بسم الله الرحمن الرحيم نهج السلامة أم سلامة المنهج؟ شاء الله سبحانه وتعالى أن نكون من جموع المسلمين المتأخرين الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يروه. نسأله سبحانه أن نكون ممن قال عنهم e «إِيمَانُ أَحَدِهِمْ بِخَمْسِينَ» أو أربعين كما ورد. في شجاعته e يقول الإمام علي كرم الله وجهه: «كُنَّا إِذَا احْمَرَّ الْبَأْسُ وَلَقِيَ الْقَوْمُ الْقَوْمَ، اتَّقَيْنَا بِرَسُولِ اللهِ e، فَمَا يَكُونُ مِنَّا أَحَدٌ أَدْنَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْهُ» رواه أحمد. ويؤكد أنس بن مالك رضي الله عنه ذلك بما حصل لأهل المدينة يوماً، حين فزعوا من صوت عالٍ، فأراد الناس أن يعرفوا سبب الصوت، وبينما هم كذلك إذ أقبل عليهم النبي e على فرس، رافعاً سيفه قائلاً لهم: «لَمْ تُرَاعُوا لَمْ تُرَاعُوا» رواه البخاري ومسلم. وكثيرة هي المواقف التي تجلّت فيها شجاعة رسول الله e، فقد كان شجاعاً ولم تكن الجرأة طارئة على طبعه. روى أحمد والحاكم في المستدرك من حديث ابن مسعود، قال: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ e يَوْمَ حُنَيْنٍ، فَوَلَّى عَنْهُ النَّاسُ وَثَبَتَ مَعَهُ ثَمَانُونَ رَجُلاً مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ، فَكُنَّا عَلَى أَقْدَامِنَا وَلَمْ نُوَلِّهمُ الدُّبُرَ»، وروى الترمذي من حديث ابن عمر بإسناد حسن قال: «لَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ حُنَيْنٍ وَإِنَّ النَّاسَ لَمُوَلِّينَ وَمَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ e مِائَةُ رَجُل». وحينئذ ظهرت شجاعة النبي e التي لا نظير لها، فقد «طَفِقَ يَرْكُضُ بَغْلَتَهُ قِبَلَ الْكُفَّارِ وَهُوَ يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ لَا كَذِبْ * أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ». ظهرت شجاعة رسول الله e، الذي كما قالت عنه أمُنا عائشة رضي الله عنها: كان قرآناً. وقد كان رسول الله e قرآناً في تسامحه وطيب خُلقه، وكريم هديه. وكان كذاك قرآناً في حزمه وشجاعته وعزمه. كان قرآناً في قوته في الدعوة لله، والصلابة في الحق والثبات على المبدأ. هذه الشجاعة وهذا الثبات، كان نهجاً يعلّم المسلمين أنه لولا ثباته e على أمره حين أغرته قريش بالمال والنساء والمنصب والجاه، وحين حاربته العرب ورموه عن قوس واحدة، لولا التزامه بما أوحي إليه، لما قامت للإسلام ولا للمسلمين قائمة، ﴿وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً * وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً﴾ [الإسراء: 73-74]. لقد كان يمكن لرسول الله e أن ينجو يوم حنين بنفسه ليعيد تشكيل جيش قوي يواجه جموع المشركين، أو يعطي قريشاً بعض ما تريد ويطمئنهم كي يصرف أذاهم عنه ويتفرغ للدعوة سراً فيكثر سواد المسلمين. ولكنّه معلم يخط لمن بعده من المؤمنين قاعدة في الدعوة لا مجال للحيد عنها: سلامة المنهج مقدمة على سلامة النفوس. يقول الشيخ عبد العزيز الطريفي فك الله أسره: من أخطاء الدعاة حصر الإسلام بالآداب والسلوك وترك التوحيد والحلال والحرام، ولو اقتصر الرسول e كما اقتصروا لكان أول المؤمنين به أبا لهب! ويقول: كثير من الناس عند انتشار الباطل يصمتون مع القدرة على البيان ويرون في هذا أدنى مراتب السلامة، وهذا خطأ، لقول الله ﴿سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ﴾ يعني ويسكتون. إن كل مسلم معرّض أن يوضع أمام الخيار الصعب، وهو سهل على من أعانه الله؛ أن يختار بين سلامته وبين ثباته على المبدأ. حيث تكالبت الأمم على المسلمين ورموهم عن قوس واحدة. فصار الإسلام إرهاباً ومرضاً عقلياً وخطراً قومياً تحاربه أمريكا والصين وروسيا وكل أصاغر المجرمين. يضيقون على أهله في أرزاقهم ومعايشهم ويحاربونهم بالاعتقال والتهجير والقتل وانتهاك الأعراض. فالإسلام في غربة، والمسلمون في عهد وصفه e بقوله: «ثُمَّ جَبَرُوتٌ صَلْعَاءُ لَيْسَ لأَحَدٍ فِيهَا مُتَعَلَّقٌ، تُضْرَبُ فِيهَا الرِّقَابُ، وَتُقْطَعُ فِيهَا الأَيْدِي وَالأَرْجُلُ، وَتُؤْخَذُ فِيهَا الأَمْوَالُ». وكل جماعة معرضة لهذا الاختبار الذي يتمايز فيه الصادقون المخلصون المستعدون لدفع فاتورة الإيمان بهذا الدين العظيم. الفاتورة ذاتها التي دفعتها سمية ودفعها عمار ودفعها سيد الخلق e، ويدفعها من بعده محبّوه. الثبات على المبدأ ليس سهلاً أبداً بل يكاد يكون موتاً في الحياة، ورسول الله e يصفه بأنه كالقبض على الجمر. وما كان لجمرٍ في يد حامله أن يكون بارداً إلا عند من يبتغي عز الدنيا والآخرة ويستهين أمام رضا الله بكل صعب. وإن المفارقة العجيبة أن مريدي السلامة لا يحظون بها، بينما من يضحي بالسلامة لأجل المبدأ ابتغاء وجه الله، يحصل له ما لم يكن وضعه في حسبانه حين اختار التضحية، من علوّ كعبه بين الناس، والقبول الذي يلقاه من المؤمنين، وتخليد التاريخ لاسمه في صفحات من ذهب. والتاريخ شاهد لا ينسى. يروي لنا كي لا ننسى ولا نضل، لكن لا يتذكر إلا أولو الألباب. فلولا اختيار القاضي ابن مفلح نهج السلامة عند قدوم تيمورلنك لاحتلال دمشق، لما تخاذل الناس واختلفوا - وقد كانوا من قبل قد قاتلوا قتالاً أعيى التتار وأرهقهم - ولما استطاع التتار احتلال عاصمة المسلمين. يعلمنا القرآن أن من اختار الانحناء للعاصفة فقد اختار التنازل عن دينه. والتفريط يبدأ بالصغائر. فهذا رب العالمين يخاطب سيدنا محمد e﴿وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً﴾ والركون بالقليل للظالمين يعني تنازلاً، يتبعه تفريط ثم بيع للمبدأ بالكليّة؛ لذلك كان الجزاء ﴿إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً﴾. وهذا ما فقهه سيدنا محمد e حين قال لقريش التي أغرته بالمال والجاه والمنصب والنساء لئلا يعيب آلهتهم «وَاللهِ لَوْ وَضَعُوا الشَّمْسَ فِي يَمِينِي وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الأَمْرَ مَا تَرَكْتُهُ». وقد كان رسول الله e يعلم أن العرب تحاربه عن قوس واحدة، لكن لسان حاله e كان «وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ،... وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ» وهذا ما فقهه سعد بن معاذ حين بايع هو والأنصار رسول الله e بيعة الحرب، بايعوه على هلكة الأموال وقتل الأشراف نصرة لدين الله. بهذه النفسيات العظيمة بنيت دولة الإسلام الأولى، وبهذه الهمم العظيمة وصل الإسلام لأصقاع الأرض وهدم أعظم إمبراطوريتين في ظرف عقدين من الزمان. وهذه النفسيات هي التي يريد القرآن أن يغرسها في نفوس المسلمين. نفسيات تسلك سلوك سيدنا إبراهيم عليه السلام الذي واجه بطش النمرود وحده، حين تخاذلت الجماهير وسارت بسذاجة الجهل خلف من ادعى أنه يميت ويحيي ﴿قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾، فقال عنه ربه ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةُ﴾. أن نكون كسيدنا موسى عليه السلام حين واجه فرعون وحده ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ * قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ﴾. بعزمات كعزمة أبي بكر حين حفظ الدين بقتال المرتدين، فقال "والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه". وعزمة جعفر حين رفع راية رسول الله بعد أن قطعت يداه حتى استشهد دونها. وعزمة سلطان العلماء العز بن عبد السلام حين حرّض قطز على قتال المغول رغم تخاذل العلماء عن قتالهم وخوف الأمة منهم، فكان نصر عين جالوت. وعزمة كعزمة الخليفة السلطان عبد الحميد الذي وقف بوجه أوروبا كلها وحارب جهود يهود لاحتلال فلسطين وهدم الخلافة رغم كل المغريات والضغوطات والمكائد. في الفتن تختار الكثرة نهج السلامة بينما يثبت الصادقون رغم قلتهم على سلامة المنهج. ولولا هذا الثبات ما كان النصر ليأتي. الكثرة تحتج بأنها تداهن حتى يتيسر لها احتراف النصر، لكنه فاتهم أن الله لا يريد منك احتراف الجهد بقدر احتراف النهج وسلامة الطريق. فهل كان جيل النصر سيولد لو اختار أصحاب الأخدود نهج السلامة وتذرّعوا بأنهم يريدون تربية جيل مؤمن قوي ينتقم من الطاغية؟ كلا، فالأجيال تتربى حسب صنائع من قبلها، فمن رأى جبن والده الذي يغرد عن الشجاعة سينشأ ذليلاً منافقاً. هل كان الإسلام سيصلنا لو اختار رسول الله eوصحابته مداهنة قريش كي يجهزوا جيشاً قوياً ينصرهم على كفار مكة؟ كلا فإن التنازل كالسقوط عن الهاوية لا ارتفاع بعده. وإن الأمر مرعب مخيف ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا﴾. وهذا تحذير من رب العالمين. يقول القرطبي "مبالغة في النهي عنه لعظم موقعه في الدين وتردده في معاشرات الناس؛ أي لا تعقدوا الأيمان بالانطواء على الخديعة والفساد فتزل قدم بعد ثبوتها، أي عن الأيمان بعد المعرفة بالله. وهذه استعارة للمستقيم الحال يقع في شر عظيم ويسقط فيه؛ لأن القدم إذا زلت نقلت الإنسان من حال خير إلى حال شر". فاللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة. كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير بيان جمال http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/cultural/60314.html
بسم الله الرحمن الرحيم
عدل الإسلام وعجز الرّأسماليّة، من عدلٍ ورخاء إلى ظلمٍ وحرمان
لقد كان الرّسول صلى الله عليه وسلم وهو يدعو للخير أي للإسلام كان ينقض النّظام الجاهلي السّائد ويُظهر فساده. فهو إلى جانب دعوته لتوحيد الله وعبادته وحده وإلى ترك عبادة الأصنام، كان يُهاجم أيضاً النّظام الفاسد الّذي يعيشون عليه، ويُندّد بحياتهم الرّخيصة، وينعي عليهم وسائل عيشهم الظّالمة. فإلى جانب قوله عن ربّه ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ * وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ﴾ هاجم الرّبا الّذي يعيشون عليه مهاجمة عنيفة من أصوله، فنقل عن ربّه أيضاً ﴿وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ﴾ كما توعّد الّذين يُطفّفون الكيل والميزان لقوله تعالى ﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾. فالإسلام هو دين الله الّذي أنزله للنّاس، وهو مبدأ عام لجميع شؤون الحياة، عالج مشاكل الإنسان ونظّم شؤون حياته كاملة، اقتصاديّاً وسياسيّاً واجتماعيّاً وتعليميّاً... قال تعالى: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾ وقال الرّسول e: «تَرَكْتُكُمْ عَلَى المَحجّةُ الْبَيْضَاءِ، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لا يَزِيغُ عَنْهَا إِلاَّ هَالِكٌ». لهذا يُعدُّ حمل النّظام الاقتصادي في الإسلام والدّعوة والدّعاية له، ولكلّ ما ينبثق عنه من سياسات، هو حملٌ لجانبٍ من الإسلام لا يقلّ أهمّيّة وخطورة عن الجوانب الأخرى، قال تعالى: ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ لذلك ينبغي حمل النّظام الاقتصادي في الإسلام والدّعوة له بوصفه من جزئيات الدّين الّذي هو أمانة في الأعناق، وبوصفه هو وحده القادر على توفير حياة اقتصاديّة آمنة عادلة خالية من الأزمات، بل وفيه رعاية تُبعد وقوع المشاكل من البداية. فهو نظام ليس من وضع البشر كما هو حال باقي الأنظمة الوضعيّة (الاشتراكيّة والرّأسماليّة) بل هو من الله خالق البشر وخالق كلّ شيء، وهذه المقالة لن تسمح وبأسطر محدودة ذكر ما جاء في كتاب يزيد عن 300 صفحة تحت عنوان "النظام الاقتصادي في الإسلام" للعالم الجليل "تقي الدين النبهاني" رحمه الله، والذي فيه تفصيل لسياسة الإسلام الاقتصاديّة وبيان كيف أنّ هذا النّظام كفل الحياة الكريمة للنّاس كافّة، المسلم وغير المسلم، ما يقارب 13 قرناً دون أزمات ومشاكل بل على العكس من ذلك، إلّا أنني سأكتفي بذكر هذه القصة على سبيل المثال وليس للحصر، كيف زادت الأموال بشكل فائق للحدّ في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله، حيث أمر والي العراق عبد الحميد بن عبد الرحمن أن "أخرج للنّاس أعطياتهم"، فكتب إليه عبد الحَمِيد: إنّي قد أخرجتُ للنّاس أعطياتهم، وقد بقي في بيت المال مال". فأمره بأن يقضي ديون المعسّرين من بيت المال؛ إذ قال: "انظر كلّ من أدان في غير سفه، ولا سرف فاقض عنه". فكتب إليه: "إنّي قد قضيت عنهم، وبقي في بيت مال المسلمين مال". فأمره أن يُزوّج المعسّرين من شباب وفتيات المسلمين، فقال: "انظر كلّ بكر ليس له مال فشاء أن تزوّجه فزوّجه، وأصدق عنه". فكتب إليه: "إنّي قد زوّجت كلّ من وجدت، وقد بقي في بيت مال المسلمين مال". فأمر عُمر رحمه الله بأن تتم عملية التّسليف الزّراعي من بيت المال بصفته بنكاً للدولة، حيث يُقدم الأموال للمزارعين إذا ما أصابتهم نائبة أو ضائقة؛ فقال لواليه: "انظر من كانت عليه جزية فضعّف عن أرضه، فأسلفه ما يقوى به على عمل أرضه، فإنّا لا نريدهم لعام ولا لعامين". لنخلص بأنّ النّظام الاقتصادي الإسلامي ليس هو البديل فحسب بل هو الأصيل الأصيل لأنّه أحكام أنزلها ربّ العالمين خالق البشر أجمعين، الّذي يعلم ما يصلح مخلوقاته ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾. أمّا اليوم، وبعد أن فشلت الاشتراكيّة في توفير الحياة الاقتصاديّة الآمنة للنّاس، ها هو الفشل يلفّ عنق الرّأسماليّة الّتي غرقت في مستنقع الأزمات المتتالية على الرّغم من عقد المؤتمرات واستنفار جهود علمائها وخبرائها الاقتصاديين الّذين حصروا تفكيرهم في نظامين فاشلين فكان الفشل مصير كلّ معالجاتهم بل زادت المشاكل استفحالاً وتحوّلت إلى مشاكل تلفّ كلّ دول العالم دون استثناء. فمنذ سيطرة النّظام الرّأسمالي يعيش العالم بأسره في ظلام هذا النّظام وذلك بعد أن عجز عن إيجاد حياة اقتصاديّة خالية من أزمات أنتجت الفقر والجوع والبطالة والتّشرد والعوز بنسب عالية وخطيرة، وذلك لعوامل عدّة أبرزها العولمة الاقتصاديّة. حيث سادت العولمة في العشرين سنة الأخيرة وقد كان لها الأثر الأكبر في امتداد الأزمات الاقتصاديّة الحاصلة، إذ أدّت عمليات دمج الاقتصاديّات المحليّة بالاقتصاد الدّولي الّتي تهيمن عليه أمريكا بسبب سيطرتها السياسيّة، إلى امتداد المشاكل الاقتصاديّة لكلّ دول العالم. وإذا كان الكفّار لا يهتدون إلى الحق ولا يعقلون كما وصفهم الله تعالى ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ فما حجّة المسلمين اليوم الّذين يُعرضون عن كتاب الله وسنّة رسوله؟! وهو القائل سبحانه ﴿قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾.
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رنا مصطفى
وسائط
http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/political/60237.html
أردوغان يصرح ويعترف أنه يفهم الإسلام على طريقة الغرب، وليس على طريقة سيدنا محمد ﷺ
إن ما اصطنعه ترامب من أزمة مالية مع تركيا بإثارة موضوع القس الأميركي برونسون المحتجز لديها منذ 2016م من باب الضغط للإفراج عنه، وما تبع ذلك من فرض عقوبات على وزيري الداخلية والعدل التركيين بذريعة استمرار رفض أنقرة الإفراج عن القس، ورد أنقرة بالمثل. ثم ما تبعه من إصدار ترامب أمرًا بمضاعفة الرسوم على واردات الصُّلب والألمنيوم من تركيا، ورد أردوغان بالتعامل بالمثل، وما صاحب ذلك من تصريحات متضادة… هذا كله قد أدى إلى هبوط الليرة التركية وفقدانها ما يعادل 20 بالمئة من قيمتها أمام الدولار، خلال الأسبوع الثاني وحده من آب/أغسطس، ونحو 40 بالمائة من قيمتها منذ بداية العام.
إن ما يلفت النظر في هذه الأزمة المصطنعة، أن العملاء لا قيمة لهم أمام مصالح الأسياد. فأردوغان بالرغم من كل ما قدمه ويقدمه لأميركا من خدمات وخاصة في سوريا؛ حيث كانت له اليد الطولى في ضرب ثورة المسلمين على نظام أسد الاستبدادي بما فعله في حلب عندما سحب المقاتلين التابعين له منها وأشغلهم في معاركه مع الأكراد؛ وذلك في الوقت نفسه الذي هاجمها النظام المجرم ومعه الروس وإيران وميليشياتها وكل أهل الشر… وبالرغم من أنه ينسق مع روسيا وإيران اللتين ترتكبان أبشع الجرائم بحق أهل سوريا المسلمين؛ لإيصال الوضع هناك إلى إعلان انتصار أسد ونظامه الأمني الأكثر إجرامًا في العالم عبر أستانة وصولًا إلى جنيف حيث تنتظرهم أميركا لتفرض الحل الذي تريده… بالرغم من ذلك فهي اتخذت إجراء عقابيًا بحقه؛ مسببة له الإحراج الدولي وكاشفة عن ضعف اقتصاده، وكاشفة أن مثل هذه الدول هي دول كرتونية أمام الغرب، ومن أسهل ما يكون عندها تهديد كيانها، وزعزعته حتى وتغييره. وهذا ما جعل أردوغان يستغرب هو ووزير خارجيته أن تتعامل معهم أميركا بهذه الخفة.
إقرأ المزيد: أردوغان يصرح ويعترف أنه يفهم الإسلام على طريقة الغرب
إن الناظر إلى أحوال الثوار المخلصين اليوم، الذين خرجوا في وجه طاغية الشام منذ البداية، متكلين على الله وحده، متحدّين بصدورهم العارية وإمكانياتهم البسيطة آلة القتل والرعب الأسدية من دون سند ولا معين إلا الله سبحانه وتعالى، إن الناظر إلى حالهم اليوم وبعد ما يُقارب السبع سنين من التضحيات الجسام والصبر العجيب، الذي لم يسجل التاريخ مثالا له في التضحية والبذل والصبر، الصبر على الأعداء وتكالبهم، والصبر على خذلان الإخوة وخيانتهم، يراهم في الغالب الأعم على أربعة أصناف:
الصنف الأول: انحازوا جانباً لا جبناً فيهم ولا خوراً في عزيمتهم، ولا كفراً بقضيتهم، ولكن لشدّة الانحراف الذي رأوه في مسار ثورتهم التي دفعوا من أجل نجاحها الغالي والنفيس، الانحراف الذي تسبب به المتسلقون والانتهازيون والعملاء والخونة وأصحاب اللحى المستعارة وخصوصاً بعد عسكرة الثورة والزج بها في خندق الفصائلية، ولأنهم - أي الثوار المخلصون - لا يملكون حلّاً أو خطة للنجاة ولم يتبنوا في الأصل مشروعاً ورؤية واضحة،
فسرعان ما انطفأت جذوة حماسهم وانحازوا جانباً يُراقبون مسار ثورتهم في حزن وأسى مكبلي الأيدي ومكبلي الأفق أيضاً، يعيشون غربة موحشة في ثورتهم وهم مستعدون دائما للعودة عندما توجد القيادة الصحيحة للثورة والتي تُعبر عنهم وعن أهدافهم التي خرجوا من أجلها بصدق وأمانة ووضوح.
المتابع للسياسة يرى ذلا عظيما يعيش فيه المسلمون، ويرى تسلط من قبل الكفار على المسلمين في كل مكان، ويرى خنوعا غير مسبوق من السياسيين في العالم الإسلامي للكفار ومشاريعهم، وفي زيارة ترامب الأخيرة يقول الكثيرون أنها تدل على الذل والهوان العظيم الذي يمر به المسلمون، ولكن حقيقتها المخفية تدل على خير عظيم، أما الذل الظاهري فواضح وضوح الشمس من الذلة والمهانة التي ظهر بها حكام السعودية، وإغداق المليارات على رؤوس الكفر، ومن تشكيل ما يسمى التحالف السني الإسلامي الأمريكي لمحاربة الإرهاب، ومن تعهد الحكام بـ 34 ألف جندي جاهزين لمحاربة الإسلام تحت القيادة الأمريكية تحت مسمى محاربة الإرهاب.
ولكن الحقيقة الغير ظاهرة والتي لا يراها الكثيرون وبالذات في السياسة الأمريكية الدولة الأولى في العالم:
• أن المجرمين لا يظهرون حقيقتهم الإجرامية إلا بعد استنفاد كل وسائلهم في محاربة أهل الحق، وهذا يعني أنهم في الرمق الأخير، ومجيء ترامب أصلا وهذه الخيانات الظاهرية تدل على ذلك:
1- انتخاب ترامب بدل أوباما الذي يعتبر انه كان دبلوماسيا، وإحضار ترامب الهمجي الذي يصرح بحقده على الإسلام وأهله.
المزيد من المقالات...
الصفحة 31 من 132