed.info/forums/index.php?showtopic=9155&pid=25586&st=0&#entry25586

الجمعة, 12 حزيران/يونيو 2020 18:37
انتباه، فتح في نافذة جديدة. PDFطباعةأرسل إلى صديق

 

 
بسم الله الرحمن الرحيم

جواب سؤال: الاحتجاجات الواسعة التي تجتاح أمريكا وتأثيرها على سياستها الخارجية

#السؤال: تجتاح الولايات المتحدة منذ قرابة الأسبوعين احتجاجات تبدو كبيرة في بعض المناطق، وقد تخللتها أعمال عنف، ونهب للمحال التجارية، وحرق مراكز للشرطة، فهل مقتل رجل أسود في أمريكا يشعل هكذا احتجاجات؟ فقد حصل هذا كثيراً في السنوات القليلة الماضية ولم تحصل مثل هذه الاحتجاجات! وهل من تداعيات لهذه الاحتجاجات الأمريكية على سياسة أمريكا الخارجية؟

#الجواب: لكي تتضح أجوبة التساؤلات أعلاه نستعرض ما يلي:

1- قتلت الشرطة الأمريكية رجلاً من أصول أفريقية، هو #جورج_فلويد في مدينة مينيابوليس بولاية مينيسوتا الأمريكية 25/5/2020، وكانت جريمة شنيعة، قام خلالها الشرطي بتطبيق التدريبات التي تلقاها في سلك الشرطة، بالتثبيت عن طريق الضغط على الشريان السباتي في الرقبة، واستمرت الجريمة تسع دقائق كان خلالها فلويد يصرخ "لا أستطيع التنفس" حتى فارق الحياة، وقد شاهد هذه الجريمة البشعة جميع الأمريكيين، ورأوا بأم عينهم وحشية الشرطة الأمريكية ضد السود، واندلعت المظاهرات في المدينة مباشرة في اليوم التالي، تنديداً بهذه الدرجة من التوحش في التعامل مع الآدميين، ثم أخذت المظاهرات تمتد إلى مدن أمريكية أخرى، مع تداول واسع لفيديو الخنق المؤلم، عبر مواقع التواصل (الاجتماعي)، حتى عمّت المظاهرات ما يزيد عن 80 مدينة أمريكية في ولايات متعددة... ثم أعلنت السلطات #حظر_التجوال لمنع المظاهرات التي صاحب الكثير منها أعمال عنف، وقتل، ونهب، وإحراق للمحال التجارية ومراكز الشرطة، ولجأت الشرطة الأمريكية إلى التعامل بقسوة مع المتظاهرين، فاعتقلت ما يزيد عن 4 آلاف شخص في مختلف المدن، وأعلن عن مقتل بضعة أشخاص، وتم استدعاء الحرس الوطني لفرض الأمن والسيطرة على الشارع، بل وتم استدعاء الجيش الأمريكي في سابقة لم تحدث قبل ذلك في أمريكا لفرض الأمن في العاصمة واشنطن، وتم تهريب الرئيس ترامب إلى مخبأ آمن تحت الأرض خوفاً من اقتحام المتظاهرين للبيت الأبيض.

2- عصفت مشاهد #الاحتجاجات_الأمريكية بصورة الاستقرار الداخلي الذي كانت تتباهى به الحكومات الأمريكية المتعاقبة، فكانت الحرائق المندلعة، والمتاجر المنهوبة، ومراكز الشرطة المدمرة بهذا الحجم غير الصغير، تنذر الأمريكيين بالجحيم الذي طالما صنعته حكوماتهم لغيرها من الدول، وتهدد بأن البطش والعربدة الذي درجت أمريكا على التعامل به مع العالم، يأخذ طريقه للتعامل مع #الشعب الأمريكي نفسه، فكانت مشاهد صادمة بكل المقاييس: رئيس ينذر ويتوعد المتظاهرين السلميين بالكلاب المسعورة حول البيت الأبيض، وبالأسلحة الأكثر فتكاً في العالم إن هم تجرؤوا على اقتحام أسوار البيت الأبيض الذي أحيط بالحواجز السلكية والجدر الإسمنتية، ويطالب الرئيس حكام الولايات بالرد بقسوة على المتظاهرين في ولاياتهم، وفرض الأمن بالقوة، ويعرض عليهم الاستعانة بالحرس الوطني، ووضع الجيش الأمريكي في حالة تأهب قصوى للتدخل خلال 4 ساعات حيثما يلزم إن فشلت الشرطة والحرس في فرض الأمن، وفعلاً تم نشر الجيش في العاصمة واشنطن قبل أن يتم العدول عن هذه الخطوة، بعد انتقادات واسعة وجهت للرئيس على خلفية الزج بالجيش الأمريكي ضد الشعب. ومن زاوية أخرى جموع غاضبة لا توقفها الشرطة ولا الحرس ولا مخاطر فيروس كورونا، جزء منها سلمي الطابع، يتظاهر للمطالبة بالحقوق المدنية، ومحاسبة القتلة، وإصلاح جهاز الشرطة، وقسم ثانٍ يتقصد مهاجمة المراكز الحكومية، خاصة الشرطة، وحرقها وتدميرها، ومن ثم أعلن الرئيس ترامب أنها "حركة أنتيفا" اليسارية شديدة المناهضة للرأسمالية! وقسم ثالث يقوم بالنهب، والسرقة، والأعمال التخريبية...

3- إن واقع #الشرطة_الأمريكية التي يعتبر العنصر الأبيض عمادها قد اعتادت إهانة السكان السود، وتم قتل العديد منهم على يد رجال الشرطة، وكان بعض تلك الوقائع موثقاً ومصوراً كما في حادثة مقتل فلويد الأخيرة، ولم تكن تلك الحوادث نادرة الحصول، بل كانت متكررة، فالتمييز العنصري في الولايات المتحدة ظاهرة محسوسة لافتة للنظر في مجتمعاتهم...

لكن هناك أسباباً جعلت مقتل فلويد 25/5/2020 في مدينة مينيابوليس يوسع نطاق الغضب الشعبي ضد سياسة #التمييز_العنصري التي تنتهجها أجهزة الدولة في أمريكا ضد السود خاصة، وهذه الأسباب بعضها قديم وآخر جديد، ومن هذه الأسباب:

أ- فشل عملية الانصهار في المجتمع الأمريكي: نشأ المجتمع الأمريكي الحالي نشأة عنصرية بامتياز، فقام المهاجرون الإنجليز خاصة، والأوروبيون عامة، باستعمار أمريكا على جثث الملايين من الهنود الحمر، أصحابها الأصليين، ولحاجة المستعمرات الجديدة للعمل فقد تم استجلاب الرقيق من أفريقيا، فينظر الأمريكيون إلى كل ذوي الأصول الأفريقية باعتبارهم عبيداً، وكان ذلك بشكل رسمي لمدة قرون، يخضع خلالها هؤلاء الأفارقة للعزل العنصري، والعمل بالسخرة في مزارع البيض وصناعاتهم، وكان قانون التجنيس 1790م يمنح الجنسية الأمريكية للبيض فقط، فيما يرفض الاعتراف بالسود كمواطنين، وعلى الرغم من نيل الأفارقة بعض الحقوق كالتصويت في ستينات القرن التاسع عشر، إلا أن التمييز العنصري ظل سياسة رسمية يعمل بها في أمريكا حتى بعد انتهاء الحرب الأهلية، وبعد منتصف القرن العشرين اندلعت حركة كبيرة سميت "الحقوق المدنية" واشتهر فيها مارتن لوثر كينغ كزعيم للسود في أمريكا، أسفرت عن الاعتراف رسمياً بحقوقهم كاملةً كمواطنين أمريكيين... ومن ثم ظن هؤلاء #الأفارقة بأنهم قد نالوا #الحقوق_المدنية التي افتقدها آباؤهم وأجدادهم، إلا أن ذلك لم يغير كثيراً من ذهنية الأمريكيين البيض، الذين استمرت نظرتهم الدونية تجاه هؤلاء الأفارقة، واستمرت الممارسات العنصرية ضدهم. فعلى الرغم من تشدق زعماء أمريكا بانتهاء العنصرية، إلا أن مختلف التقارير تتحدث عن تأصل النظرة العنصرية في أمريكا ضد ذوي الأصول الأفريقية... ومن مظاهر العنصرية ضد السود في أمريكا الارتفاع الواضح في عدد المساجين السود مقارنة بالأمريكيين البيض، وارتفاع نسبة البطالة في صفوفهم، والفرق الكبير والواضح في متوسط الدخل بين الأسر الأمريكية من أصول أفريقية مقارنة بالأمريكيين البيض، وكذلك النقصان الحاد في الخدمات الصحية، وغيرها من الخدمات، بين المناطق التي يغلب عليها المواطنون السود وتسمى بأحياء السود، وبين المناطق التي غالباً ما تعتبر راقية، تتوفر بها الخدمات الصحية بشكل لائق، وترتفع فيها أجور السكن التي يقطنها الأمريكيون البيض.

ب- مجيء إدارة ترامب #العنصرية وتبنيها للمنادين بتفوق العرق الأبيض: تؤمن الجماعات الداعمة للرئيس ترامب بتفوق العرق الأبيض على غيره، وهي جماعات تم الإعلاء من قدرها بعد مجيء ترامب للبيت الأبيض، وقد وجد هؤلاء في شخص ترامب قائداً قومياً لهم، ويختلط هؤلاء بالمسيحيين الإنجيليين الذي يضيفون مسحة دينية لهذا التفوق، وبمجاهرة الرئيس ترامب ضد المسلمين، ومنع بعضهم من الحصول على تأشيرات لدخول أمريكا، وتصريحاته المناهضة للمكسيكيين، وخططه التي نفذ جزءاً منها ببناء جدار على حدود المكسيك، وبحربه التجارية ضد الصين، وتسميته لفيروس #كورونا بالفيروس الصيني، ونشوء موجة عداء للصينيين داخل أمريكا، وتسامحه مع مظاهرات النازيين الجدد في ولاية فيرجينيا 2017، واللغة التي لا تخلو من إهانة، التي يتحدث بها عن الأقليات، وكذلك تعليقاته على مقتل فلويد "الأسود" وضرورة قمع الحركة الاحتجاجية الداعمة لحقوق "السود" في أمريكا... ونتيجة لكل ذلك فقد أصبح الرئيس ترامب أحد أكبر العوامل المحرضة على التمييز العنصري في أمريكا، لذلك ارتفعت وتيرة الأعمال العدائية ضد السود، والمسلمين، والمكسيكيين، والصينيين في أمريكا خلال فترة حكمه، وأصبح ينظر إليهم أكثر من ذي قبل بأنهم متطفلون جاءوا لسلب الأمريكيين فرص عملهم، ونهب ثروات أمريكا، ومن ثم أصبح التمييز العنصري بارزاً في قطاعات كثيرة من المجتمع الأمريكي...

ج- تداعيات #فيروس_كورونا داخل المجتمع الأمريكي: ومن الأسباب التي زادت من لهيب الاحتجاجات على مقتل فلويد في أمريكا، أنها قد تزامنت مع انتشار فيروس كورونا، وما صاحب ذلك من حجر صحي، سبب ضيقاً للأمريكيين من ناحية، ومن ناحية ثانية أوجد بطالة بنسب كبيرة فزاد من قلق الأمريكيين على مستقبلهم، ومن ناحية ثالثة رأى الأمريكيون فشلاً ذريعاً لتعامل حكومتهم مع انتشار الوباء في أمريكا، حيث النقص الكبير في المستلزمات والأجهزة الطبية، وفشل الاستعداد للفيروس، رغم أن أمريكا قد ضربتها موجة الفيروس بعد أوروبا والصين بما كان يوفر لها فرصة جيدة للاستعداد لم يتم استغلالها، وكذلك تخبط الإدارة الأمريكية في التعامل مع الوباء وما نتج عن ذلك من سبب آخر للانقسام في الوسط السياسي الأمريكي، بخصوص طريقة تعامل إدارة ترامب مع أزمة الوباء... ومن المسائل الداخلية العميقة والمهمة، أن المجتمع الأمريكي قد تعاظم شعوره بسوء النظام الرأسمالي، فعملية توزيع الثروة في أمريكا تتفاقم بتسارع مخيف، لصالح فئة صغيرة للغاية من الرأسماليين، أصحاب لوبيات التأثير على السياسة، تلك السياسة التي تسير باتجاه المزيد من إعفائهم من #الضرائب، في وقت يتكفل فيه ذوو الدخل المتوسط والمحدود بالقدر الأكبر من الضرائب المهلكة، وقد أبرزت هذه الاحتجاجات الأمريكية القوة المتصاعدة للحركة المناهضة للرأسمالية في أمريكا "أنتيفا"، والتي طالب الرئيس ترامب بتصنيفها إرهابية، وهي تلك الحركة التي نادت باحتلال #أسواق_الأسهم في "وول ستريت" كرمز كبير للرأسمالية بعد الأزمة المالية 2008، فتزيد هذه الحركة من أتباعها وتتجذر أكثر في المجتمع الأمريكي، وتنادي بالعنف ضد الرأسمالية، وهي المتهمة اليوم بتوجيه المتظاهرين لإحراق وتدمير المرافق الحكومية كمراكز الشرطة...

4- لقد كان لكل ذلك تداعيات على سياسة أمريكا الخارجية، وهي تداعيات مؤثرة للأسباب التالية:

أ- حالة الانقسام في أمريكا: أظهرت #إدارة_ترامب منذ 2017 أن أمريكا ليست على قلب رجل واحد، وتكثر السياسات التي ينقسم حولها الأمريكيون مثل الحروب، والمساعدات الدولية التي تقدمها أمريكا لعملائها حول العالم، ومثل سياسة الضرائب، والتعامل مع الأقليات، والهجرة، وغيرها كثير من السياسات، لكن بمجيء الرئيس ترامب فقد أصبح هو نفسه من أبرز أسباب الانقسام في أمريكا، وقد ساعدت شخصيته بما لديه من ميزات العنجهية الزائدة، والتعلق بالسلطة، وحب الظهور الزائد عن الحد، وقلة الحكمة، والميل لخوض الصراعات الداخلية، وإظهار النشوة بكسر الخصوم، كل ذلك قد جعل أمريكا منقسمة فعلاً حول الرئيس ترامب، معه أو ضده، وقد زادت الإقالات والاستقالات في أركان إدارته، بشكل لم يحصل أبداً مع أي رئيس أمريكي سابق بهذا الحجم، وقد أظهرت أزمة فيروس كورونا، والملاسنات بين الرئيس وحكام بعض الولايات، تفاقماً في حدة الانقسام الأمريكي، وهذا الانقسام يضرب بالوسط السياسي والمالي الأمريكي، فينعكس على المجتمع برمته. وطريقة تعامل الرئيس وإدارته مع أزمة الاحتجاجات الشعبية، هي الأخرى قد أصبحت سبباً دسماً لتغذية الانقسام، فترامب يعارض الحركة الاحتجاجية بعد مقتل فلويد، ويريد بسط الأمن بالقوة، يعارضه في ذلك الحزب الديمقراطي وحكام ولايات، بل ووزير دفاعه الذي اعتذر عن مشاركة الرئيس في زيارة لكنيسة مجاورة للبيت الأبيض، بعد إبعاد رجال الأمن للمحتجين من حولها، واعتبرت دعاية سياسية لترامب... ومن أحدث الأمثلة على هذه الصراعات وحدّتها، (اتهم وزراء دفاع أمريكيون سابقون وعشرات من المسؤولين العسكريين - في رسالة مشتركة - الرئيس ترامب بخيانة القسم والدستور، لتفكيره في إنزال الجيش لمواجهة المحتجين؛ وكان من بين الموقعين وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس. #الجزيرة_نت، 7/6/2020م)... ولم تنحصر المسألة بوزراء الدفاع السابقون، بل وشملت الحالي وبشكل حاد، فوفق المصدر السابق نفسه (نقلت شبكة "سي إن إن" عن مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، قوله إن الرئيس دونالد ترامب طلب نشر عشرة آلاف جندي في العاصمة #واشنطن ومدن أمريكية أخرى، لمواجهة احتجاجات الأسبوع الماضي، وإن وزير الدفاع مارك إسبر، ورئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي، رفضا هذا الطلب، وذلك على وقع مظاهرات حاشدة في واشنطن، ومدن أمريكية وأوروبية أخرى ضد العنصرية وعنف الشرطة. وكانت مجلة نيويوركر قد ذكرت أنها علمت، من مصادر في البيت الأبيض، بوقوع مشادة كلامية بين الرئيس ترامب والجنرال مارك ميلي. ونقلت المجلة أن الجنرال ميلي رفع صوته في وجه الرئيس اعتراضا على طلبه إنزال الجيش لشوارع المدن الأمريكية لإنهاء الاحتجاجات، حيث يرى ميلي أن نزول الجيش للشارع مخالف للقانون.)

ب- فترة #الانتخابات_الرئاسية: ومما زاد هذه المسألة سخونة، أن هذه الاحتجاجات قد اندلعت تزامناً مع الحملات الانتخابية لكلا المرشحين الديمقراطي #جو_بايدن، والجمهوري ترامب. وإذا كان الرئيس ترامب يشعر بقلق بالغ على مستقبله كرئيس، ويريد أن يعاد انتخابه في تشرين الثاني/نوفمبر من هذا العام، بل إن هذه المسألة هي الأولوية رقم 1 له، لكن مصدر القلق الرئيسي له هو تداعيات فيروس كورونا، وتأثيره في الاقتصاد الأمريكي، وفقدان ملايين الأمريكان لفرص عملهم، وما يقال عن سوء تعامله مع أزمة الفيروس، فإنه يخشى أن يكون ذلك عاملاً يستغله منافسه الديمقراطي ضده في الحملات الانتخابية، ثم تأتي اليوم موجة الاحتجاجات الأخيرة التي أراد الرئيس ترامب فيها أن يبرز شخصيته كرجل قوي قادر على ضبط الأمن، والحفاظ على الممتلكات، ما يزيد من فرصه الانتخابية... لكن منافسه جو بايدن، والحزب الديمقراطي، وقوى أخرى تعمل على تصوير ذلك بشكل مخالف، فتبرزه كرجل يعمل على ترسيخ الانقسام في أمريكا، وغير قادر على لملمة الجراح التي أصيب بها المجتمع الأمريكي بعد حادثة مقتل فلويد والمظاهرات، ويحملونه المسؤولية عن طابع العنف والشغب في المظاهرات، بسبب تصريحاته النارية ضد المتظاهرين...

ج- قمع #الدولة للاحتجاجات: شاهدت دول العالم الطريقة المؤلمة والوحشية التي تتعامل بها الحكومة الأمريكية مع الاحتجاجات الشعبية، وأحاديث الرئيس عن فرض الأمن بالقوة، والكلاب المسعورة، والأسلحة الأشد فتكاً، وشاهدت آلاف المعتقلين، والهراوات، والغاز المسيل للدموع في أمريكا، بعد أن كانت محصنة عن مثل هذه المشاهد لعقود، وهذا كله يفقد أمريكا حجة طالما استخدمتها ضد خصومها حول العالم تحت عناوين حقوق الإنسان، وحق التعبير عن الرأي، ودعم #المعارضة وغير ذلك، وهذا له تأثير مباشر، يفقد السياسة الخارجية الأمريكية أحد أشهر مبرراتها الدولية... وما يؤكد ذلك ما قالته المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إنه ("اعتباراً من أواخر مايو وأوائل يونيو 2020 تفقد الولايات المتحدة أيَّ حق في توجيه أية ملاحظات إلى أحد في الكرة الأرضية بشأن قضايا #حقوق_الإنسان".

وأضافت زاخاروفا، تعليقا على تعامل السلطات الأمريكية مع المتظاهرين، المشاركين في الاحتجاجات ضد العنصرية وعنف الشرطة في الولايات المتحدة: "انتهى!، بدءاً من هذه اللحظة لا يوجد لديهم هذا الحق". اليوم السابع، 2/6/2020).

5- وهكذا فإن التمييز العنصري مستوطن في الولايات المتحدة، قد يصمت قليلاً ولكنه يتحرك كثيراً، فهو مرض فكري في أصل نشوء النظام الأمريكي الرأسمالي، بل لا يخلو منه أي نظام وضعي، لأنه خاضع لأهواء البشر ورغباتهم التي تحدد تمييز الأبيض على الأسمر، والأحمر على الأصفر... حتى وإن أَلحق هذا التمييز كلَّ الضرر بغيرهم، بل بأنفسهم فيما بعد!

إن #الإسلام هو فقط الذي أزال، ويزيل، هذا التمييز العنصري، فلا تفاضل فيه بين الناس بلونٍ، أو جاهٍ، أو ثروة، بل كلهم سواء، لا يتفاضلون إلا بالتقوى. يقول الله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير﴾، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم في ما أخرجه البيهقي (384هـ-458هـ) عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قال خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ خُطْبَةَ الْوَدَاعِ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلا لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى عَجَمِيٍّ، وَلا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلا لأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ، إِلا بِالتَّقْوَى، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، أَلا هَلْ بَلَّغْتُ؟»، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: «فَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ»، وأخرج نحوه البوصيري (762هـ-840هـ)، وكذلك أخرج نحوه الطبراني (260هـ-360هـ) وقال في روايته «وَلَا لِأَسْوَدَ عَلَى أَبْيَضَ وَلَا لِأَبْيَضَ عَلَى أَسْوَدَ».

فالإسلام هو فقط الذي يقضي على التمييز العنصري، فهو منزل من رب العالمين، ويهدي إلى الحق، وينشر الخير في ربوع العالم. ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾.

في العشرين من شوال 1441هـ

11/06/2020م

#أمير_حزب_التحرير

#كورونا

#Korona

#Corona

http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.ph...ions/68768.html

https://www.facebook.com/HT.AtaabuAlrashtah...e=3&theater
 
 
 
 
أسئلة أجوبة منقولة عن صفحة أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة على موقع الفيس بوك
 
 
الأربعاء, 10 حزيران/يونيو 2020 16:24
انتباه، فتح في نافذة جديدة. PDFطباعةأرسل إلى صديق

 

بسم الله الرحمن الرحيم
 

الاتحاد الأوروبي ومعالجة أزمة كوفيد-19 الاقتصادية

(مترجم)
 
 
 

في كلمة أمام البرلمان الأوروبي يوم الأربعاء 27 أيار/مايو 2020، اقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أن يتحمل الاتحاد الأوروبي ديوناً بقيمة 750 مليار يورو من أجل تقديم 500 مليار يورو من المنح و250 مليار يورو من القروض إلى دول في أوروبا تعاني من أضرار اقتصادية جراء إغلاق كوفيد-19. وعلى الرغم من المتطلبات الملحة لهذه الأموال، إلا أن الأمر قد يستغرق عدة أشهر من المفاوضات بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قبل التوصل إلى اتفاق حول التفاصيل.

لقد أساء الغرب إدارة وباء فيروس كورونا بشكل خطير. ففي حين تجاهل الغرب بالكامل تقريباً الطوق الجغرافي، إلا أنه استخدم ابتكارات غريبة من التباعد (الاجتماعي) والإغلاق العام، مما شل الحياة المجتمعية كلها. إن الاقتصادات الغربية هشة بالفعل لأن النظام الاقتصادي الرأسمالي القائم على حرية الملكية يؤدي إلى استيلاء نخبة صغيرة لا تملك الرغبة أو القدرة على توليد نشاط اقتصادي كاف للمجتمع بأسره. هذه الثروة والنخبة القوية تفضل عادة استثمار جهودها في القطاع المالي، الذي أصبح غاية في حد ذاته بدلاً من العمل على دعم النشاط الاقتصادي الحقيقي. ومن المحتم أن تكون نتيجة هذا النظام أن الدول الغربية تعاني عموماً من سوء توزيع الثروة والبطالة والفقر المدقع حتى في الأوقات العادية.

أوروبا لديها مشاكلها الفريدة الخاصة بها. وكانت بريطانيا وأمريكا هما الدولتان وراء إنشاء المجموعة الأوروبية كوسيلة لاحتواء فرنسا وألمانيا لمنع عودتهما كقوتين عظيمتين بعد الحرب العالمية الثانية. وذلك لأن القوة تتطلب الحسم، كما أن إلزام ألمانيا وفرنسا إلى جانب العديد من الدول الصغيرة الأخرى لا يؤدي إلا إلى تعقيد وعرقلة عملية صنع القرار الفعالة. ومع ذلك، لا يمكن قمع روح الأمم لفترة طويلة؛ ففرنسا وألمانيا، على الرغم من الصعوبات التي تواجهانها، قد ارتفعتا بالفعل مرة أخرى بعد الحرب العالمية الثانية لتصبحا قوى كبرى. فقد عملوا جاهدين من أجل بناء الاتحاد الأوروبي ليصبح منصة قادرة على مضاعفة قوتها حتى في الوقت الذي لا يزالون يعانون فيه من ضعف القيادة المركزية للاتحاد الأوروبي والالتزام المضني بالحصول على موافقة إجماعية من الحكومات الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي على اتخاذ قرارات كبرى. وفي الوقت نفسه، يمكن ملاحظة أن ألمانيا وفرنسا ترغبان في السيطرة على عملية صنع القرار في الاتحاد الأوروبي بنفسيهما. على سبيل المثال، طعنت المحكمة الألمانية الكبرى في وقت سابق من شهر أيار/مايو الماضي في خطة من البنك المركزي الأوروبي لتوفير الإغاثة المالية للحكومات من خلال الاستحواذ على السندات، في خطوة غريبة وغير مسبوقة، حيث إن البنك المركزي الأوروبي يقع ضمن اختصاص المحاكم الألمانية وليس محكمة العدل الأوروبية. ويبدو أن ألمانيا لم تكن تريد للبنك المركزي الأوروبي أن يعمل بشكل مستقل للغاية.

وفي نهاية المطاف، فإن هذا التمويل ضروري لأوروبا وربما لألمانيا أكثر من أي شيء آخر. ويأتي اقتراح هذا الأسبوع الذي تبلغ قيمته 750 مليار يورو مباشرة من إعلان مماثل أعلنه في الأسبوع السابق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ورئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لاين، وهي في الواقع وزيرة سابقة في حكومة ميركل. وعلى عكس الدول الغربية الأخرى، فإن القوة الاقتصادية الألمانية مبنية على النشاط الاقتصادي المحلي الفعلي وقوة التصنيع، حيث تشتهر ألمانيا بعددها الكبير جداً من الشركات الصغيرة، وقد قاومت عموماً الاتجاه الرأسمالي لبناء شركات ضخمة متعددة الجنسيات بميزانيات بحجم ميزانيات الحكومة الوطنية. ولكن حتى هنا، يعتمد الدخل الألماني على صادراتها، وخاصة إلى دول جنوب أوروبا، التي تحتاج إلى تمويل مستمر لدفع ثمن السلع الألمانية. والواقع أن ألمانيا تعمل على نموذج اقتصادي استعماري قديم داخل أوروبا، حيث يُعطى التصنيع قيمة أكبر كثيراً من الموارد الطبيعية أو الزراعة أو الجهود البشرية، الأمر الذي يترك جنوب أوروبا في وضع مالي دائم غير مواتٍ فيما يتعلق بالشمال. وكما هو الحال مع النموذج الاستعماري، فإن السبيل الوحيد لعمل الهيكل الاقتصادي الأوروبي هو تحويل الأموال بانتظام إلى الجنوب، بطبيعة الحال مع العديد من "الشروط" المرفقة. ومن هنا تدرك ألمانيا أن تعزيز التمويل الأوروبي ضروري ليس فقط للبلدان الأكثر فقراً في أوروبا، بل إنه ضروري حتى بالنسبة للاقتصاد الألماني نفسه.

إن تعقيدات أوروبا هي نتيجة لمفهومها للدولة القومية الذي نتج عن تسوية وستفاليا في القرن السابع عشر، وقبل ذلك، التنافس بين الملوك والأمراء النصارى في أوروبا على الرغم من أنهم يدينون إلى بابا واحد. وقبل إنشاء الدول القومية، كانت البلدان قادرة على التوسع والانكماش بشكل طبيعي وفقا لقدرتها على الحكم وقوتها العسكرية والاقتصادية. ولكن بعد أن تصبح الحدود ثابتة، لا تملك الدول القوية منفذاً آخر سوى التدخل في الدول الأضعف وغير القادرة تماماً على إدارة نفسها واستغلالها. والمسار الصحيح للقوة الألمانية هو أنه ينبغي لها أن تتوسع إقليميا لتشمل، على سبيل المثال، البلدان الأكثر فقرا في أوروبا الشرقية التي تحتاج إلى دعم وحكم أفضل. ومن شأن ذلك أن يستهلك بشكل مثمر الحيوية الألمانية في رعاية وإدارة شؤون شعوبها بدلا من استغلال بلدان أخرى، كما حدث لبعض الوقت مع إدارة أقاليم ألمانيا الشرقية السابقة بعد إعادة التوحيد. إن نموذج الدولة القومية لا ينتج عنه سوى المزيد من تمكين القوي وإضعاف الضعفاء.

وبإذن الله، سيشهد العالم قريباً عودة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، التي تحدد مساحة أراضيها وفقاً لقدرتها على الحكم الصحيح لأراضيها وبمسؤولية ونزاهة. وعلاوة على ذلك، سوف تبرهن مرة أخرى على تفوق الحكم المركزي الفريد على نماذج الحكم المنقسمة والفاشلة في الدول الغربية.

1

بقلم: الأستاذ فائق نجاح

 
الثلاثاء, 09 حزيران/يونيو 2020 23:45
انتباه، فتح في نافذة جديدة. PDFطباعةأرسل إلى صديق

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

جواب سؤال: #التباعد_في_الصلاة #بدعة يبوء الحكام بإثمها

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد،

إلى جميع الذين أرسلوا إليّ متسائلين عن #التباعد مترين بين المصلي والذي بجانبه في #صلاة_الجمعة والجماعة... ويقولون إن الحكام في بعض بلاد المسلمين يغلقون المساجد، وعندما يفتحونها يُلزمون المصلين بالتباعد مترين... وتبرر السلطات ذلك بأن المريض معذور فكما يصلي جالساً فيقاس عليه التباعد عن الذي بجانبه مترين بل حتى لو لم يكن مريضاً وإنما يخشى المرض فيتباعد... ويتساءلون هل يجوز للحكام أن يلزموا المصلين بالتباعد على النحو المذكور؟ أو هذا التباعد بدعة يبوء الحكام بإثمها؟ ويلح المتسائلون على معرفة الجواب...

وجواباً على تساؤلاتهم أقول وبالله التوفيق:

لقد سبق أن أصدرنا أكثر من جواب عن البدعة، ولو تدبرها المتسائلون لتبين لهم الجواب بأن التباعد على النحو المذكور هو بدعة يبوء الحكام بإثمها إذا ألزموا الناس بهذا التباعد، وبيان ذلك كما يلي:

أولاً: أصدرنا في 28 رجب 1434هـ، الموافق 07/06/2013م، جاء فيه: (... إن البدعة هي مخالفة أمر الشارع الذي وردت له كيفية أداء، فالبدعة لغة كما في لسان العرب: "المبتدع الّذي يأتي أمراً على شبهٍ لم يكن...، وأبدعت الشّيء: اخترعته لا على مثالٍ". وهي في الاصطلاح كذلك، أي أن يكون هناك "مثال" فعله الرسول ﷺ ويأتي المسلم بخلافه، وهذا يعني مخالفة كيفية شرعية بيَّنها الشرع لأداء أمر شرعي، وهذا المعنى هو مدلول الحديث: «وَمَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» أخرجه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري. وهكذا فإن من سجد ثلاثاً في صلاته بدل اثنتين فقد جاء ببدعة، لأنه خالف فعل الرسول ﷺ، ومن رمى ثماني حصيات بدلاً من سبع على جمرات منى فقد جاء ببدعة لأنه كذلك خالف فعل الرسول ﷺ، ومن زاد على ألفاظ الأذان أو أنقص منها فقد جاء ببدعة لأنه خالف الأذان الذي أقره رسول الله ﷺ...

أما مخالفة أمر الشارع الذي لم ترد له كيفية أداء، فهي تقع في الأحكام الشرعية، فيقال عنها حرام، أو مكروه... إن كان خطاب تكليف، أو يقال باطل أو فاسد... إن كان خطاب وضع، وذلك حسب القرينة المصاحبة للأمر...

مثلاً: أخرج مسلم عَنْ عَائِشَةَ أم المؤمنين رضي الله عنها وهي تصف صلاة الرسول ﷺ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ «... وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ لَمْ يَسْجُدْ، حَتَّى يَسْتَوِيَ قَائِماً، وَكَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ السَّجْدَةِ، لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِساً...» فهنا بيّن الرسول ﷺ أن المسلم بعد أن يرفع من الركوع لا يسجد حتى يستوي قائما، وإذا رفع من السجود لا يسجد السجدة الأخرى حتى يستوي جالساً، فهذه كيفية بينها الرسول ﷺ، فالذي يخالفها يكون قد أتى ببدعة، فإذا قام المُصلي من الركوع ثم سجد قبل أن يستوي قائماً فيكون قد أتى ببدعة لأنه خالف كيفية بيَّنها الرسول ﷺ.

لكن مثلاً أخرج مسلم عن عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ: «يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ، إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، عَيْناً بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ، أَوِ ازْدَادَ، فَقَدْ أَرْبَى»، فلو خالف المسلم هذا الحديث فباع الذهب بالذهب بزيادة، وليس وزناً بوزن، فلا يقال إنه أتى بدعة، بل يقال إنه ارتكب حراماً، أي الربا.

والخلاصة: أن مخالفة الكيفية التي يبينها رسول الله ﷺ هي بدعة، ومخالفة الأمر المطلق للرسول ﷺ دون بيان الكيفية يقع في الأحكام الشرعية: الحرام والمكروه... الباطل والفاسد... وذلك حسب الدليل) انتهى... وقد أصدرنا أكثر تفصيلاً عن البدعة في 08 ذو الحجة 1436هـ الموافق 22/09/2015م وكذلك أصدرنا أجوبة أخرى قبل وبعد ذلك وهي كافية وافية بإذن الله.

ثانياً: وعليه فإن الدول في بلاد المسلمين إذا قامت بإلزام #المصلين أن يتباعد الواحد عن الذي بجانبه مترا أو مترين، سواء أكان ذلك في #الجمعة أو الجماعة خشية العدوى، خاصة دونما أعراض مَرَضية، فإنها ترتكب بذلك إثماً عظيماً حيث هذا التباعد بدعة، وذلك لأنها مخالفة واضحة لكيفية الصفوف وتراصها التي بيَّنها رسول الله ﷺ بالأدلة الشرعية ومنها:

- أخرج البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ، أَتَيْنَا النَّبِيَّ ﷺ وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُون فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً... وَكَانَ رَفِيقاً رَحِيماً... «فَقَالَ ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ».

- وأخرج البخاري في صحيحه عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، وَتَرَاصُّوا، فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي».

- وأخرج مسلم في صحيحه عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ، ثُمَّ خَرَجَ يَوْماً فَقَامَ، حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ فَرَأَى رَجُلاً بَادِياً صَدْرُهُ مِنَ الصَّفِّ، فَقَالَ: «عِبَادَ اللهِ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ».

- وأخرج مسلم أيضاً في صحيحه عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَلَا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟» فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: «يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ».

- وأخرج الحاكم، وقال حديث صحيح على شرط مسلم. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: «مَنْ وَصَلَ صَفّاً وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَ صَفّاً قَطَعَهُ اللَّهُ».

- وأخرج أحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قال: «أَقِيمُوا الصُّفُوفَ فَإِنَّمَا تَصُفُّونَ بِصُفُوفِ الْمَلَائِكَةِ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا فِي أَيْدِي إِخْوَانِكُمْ وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفّاً وَصَلَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَمَنْ قَطَعَ صَفّاً قَطَعَهُ اللَّهُ».

وهذا توضيح تام من رسول الله ﷺ لكيفية أداء الصلاة جماعة، وكان الصحابة رضوان الله عليهم يتقيدون بذلك، فقد روى مالك في الموطأ والبيهقي في السنن الكبرى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ "يَأْمُرُ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ، فَإِذَا جَاءُوهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنْ قَدِ اسْتَوَتْ، كَبَّرَ".

ثالثاً: ولا يقال إن #المرض المعدي هو عذر يجيز التباعد في الصلاة، لا يقال ذلك، لأن المرض المعدي عذر لعدم الذهاب للمسجد وليس عذراً لأن يذهب ويبتعد عن المصلي بجانبه متراً أو مترين!! فإن الأمراض المعدية حدثت في عهد رسول الله ﷺ (الطاعون) ولم يرد عن الرسول ﷺ أن المصاب بالطاعون يذهب للصلاة ويبتعد عن صاحبه مترين، بل هو معذور فيصلي في بيته... فالمنطقة التي ينتشر فيها المرض تكثف معالجتها مجاناً بجد واجتهاد برعاية الدولة، ولا تختلط بالأصحاء... يقول صلوات الله وسلامه عليه فيما أخرجه مسلم في صحيحه عن أسامه بن زيد قال: قال رسول الله ﷺ: «الطَّاعُونُ آيَةُ الرِّجْزِ ابْتَلَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ نَاساً مِنْ عِبَادِهِ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ فَلَا تَدْخُلُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَفِرُّوا مِنْهُ». أي أن المريض بمرض معدٍ لا يختلط بالأصحاء ويوفر له العلاج الكافي الوافي بإذن الله. أما الصحيح فيذهب للمسجد يصلي الجمعة والجماعة كالمعتاد دونما تباعد..

رابعاً: وكذلك لا يقال إن التباعد في الصلاة عند #الوباء يقاس على رخصة الصلاة جالساً عند المرض، فهذا ليس قياساً شرعياً، وذلك لأن المريض يصلي جالساً رخصة من الله سبحانه أي لعذر وهو المرض، والأعذار هي أسباب وليست عللاً، فالشرع لم يعللها بل جعل كل عذر منها عذراً للحكم الذي جاء عذراً له لا لغيره، فهو يعتبر عذراً خاصاً بالحكم الذي جاء له، وليس عذراً عاماً لكل حكم؛ فهو غير مفهم وجه العلية؛ ولذلك لا يقاس عليه، فالسبب خاص بما كان سبباً لوجوده، ولا يتعداه إلى غيره، فلا يقاس عليه. وهذا بخلاف العلة، فإنها ليست خاصة بالحكم الذي شرع لأجلها، بل تتعداه إلى غيره، ويقاس عليها.. ومن هنا يتبين أن ما ورد في العبادات، من كونها أسباباً وليست عللاً، يجعل العبادات توقيفية، لا تعلل ولا يقاس عليها؛ لأن السبب خاص بما كان سبباً له.

خامساً: ثم إن #الرخصة هي حكم من أحكام الوضع، وهي خطاب الشارع المتعلق بأفعال العباد بالوضع، وما دامت هي نفسها خطاب الشارع، فلا بد من أن يكون هناك دليل شرعي يدل عليها. فمثلاً بالنسبة لصلاة المريض جالساً فقد أخرج البخاري في صحيحه عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت بي بواسير فسألت النبي ﷺ عن الصلاة فقال: «صَلِّ قَائِماً فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِداً، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ»، فهذه رخصة أي عذر ورد الدليل الشرعي به، وكل ما ورد فيه دليل شرعي بأنه عذر لحكم معين يعتبر عذراً، وما لم يرد فيه دليل لا قيمة له، ولا يعتبر عذراً شرعياً مطلقاً... وحيث لا دليل على أن للمريض أن يبتعد في صلاته عن الذي بجانبه متراً أو مترين فإذن لا قيمة شرعاً لهذا القول، ولا يصح... فكيف إذا لم يكن مريضاً بل فقط لأنه يتوقع المرض؟!

سادساً: والخلاصة مما سبق هي كما يلي:

1- إن تغيير الكيفية التي بينها الرسول ﷺ للصلاة تُعَدُّ بدعة، بل إن #الحكم_الشرعي في هذه الحالة هو أن صحيح الجسم يذهب للصلاة كالمعتاد في صفوف متراصة، ودونما فرجات، والمريض بمرض معدٍ لا يذهب فلا يعدي غيره.

2- فإذا أقفلت الدولة #المساجد، ومن ثم منعت الناس الأصحاء من أن يرتادوا المساجد للجمعة والجماعات فتكون آثمة إثماً كبيراً لتعطيل صلاة الجمعة والجماعة، فالمساجد يجب أن تستمر مفتوحة للصلاة كما بينها الرسول ﷺ.

3- وكذلك إذا منعت الدولة المصلين من أداء الصلاة وفق الكيفية التي بيَّنها رسول الله ﷺ، بل ألزمتهم التباعد متراً أو مترين بين المصلي والذي بجانبه خشية #العدوى، خاصة دونما أعراض مَرَضية، فإنها تأثم بذلك إثماً كبيرا.

هذا هو الحكم الشرعي الذي أرجحه في هذه المسألة، والله أعلم وأحكم... وإني أسأله سبحانه أن يهدي المسلمين إلى أرشد أمرهم، وأن يعبدوه سبحانه كما أمر، ويلزموا غرز رسوله ﷺ، ويقيموا الشرع الحنيف دونما حيد بإقامة الخلافة الراشدة... فإن في ذلك الخير والنصر بإذن الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وهو العزيز الحكيم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

17 من شوال 1441هـ

2020/6/8م

أخوكم #أمير_حزب_التحرير

#كورونا

#Korona

#Corona

#فيروس_كورونا

 
 
http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/ameer/jurisprudence-questions/68707.html
 
 
 
 
 
أسئلة أجوبة منقولة عن صفحة أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة على موقع الفيس بوك
 
http://naqed.info/forums/index.php?showtopic=6011&st=220&gopid=25479&#entry25479
 

الصفحة 16 من 74

النقد الإعلامي

خطر تبعية الإعلام العربي للإعلام الغربي على المرأة المسلمة

خطر تبعية الإعلام العربي للإعلام الغربي على المرأة المسلمة؛ وكالة معاً من فلسطين نموذجاً: مقدمة مـنذ أن اكتشف الغـرب أن قوة الإسلام والمسلمين تكمن في عقيدته وما ينبثق عنها...

التتمة...

قبول الآخر فكرة غربية يراد بها تضليل المسلمين وإقصاء الإسلام عن الحكم

بقلم: علاء أبو صالح تمهيد : الصراع الفكري هو أبرز أشكال صراع الحضارات، واستخدامه يأخذ أساليب وصوراً مختلفة تبعاً لمتطلبات هذا الصراع وأحواله المستجدة. فقد يأخذ الصراع الفكري الحضاري شكل...

التتمة...

استفتاءات الرأي العام الموجهة وحدود الهزيمة

News image

تحت عنوان: "غالبية الجمهور يدعون الرئيس لاتخاذ خطوات أحادية من جانبه ضد إسرائيل"، نشرت وكالة معا نتيجة استفتائها الاسبوعي على الانترنت، حيث ذكرت أنّه "في حال أخذت أمريكا قرار فيتو...

التتمة...

إقرأ المزيد: تقارير النقد الإعلامي

حتى لا ننسى / قضايا أغفلها الإعلام

الأرض المباركة: الفعاليات التي نظمت ضمن الحملة العالمية في ذكرى فتح القسطنطينية

          بسم الله الرحمن الرحيم   الأرض المباركة: الفعاليات التي نظمت ضمن الحملة العالمية في ذكرى فتح القسطنطينية  ...

التتمة...

إندونيسيا: الفعاليات التي نظمت ضمن الحملة العالمية في ذكرى فتح القسطنطينية

    بسم الله الرحمن الرحيم     إندونيسيا: الفعاليات التي نظمت ضمن الحملة العالمية في ذكرى فتح القسطنطينية     بتوجيه من...

التتمة...

عدد قياسي للضحايا المدنيين الأفغان في 2016

News image

  نشرت الجزيرة نت التقرير التالي عن الأمم المتحدة : تقرير: عدد قياسي للضحايا المدنيين الأفغان في 2016 أعلنت الأمم المتحدة أن عدد...

التتمة...

إقرأ المزيد: قضية أغفلها الإعلام

اليوم

الخميس, 02 أيار/مايو 2024  
24. شوال 1445

الشعر والشعراء

يا من تعتبرون أنفسكم معتدلين..

  نقاشنا تسمونه جدالا أدلتنا تسمونها فلسفة انتقادنا تسمونه سفاهة نصحنا تسمونه حقدا فسادكم تسمونه تدرجا بنككم...

التتمة...

النَّاسُ بالنَّاسِ ما دامَ الحـياءُ بــهمْ

نفائس الثمرات النَّاسُ بالنَّاسِ ما دامَ الحـياءُ بــهمْ والسـعدُ لا شــكَّ تاراتٌ وهـبَّاتُ النَّاسُ بالنَّاسِ ما دامَ...

التتمة...

إعلام ُ عارٍ

إعلام عار ٍ يحاكي وصمة العار      عار ٍ عن الصدق في نقل ٍ وإخبارِ ماسون يدعمه مالا وتوجيها         ...

التتمة...

إقرأ المزيد: الشعر

ثروات الأمة الإسلامية

روائع الإدارة في الحضارة الإسلامية

محمد شعبان أيوب إن من أكثر ما يدلُّ على رُقِيِّ الأُمَّة وتحضُّرِهَا تلك النظم والمؤسسات التي يتعايش بنوها من خلالها، فتَحْكُمهم وتنظِّم أمورهم ومعايشهم؛...

التتمة...

قرطبة مثلا

مقطع يوضح مدى التطور الذي وصلت اليه الدولة الاسلامية، حيث يشرح الدكتور راغب السرجاني كيف كان التقدم والازدهار في  قرطبة.

التتمة...

إقرأ المزيد: ثروات الأمة الإسلامية

إضاءات

آخر الإضافات

JoomlaWatch Stats 1.2.9 by Matej Koval