الجمعة, 27 آذار/مارس 2020 02:11
انتباه، فتح في نافذة جديدة. PDFطباعةأرسل إلى صديق

ثورة الشام بين مواقف الدول والخداع السياسي

 

 

مميز

 

 

في عالم تحكمه المصالح لا يمكن للسياسي الواعي إلا أن يرى حقيقة المواقف الدولية وما هي أسباب هذه المواقف وأهدافها التي لا يمكن أن يراها بقية الناس العاديين ممن لا يهتمون بالسياسة وألاعيبها، وممن يمتلكون ذاكرة السمك فينسون المواقف السابقة التي أوصلتهم إلى ما هم عليه الآن، وينساقون مع الدعاية الكبيرة التي ليست سوى دخان كثيف يغطي على الأهداف الحقيقية لكل موقف دولي، وهذا أمثلته كثيرة وهو ما يسمى بالخداع السياسي وخصوصاً في ظل النظم الرأسمالية الديمقراطية الحالية التي تبيع الوهم للشعوب وتخادع الجميع في سبيل تحقيق مصالح الرأسماليين الجشعين. هذا المدخل مهم حتى نفهم حقيقة ما يجري في الشام هذه الأيام وحتى يعلم أهل الشام وخصوصاً الثائرين على نظام التعفيش ونبش القبور، هذا النظام الدموي الحاقد المجرم الذي سطر اسمه مع أعتى المجرمين في التاريخ، وحتى يعلم أهلنا في سوريا أن ألاعيب السياسة بين الدول لا تحكمها العواطف والأخلاق وإنما تحكمها المصالح والمنافع، فلا تقيم وزناً لما قام ويقوم به النظام السوري من إجرام بحق الشعب السوري ونحن على أبواب الذكرى التاسعة لانطلاق الثورة وما صاحبها من آلام وخذلان من القاصي والداني ومن تآمر من القريب والبعيد. لقد انطلقت الثورة السورية بهدف واضح عبر عنه الثائرون بشعارهم (الشعب يريد إسقاط النظام) ليدشن حقبة جديدة ملؤها الأمل بالتغيير الجذري الكامل لحقبة سوداء في سوريا والمنطقة، هذا التغيير خرج يطالب به المسلمون في دول عدة بدءاً من تونس ومروراً بمصر وليبيا واليمن، وليس انتهاءً بالسودان والجزائر والذي سيمتد إلى باقي البلاد الإسلامية قريباً بإذن الله. ولذلك رأينا تداعي المنظومة الدولية كلها للقضاء على ثورة الأمة في سوريا دون باقي الثورات لما للشام من بُعد عقائدي فهي درة التاج ومركز القرار والانبعاث، ورأى الجميع كيف تواطأ الجميع على كسر شوكة الثورة وتدخل الدول الواحدة تلو الأخرى على مواجهة الثورة من طرف وتخذيل الثوار من طرف آخر، ورأى الجميع كمَّ المؤتمرات والاتفاقيات التي عقدت لأجل هذا الهدف، وكل ذلك في سبيل حرف الثورة عن هدفها في إسقاط النظام بكافة أركانه ورموزه، ليس بدايةً في جنيف ووصولاً إلى أستانة وفي النهاية إلى اتفاق سوتشي المشؤوم بين روسيا وتركيا والذي كان وما يزال يُراد له أن يكون البوابة لتنفيذ الحل السياسي الأمريكي بالحفاظ على النظام وعدم إسقاطه مع تغيير بعض الوجوه الكالحة، وهذا ما رفضه أهل الشام من البداية وأصروا على متابعة ثورتهم لإسقاط النظام، وتبعاً لذلك تم رفض اتفاق سوتشي شعبياً وحصلت أعمال سياسية كبيرة عبرت عن هذا الرفض، فقامت هذه الدول بتغيير تكتيكاتها في سبيل جعل اتفاق سوتشي مطلباً شعبياً عن طريق اجتياح المناطق المحررة وتراجع الفصائل أمام مليشيات النظام والطيران الروسي مما سبب تهجير مئات الآلاف وسقوط مناطق تعد قلاعاً للثورة في أرياف إدلب وحلب، مما استدعى التدخل التركي وما رافقه من ضجةٍ إعلاميةٍ كبيرةٍ وخصوصاً تصريحات المسؤولين الأتراك عقب المجزرة التي ارتكبها الطيران الروسي بحق الجنود الأتراك، وأنهم سيتدخلون ضد مليشيات الأسد، وبدأت القوات التركية بضرب النظام ضربات موجعة أدت إلى سقوط الكثير من ضباطه وعساكره وتدمير آلياته وأرتاله وحتى إسقاط طائراته، مع وعود من النظام التركي بالثأر لمصرع جنوده، ترافق مع تصريح الرئيس التركي أردوغان بقرب انتهاء مهلة شباط التي وضعها لمحاسبة نظام أسد على جرائمه في كلامه الهاتفي مع الرئيس الإيراني روحاني: "الحل السياسي هو السبيل لإنهاء الأزمة السورية"! هذا التصريح الذي يختصر حقيقة الموقف التركي بعيداً عن العواطف والمشاعر، ويؤكد المؤكد أن النظام التركي مستمر في السير مع باقي الجوقة الدولية في إنهاء الثورة والبدء بعملية الحل السياسيبعد أن يصبح اتفاق سوتشي مطلباً شعبياً، وإن ما جرى من قصف وقتل لمليشيات النظام يأتي في إطار تنفيذ اتفاق سوتشي الذي يعتبر تنفيذه مقدمة للمباشرة بالحل السياسي الأمريكي. والسؤال هنا ماذا سيجري بعد جلاء غبار المعارك الحاصلة الآن؟ وهل النظام التركي صادق في وعوده لأهل الشام؟ وإلى أين يسير مركب الثورة في ظل هذه المتغيرات؟ إن الحقيقة غالية الثمن لذلك يتم حراستها بسيل كبير من الدجل والكذب، وحتى بأعمال ظاهرها مساعدتنا وباطنها من قبله السيطرة على قرارنا وتقييدنا أكثر بما يريده أردوغان، لذلك كان علينا أن نقول الحقيقة ولو كانت مُرةً بطعم العلقم؛ إن ما يجري على الأرض حالياً هو تحويل سوتشي في عيون ضحاياه من مؤامرة منبوذة إلى حل مطلوب، فالمعارك الحالية سقفها حدود سوتشي وتطبيقاته من الحليفين الروسي والتركي، ورغم أننا في الشام كنا وما زلنا نأمل أن يكون تدخل تركيا لصالح الثورة حقيقةً للوصول إلى هدفها بإسقاط النظام الدموي في دمشق، ولكن ما نيل المطالب بالتمني أو بالانجرار خلف الدعاية المغرضة، لذلك فإن مركب الثورة يسير في منعطفات خطرة جداً إن لم يتحرك المخلصون وهم قادرون على الإمساك بدفة القيادة واستعادة القرار، وهذا مناط بأهل الشام أنفسهم القادرين على تحرير قرارهم من براثن الدول ومنظوماتها. ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾

بقلم الأستاذ أحمد معاز

http://www.alraiah.net/index.php/political-analysis/item/5020-ثورة-الشام-بين-مواقف-الدول-والخداع-السياسي

 
الجمعة, 27 آذار/مارس 2020 02:01
انتباه، فتح في نافذة جديدة. PDFطباعةأرسل إلى صديق

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

صحّة الطّفل في تونس
بين سراب الاتفاقيات الدولية وحقيقة الواقع الرّأسماليّ المُزري

 


أعلنت وزارة المرأة والأسرة والطّفولة وكبار السّنّ عن احتضان تونس مؤتمرا أمميّا تحت عنوان "طفولة بدون تعذيب بدني" في حزيران/يونيو 2020 ليُشارك ضمنه أكثر من 700 خبير ومسؤول دوليّ، وذلك بإشراف منظمة الأمم المُتّحدة.


أوّلا: لعاقل أن يتعقّل فيربط بين حقيقة الواقع ومضمون القوانين والجلسات والمُؤتمرات التي لا تشرف عليها دولة تونس ولا هيئات تابعة ولا وزارات، بل "النّظام الرأسمالي العالمي" نفسه من يسهر على نموّها وتغلغلها داخل الأمّة، فلا ينفك يثبّت عروقه في كلّ المجالات ليكون آخر مشاريعه وآخر من في قائمة مخطّطاته هي الطّفولة، وإنّنا نعي جيّدا ما يُحاك في الكواليس المُظلمة، إذ تحلّ تونس المركز الأوّل عربيّا وأفريقيّا في مؤشّر حقوق الطّفل سنة 2019، في مقابل وابل من المعاناة وحالات الانحطاط التي يشهدها واقع الطّفولة اليوم، وهو أقل ما يقال عنه بأنّه واقع كارثيّ على جميع الأصعدة.


إنّ المعلوم ضرورة أنّ من أهمّ مقوّمات العيش لأجل بناء طفل سليم جسديّا وعقليّا ونفسيّا هي الصّحّة، وهي مؤشّر على دنوّ الأمم من ارتقائها، فعودة بنا نحو وضع الصّحة للأطفال بتونس لنجده حتما وضعاً كارثيّاً، فنجد الرعاية الاستشفائية تشهد نقائص ليست بالهيّنة بل هي بدورها المُسبّبة في عدّة مشاكل، ومن ذلك نقص التّجهيزات الّذي أودى بحياة الكثير من الأطفال والذي هو بدوره عادة ما ينجم عنه أخطاء طبيّة، فحسب تصريح للمُتفقّد العام بوزارة الصّحّة طه زين العابدين أنّ 40 مولوداً يهلكون من 100 ألف مولود سنويّا بسبب تقصير طبي أثناء عمليّة الولادة، وعلّنا لا ننسى حادثة "الكرتونة" في كانون الثاني/يناير 2019 التي ذهبت فيها حياة 12 رضيعا في سلّة مُهملات الدّولة بعد أن حمّلوهم إلى أهاليهم في "كرتونة"، فحتى الموت لا خشوع أمامه!


كما إلى اليوم لم تُفد البحوث الأمنيّة بمُلابسات القضيّة ومن المتسبّب وراء ملحمة جماعيّة باردة؟!


كما لا يُلقى كلّ الوزير على النّقائص في الجانب التّجهيزيّ للمُستشفيات، بل تُسجّل الإحصاءات تواطؤاً كبيرا من الإطار الطّبّي في عدم التّمحّص في الحالات المرضيّة المعروضة، وأشهر حادثة نستدلّ بها على هذا الطّرح هي حالة محمّد أمين الطّفل من مواليد أيار/مايو 2013 والّذي قرّرت عائلته ختانه بتاريخ تموز/يوليو 2014 ليغادر غرفة المشفى مشلولا وفاقدا لنعمة البصر جرّاء جرعة زائدة من التّخدير.


وحسب مُنظّمة الصّحّة العالميّة فإنّه قد تم استيراد لوالب القلب المنتهية الصّلاحية عبر "الكنام" والتي تورّطت فيها أربع مصحّات معروفة بتونس وذلك سنة 2016، ممّا يكشف لنا عن حقيقة وجود العصابات المُنكبّة على المتاجرة في الأرواح البشريّة مُقابل غايات نفعيّة مصلحيّة، وفي ذلك تسليط للضّوء على الحقيقة البشعة للنّظام الرّأسماليّ المُهيمن.


ولا ننسى أيضا ذكر حالات الاكتظاظ بالمستشفيات (معدّل 12/3 طفلاً وأمّاً تقريبا في الغرفة الواحدة) ممّا يسبّب تلوّثا يغيب فيه التّعقيم والنّظافة للغرف والأغطية والأسرّة ودورات المياه وبعض الأحيان للآلات الطبيّة نفسها فيصبح الطّفل المريض معرّضا للإصابة بمرض ثان (الزّكام، العدوى البوليّة، أمراض الجلد) أو كأقلّ تقدير لا يمكن أن نطلق على هكذا أماكن مخصّصة من الدّولة كمستشفيات ترتقي بصحّة الطّفل وكلّ الأفراد.


في المقابل تتفاقم الأخطاء الطبيّة، أمام سكوت مُطبق من الدّولة وتقصير في مُحاسبة الجُناة والمتورّطين في هذه الحوادث حيث سجّلت 570 قضيّة مرفوعة لدى المحاكم سنة 2015 من جملة 7000 حالة خطأ طبّيّ كلّ سنة وذلك ما أفادت به وزارة الصّحّة التّونسيّة لتسجّل أيضا 105 حالة وفاة سنة 2017 بسبب تعفّن بقسم أمراض الدّمّ نجم عن إهمال الإطار الطبي لهذا القسم لتتراجع في النهاية النسبة العامة للمطابقة لمتطلبات حفظ الصحة بالمستشفيات من 86٪ سنة 2015 إلى 51٪ سنة 2017، فماذا إذاً ننتظر من دولة جباية غيّبت دورها الرّعوي لشؤون النّاس ومصالحهم؟


إضافة إلى أنّ مستشفى البشير حمزة بالعاصمة تونس هو المستشفى الوحيد المخصّص لعلاج الأطفال على مستوى البلاد وهو بدوره يعاني من حالات اكتظاظ ونقص في الأدوية والمعدّات ممّا يؤثّر سلبا على صحّة الأطفال المرضى كما يؤثر أيضا على طبيعة العلاقة بين الأولياء والطّاقم الطبيّ، وذلك ما أفادت به طبيبة الأطفال سامية حمودة، وفي خضمّ هذه النّقائص والتّجاوزات الّتي يشهدها قطاع الصحّة للأطفال بتونس فإنّ ميزانيّة وزارة الصّحّة في قانون الميزانيّة لسنة 2019 قد قدّرت بـ20.055 مليار دينار، أي ما يعادل 5.04٪ من مجموع الميزانيّة العامّة، و80٪ منها تصرف نحو نفقات الأجور والتّصرّف، فيما تخصّص 269 مليون دينار لتطوير القطاع وبناء المستشفيات وتدعيمها في مقابل أن الدّين العمومي للوزارة قد بلغ أربعة أضعاف ميزانيّتها.


وكتلخيص عامّ لوضع الصّحّة في تونس، يدوّن الوزير السّابق للصّحّة في تدوينة له على موقع التّويتر: "ما لم يتمّ الوقوف جديّا وإصلاح قطاع الصحّة في 2019، فسنقول وداعا لمنظومة الصّحّة العموميّة في تونس".


وكما يقال "شهد شاهد من أهلها" فأيّ بيان وإثبات لحال المنظومة الصّحّيّة المُتآكل والمزري بعد هذا؟


تنصّ المادّة عدد 3 من الإعلان العالمي لحقوق الطّفل: "تكفل الدّول الأطراف أن تتقيّد المؤسّسات والإدارات والمرافق المسؤولة عن رعاية أو حماية الأطفال بالمعايير الّتي وضعتها السّلطات المُختصّة ولا سيما في مجالي السّلامة والصّحّة وفي عدد موظّفيها وصلاحيّتهم للعمل وكذلك من ناحية كفاءة الإشراف".


وتونس من البلدان الأعضاء للدّول الّتي تكفلها منظّمة الأمم المُتّحدة، والواقع أكبر شاهد على زيف القوانين الّتي تمرّر لنا عبر الحبل الغربيّ، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يدل على فقدان الدّولة سيادتها بفعل أيادي المستعمر الّتي لا شاغل لها اليوم إلاّ لعب دور المفعول به أو المُستهلك لكلّ منتوج قانوني غربيّ سواء تعارض مع عقيدة الإسلام أم وافقها!


فاتفاقية حقوق الطّفل الصّادرة في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1989، قد فرضت في سياق إملاءات على تونس، فيما لا نرى أثرا لقوانينها - خياليّة المضمون - على أرض الواقع، لتليها وثيقة "عالم جدير بالطّفولة" الّتي تسعى من خلالها الجمعيّة العامّة للأُمم المُتّحدة إلى تثبيت أفكار وقيم تتعارض تعارُضا تامّا مع أحكام الإسلام ليصِل أثر هذا الإفساد إلى تونس عن طريق تحضير إدراج مادّة "التّربية الجنسيّة" الّتي تدعو صراحة لإباحة الإجهاض وتُشجّع ضمنيا على الزّنا (إدراج سياسات منع الحمل ببرنامج التّاسعة أساسي) والشّذوذ (إمكانيّة تقبّل أشكال أخرى للعائلة مثل: أب وأب وطفل يكوّنون أسرة)، بطابع غربيّ علمانيّ لا يعترف بالإسلام ولا يحسب له مكانة لرأيه الواضح والجازم في هذا المشروع.


إنّ هذا المُؤتمر الّذي تُخطّط له العصابة الغربيّة بالتّعاون مع سياسيين قد سلبوا الدّولة سيادتها إنَّما هو مثال آخر على عجز الطّبقة السّياسيّة في رعاية شؤون الطّفل من جهة عبر استيراد قوانين واتفاقيات غير مرغوب فيها من الأمّة ولا هي من ثقافتها الإسلاميّة المُتأصّلة فيها، ومن جهة أخرى يشير هذا الأمر على عمالة الدّولة ووصاية المُستعمر في أدق تفاصيل مستقبل الأمة وهي الطّفولة، فلو اطمئنّ الغرب على نهب الثّروات والتّدخّل في الشأن الاقتصادي والسّياسي والاجتماعي للدّولة، فإنّه قد ترك حيّزا من الجهد لرقبته، فيحنيها نحو النّاشئة الجديدة عبر إفسادها.


فهو على دراية بأهميّة "الطّفل" بالنّسبة للأمّة الإسلاميّة، فماذا لو كان ذخرا لها وجندا ضديدا عنيدا لمصالحه في الأراضي الإسلامية؟


إن المُتسبّب في كلّ هذه المعضلات إنّما هو نتاج وتحصيل حاصل لعلمانيّة النّظام وطابعه الرّأسماليّ في معالجة الأمور وذلك يعني فصلاً لعقيدة الأمة الإسلامية عن سياسة حياتها، فلم تورث هذه السياسة السيئة الإخراج غير طبقة سياسية هشّة وعميلة للغرب المستعمر، طبقة سياسيّة تفرح وتضرب الطّبول لتتويجات مهداة لها من العدوّ في حين إن الواقع مخالف تماما لظاهر هذه الاحتفالات والتهاني، فمن جهة فإن دولة تونس دولة علمانيّة تفصل الدين عن السياسة، ومن جهة أخرى تسارع لهاثا في استيراد مناهج وعقائد ووجهات نظر غربيّة بطابع ليبيراليّ دينه النّفعيّة والمصلحة، يرفضه أهل الزّيتونة خاصّة وأمة الإسلام عامّة بطبيعة أنّه يتعارض كليا مع أصل عقيدتنا وذلك ما تسبب بشقاء الطفولة كإفراز طبيعي وتلقائي لعلمانيّة الدّولة.


إنّ الطّفولة اليوم بتونس مهدّدة بالإتلاف والعبث، ليس في الجانب الصحّيّ فقط وليس في تونس فقط، بل في كلّ البلاد الإسلاميّة ولا حلّ للحدّ من هذه المُؤامرة إلاّ بسيادة الدّولة، ولا سيادة للدّولة إلاّ بنظام الإسلام العظيم الّذي بسياساته يقطع دابر عداء غربيّ. فتوفير الصّحّة في دولة الإسلام هو حُكم شرعيّ ينفّذه الحاكم خدمة للرعية جميعا لتكون هذه السلطة ذات وظيفة رعويّة، لا جبائية رأسمالية تسيّرها النّفعيّة والمصلحة، فلا سبيل للطفل بحياة كريمة وصحّة سليمة وأسرة متينة كما أرادها له الله عزّ وجلّ إلاّ بالإسلام حتّى تعود للأمّة عزّتها وللرّاية رفعتها.

 

 

كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
رحاب عمري

 

http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/political/66929.html

 
الجمعة, 27 آذار/مارس 2020 00:11
انتباه، فتح في نافذة جديدة. PDFطباعةأرسل إلى صديق

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

جواب سؤال

تداعيات فيروس كورونا

 

السؤال:

أعلنت الصين لأول مرة يوم 4/1/2020م وخاصة في مدينة ووهان عن إصابة العشرات بمرض كورونا وأطلق عليه كوفيد-19، ثم شمل دول العالم كلها تقريبا، واتخذت كثير من الدول إغلاق الحدود وحظر منع التجول ثم وقف صلوات الجمعة والجماعة... وقد وجه هذا المرض ضربة للاقتصاد العالمي. وبدأت أمريكا تتبادل الاتهامات مع الصين...

فما هو مصدر هذا الوباء؟ وما مدى تأثيره الفعلي على الاقتصاد العالمي؟ ثم ما هو العلاج الصحيح له؟ وهل يجوز وقف صلوات الجماعة والجمعة بسبب هذا المرض؟

 

الجواب:

إن فيروس كورونا أطلق عليه هذا الاسم بالإنجليزية (Crown) وتعني التاج بالعربية، لأن شكله تاجي عند العرض بالمجهر الإلكتروني، وكان أول اكتشاف له عام 1960 باسم كورونا فيريدي. ومن عائلة هذا الفيروس ظهر عام 2003 في منطقة هونغ كونغ الصينية فيروس أطلق عليه سارس، وسجل 8422 إصابة منها 916 حالة وفاة، وفي عامي 2004 و2005 ظهرت منه سلالات جديدة، وهكذا بدأ يظهر في السنوات التالية، وخاصة في عام 2012 وفي عام 2014 ولكن كان محدودا في بعض البلاد وبنسب قليلة. وقد ظهر مرة أخرى في بداية كانون أول/ديسمبر عام 2019 في مدينة ووهان الصينية ويشبه فيروس سارس2 بنسبة 96%، فأطلق عليه كورونا 2019 واختصارا كوفيد-19 نسبة لظهوره عام 2019، وكانت العديد من الإصابات الأولية مرتبطة بسوق للطعام البحري والحيواني في مدينة ووهان الصينية، فانتشر منها في العديد من البلاد المجاورة، فظهر تشابه له مع فيروسات الخفافيش التاجية بنسبة 96% مما جعل كونه الأصلي هو الخفافيش مرجحاً. وقد تزايدت أعداد الوفيات، أغلبهم في الصين حتى بلغ عدد الإصابات ما يزيد عن 81193 إصابة مع أكثر من 3 آلاف حالة وفاة، ومن ثم إيطاليا وإيران وإسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة... وقد نشر الرعب في أنحاء العالم بسبب سرعة انتشاره حتى وصل عدد الإصابات حتى يوم 24/3/2020م إلى نحو 404000 إصابة مؤكدة، والوفيات تقترب من 20 ألفا... (دويتشيه فيللي 25/03/2020م)، وقال أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: "إن وباء كوفيد-19 قد يقتل الملايين إن لم يتم ضبط انتشاره"... (إيرو نيوز 19/3/2020)... ولهذا منعت كثير من الدول المدارس والجامعات والتجمعات، وكذلك دعت إلى حظر التجول والحجر الصحي الجماعي وإلى إلغاء صلوات الجمعة والجماعة... وقد نشأت عن ذلك أمور تحتاج إلى توضيح:

 

أولاً: هل نشأ هذا المرض بفعل فاعل أو كغيره من الأمراض قضاء من الله بما كسبت أيدي الناس؟

ثانياً: هل عالج العالم الرأسمالي هذه المسألة معالجة صحيحة؟ وما هو العلاج الشرعي في مثل هذه الحالة؟

ثالثاً: ما هو تأثير هذا المرض (كورونا) على أسعار النفط ثم الاقتصاد العالمي؟

رابعاً: هل يجوز بسبب هذا المرض أن تمنع صلاة الجماعة وصلاة الجمعة؟

 

أولاً: نشوء هذا المرض ومن وراءه:

1- كانت بداية انتشار كورونا كوفيد-19 من الصين، وتقول الدراسات العلمية والطبية أنه انتقل من الحيوانات إلى الإنسان إذ إنه في الصين تنتشر عادة أكل كافة أنواع الحيوانات حتى الخبائث باعتبارهم كفارا وثنيين لا يميزون بين الخبيث والطيب... فكما ذكرنا آنفاً فإن التقارير الإعلامية أشارت إلى أن مدينة ووهان الصينية في هوبي تعد مركزا لتجارة هذه اللحوم الخبيثة، وهي بؤرة تفشي هذا المرض.

 

وهكذا انتشر مرض كورونا في الصين ثم انتقل إلى إيران عن طريق الصينيين العاملين هناك في شركة السكك الحديدية الصينية التي تقوم ببناء خط سكة حديد عبر مدينة قم... وتعتبر إيران بؤرة تفشي المرض في الشرق الأوسط. وكذلك فَتَحت إيطاليا مجموعة من القطاعات للاستثمار الصيني من البنية التحتية إلى وسائل النقل... وتشير التقارير إلى أن لومباردي وتوسكانا هما المنطقتان اللتان شهدتا أكبر قدر من الاستثمار الصيني، وقد شهدت منطقة لومباردي في 21 شباط الماضي أول إصابة بالكورونا، وهي من أكثر المناطق إصابة...

 

2- قامت أمريكا بمهاجمة الصين على تقصيرها في محاربة الوباء وإخفائها له منذ بدايته وإخفاقها في محاربته، فقام المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية تشاو لي جيان يرد على ذلك بانفعال شديد فكتب على حسابه في موقع تويتر يوم 13/3/2020 قائلا: "الجيش الأمريكي ربما جلب فيروس كورونا إلى مدينة ووهان الصينية"... (الشرق الأوسط 13/3/2020)... وكرر الرئيس الأمريكي ترامب هجومه على الصين قائلا: ("إن العالم يدفع غاليا ثمن بطء الصين بتقديم معلومات حول كورونا الجديد"... إيرو نيوز 19/3/2020) وقد وصف ترامب فيروس كورونا بالفيروس الصيني عندما نشر تغريدة يوم 16/3/2020 على تويتر ("الولايات المتحدة تقدم دعما قويا للقطاعات التي تعرضت لتأثير أكبر من الفيروس الصيني مثل الطيران")، وردت الصين على لسان المتحدث باسم خارجيتها يوم 17/3/2020 فقال: ("هذا التعليق يشوه صورة الصين، نحن غاضبون جدا ونرفضه بشدة"... روسيا اليوم 18/3/2020) وعندما بدأت الصين تشيع الاتهامات التي وردت في البداية بأن أمريكا وراء انتشار الفيروس، استدعت واشنطن سفير بكين لديها يوم 13/3/2020 وقال مسؤول الخارجية الأمريكية: (إشاعة نظريات مؤامرة خطير وسخيف. أردنا تحذير الحكومة الصينية من أننا لن نتسامح مع ذلك، لمصلحة الشعب الصيني والعالم. الصين تريد درء الانتقادات حول دورها في بدء هذا الوباء العالمي) فأكدت وكالة شينخوا [أن الإجراءات التي قامت بها بكين بما في ذلك فرض حجر صحي صارم على ملايين الأشخاص، منح العالم "وقتا ثمينا" للاستعداد وهو ما يقر به المجتمع الدولي... روسيا اليوم 15/03/2020م].

 

3- وهكذا اندلعت حرب كلامية بين أمريكا والصين بسبب تفشي الفيروس التاجي Covid19 (SARS-CoV2)... وكل من الدولتين تكيل التهم للأخرى بأنها هي العامل المباشر في انتشار هذا الداء، ومع أن كلا النظامين المطبقين في الصين والولايات المتحدة لا يُستبعد عنهما أن يكونا وراء نشره إلا أنه بعد البحث يترجح عدم وجود دليل ملموس على أن الولايات المتحدة أو الصين، هي من نقلت الفيروس أو صنَّعته ثم شرعت في نقله إلى دول أخرى، وذلك لسببين بارزين:

 

الأول هو أن كلا الدولتين غارقة إلى أذنيها في هذا المرض!

فالصين، بالإضافة لما ذكرناه عنها سابقاً، فإن آخر إحصاء لمرض كورونا فيها هو أن أعداد المصابين [(81272)، وعدد المتوفين (3273) كما جاء في إعلان اللجنة الوطنية للصحة في الصين... اليوم السابع 23/03/2020م]، ولو كانت هي التي من وراء نشر المرض لوَقَت نفسها منه على الأقل.

 

وأما أمريكا فحسب الإحصاء لمرض كورونا فيها وفق (CNN Health) فإن عدد الوفيات بالفيروس قد ارتفع إلى 704، بينما وصل مجموع الإصابات المؤكدة 52976 (سي إن إن عربي 25/03/2020م). وتأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثالثة من حيث عدد الإصابات بالفيروس بعد الصين وإيطاليا... وبموجب الإجراءات الأخيرة يخضع ثلث الأمريكيين إجمالا لأوامر البقاء في المنازل في سبع ولايات، إذ أعلنت ولايتا لويزيانا وأوهايو أمس الأحد حظرا موسعا للتجول، لتنضما إلى ولايات نيويورك وكاليفورنيا وإلينوي وكونيتيكت ونيوجيرسي. (الجزيرة ٢٣/٠٣/٢٠٢٠)، وكذلك لو كانت هي التي من وراء نشر المرض لوَقَت نفسها منه على الأقل.

 

والثاني هو عدم صحة القول بتصنيع أي من الدولتين له، وذلك لأنه لا يوجد دليل على أن الفيروس تم تصنيعه في المختبر، حيث تقول مجلة (Nature Medicine) "من خلال مقارنة بيانات تسلسل الجينوم المتاحة لسلالات الفيروس التاجي المعروفة، فإنه يمكننا أن نؤكد بشدة على أن الفايروس التاجي نشأ من خلال العمليات الطبيعية". وتقول المجلة أيضاً "تم دعم هذا الرأي من خلال بيانات عن العمود الفقري للفيروس وهيكله الجزيئي الشامل، ومن أراد تصنيع الفيروس مخبريا فإنه يظهر ذلك في العمود الفقري للفيروس". [https://www.npr.org]، وينطبق الشيء نفسه على أي دولة أخرى مثل روسيا وأوروبا، وإيران وغيرها من بلاد المسلمين، فهي متأثرة على الأرجح بإحدى الدولتين، الصين وأمريكا، من حيث انتقال المرض...

 

وإذن لا يبقى إلا أن يكون كما قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾، فكلنا يدرك ما صنعه الرأسماليون وأشباههم من شر مستطير في العالم، فهم لا يقيمون وزناً إلا لمصالحهم وأطماعهم... فحكام أمريكا والصين وروسيا وأوروبا...الخ، هم سبب شقاء العالم وشقاء شعوبهم، وجرائمهم بحق البشرية كثيرة، فهم من قصفوا الناس العزل بالقنابل النووية، واليورانيوم المنضب، وقنابل النابالم الحارقة، واستعبدوا القبائل الأفريقية بشكل وحشي وجعلوها حقولاً لتجاربهم البيولوجية والكيماوية، وحروب الإبادة للهنود الحمر وصمة عار على جبينهم، وجرائم الصين بحق المسلمين الإيغور ضجت بها الآفاق، وجرائم روسيا والصرب تجاه المسلمين في آسيا الوسطى والبلقان والشام لا زالت مستمرة، وجرائم بريطانيا في الهند بحق المسلمين وغير المسلمين لا زالت تداعياتها إلى اليوم، فهذه الجرائم تؤكد أن هؤلاء الحكام الذين يتحكمون في شعوب العالم هم سبب شقاء البشرية... فنعم كما قال القوي العزيز: ﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ﴾.

 

ثانياً: خطيئة العلاج الرأسمالي وأشباههم لهذه المسألة، وأن العلاج الصحيح هو العلاج الشرعي:

  • لقد عالج الرأسماليون وأشباههم هذه المسألة على ثلاث مراحل:

** الأولى التكتم على الموضوع...

1- [كشف تقرير صيني أن السلطات الصينية أخفت عن الصينيين والعالم حقيقة المرض القاتل الذي علمت السلطات بانتشاره قبل منتصف شهر ديسمبر 2019 إلا أنها تكتمت على الأمر ولم تعترف به حتى نهاية السنة عقب ازدياد عدد الحالات. وقال الإعلامي الصيني-الأمريكي "شانغ وي وانغ"؛ مؤكّداً أن السلطات لم تغلق سوقاً لبيع الأطعمة البحرية في مدينة ووهان التي انتشر منها المرض إلا في شهر يناير. وكشف التقرير أنه تم القبض على 8 مواطنين؛ لتناقلهم معلومات حول المرض في بداية الأزمة واعتبرتهم أشخاصاً خارجين عن القانون بنشر معلومات غير مؤكّدة، وتابع، ما زالت السلطات المحلية في ووهان تدعي أن الأمور طبيعية وسمحت بإقامة شعائر أحد التقاليد المحلية يوم 18 يناير الماضي، وحضره نحو 40 ألف أسرة، (سبق 01/02/2020م)]

 

2- وكذلك [لم يحذر المسؤولون الصينيون الشعب من خطورة الأزمة في ديسمبر وذلك حتى 31 ديسمبر حيث أبلغت بكين منظمة الصحة العالمية... وقالت الحكومة الصينية، وقتذاك، "المرض يمكن الوقاية منه والسيطرة عليه". وفي الـ 23 من يناير الماضي، أغلقت السلطات مدينة ووهان، وصدر قرار بحظر السفر تماماً... (مصراوي ٢٣/٠٣/٢٠٢٠)]

 

** والثانية الحجر الصحي والعزل الجزئي...

1- [أكد مسؤولون من قطاع الصحة في الولايات المتحدة، السبت، حالة إصابة ثامنة بفيروس كورونا الجديد، وقالت وزارة الدفاع الأمريكية إنها ستوفر مأوى للواصلين من الخارج الذين قد يتطلب الأمر وضعهم في حجر صحي... وتخضع مدينة ووهان وإقليم هوبي بوسط الصين، حيث ظهر الفيروس، لحجر صحي فعلي... (سكاي نيوز عربي 1٢/٠٢/٢٠٢٠م)]

 

2- وفي الولايات المتحدة، قال حاكم ولاية نيويورك الأمريكية أندرو كومو ["نحن في الحجر الصحي"، مؤكدا أنه "الإجراء الأكثر تشددا الذي يمكن أن نتخذه". ومع فرض الحجر في نيويورك وكاليفورنيا وولايتي نيوجيرسي وإيلينوي، بات على أكثر من 85 مليون شخص ملازمة بيوتهم باستثناء القيام بالتسوق ونزهة قصيرة... (دويتشه فيللي ٢١/٠٣/٢٠٢٠م)]

 

** والثالثة العزل شبه الكامل في البيوت...

[يخضع مئات الملايين من الناس في العالم لعزلة في بيوتهم على أمل الحد من انتشار فيروس كورونا الذي أسفر عن وفاة أكثر من أحد عشر ألف شخص. هذا الإجراء المشدد غير المسبوق في تاريخ البشرية يجري تنفيذه بدرجات متفاوتة حسب الدول... فقد دُعِي أكثر من 800 مليون إنسان في أكثر من 30 دولة إلى ملازمة منازلهم، أكان ذلك بسبب قرارات الحجر العام أو التوصيات أو حظر التجول، بحسب تعداد أجرته فرانس برس... ففي ألمانيا، تبحث السلطات تشديد الإجراءات من أجل تقييد الحياة العامة وإلزام أغلب السكان بالتزام منازلهم... وتستعد إيطاليا، البلد الأكثر تضررا في أوروبا بالفيروس الذي أودى بحياة أربعة آلاف شخص فيها وكانت أول دولة بالقارة العجوز تأمر بوضع السكان في الحجر، لتعزيز إجراءاتها في مواجهة انتشار المرض. وستغلق كل الحدائق والمحميات أمام الجمهور في عطلة نهاية الأسبوع على أن تفرض قيودا أخرى لدفع الإيطاليين إلى البقاء في بيوتهم، بعد أن أعلنت السلطات وفاة 627 شخصا بالفيروس خلال 24 ساعة في البلاد، في ما يشكل ذروة منذ بداية الأزمة... (دويتشه فيللي ٢١/٠٣/٢٠٢٠م)]

 

  • ·     وبتدبر هذه المعالجات الثلاث يتبين أنها لا تحل المشكلة، بل هي ستزيد فشل الاقتصاد فشلاً آخر، ثم تضاعف من هذا المرض ومن الملل والسأم الذي يصيب الناس كما أصبحنا نسمع عن حالات في المجتمع الرأسمالي...

ولذلك فإن العلاج الصحيح لهذا المرض هو كما جاء في شرع الله سبحانه بأن تتابع الدولة المرض من بدايته وتعمل على حصر المرض في مكان نشوئه ابتداءً ويستمر الأصحاء في المناطق الأخرى في العمل والإنتاج...

 

روى البخاري في صحيحه عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ r أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا»، وفي حديث آخر عند البخاري ومسلم واللفظ لمسلم عن أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ e: «الطَّاعُونُ رِجْزٌ أَوْ عَذَابٌ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَاراً مِنْهُ»، وفي رواية أخرى للبخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ r قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ r عَنْ الطَّاعُونِ فَأَخْبَرَنِي «أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِراً مُحْتَسِباً يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ».

 

فهذا نوع من الحجر الصحي في دولة كانت متقدمة على جميع الدول، وفي دولة حضارية من الطراز الأول قائدها نبي الله ورسوله r يوحى إليه وهو يطبق الإسلام ليكون قدوة حسنة في التطبيق. ذكر ابن حجر في فتح الباري أن عمر رضي الله عنه خرج إلى الشام فلما جاء سرْغ بلغه أن الوباء وقع بالشام، فأخبره عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله r قال: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» فرجع عمر بن الخطاب... أي لما جاءه الخبر بأن الطاعون قد انتشر رجع بالمسلمين...

 

 وعليه فإن على الدولة في الإسلام حصر المرض في مكانه وأن يبقى سكانه فيه ولا يدخل عليهم سكان آخرون... وأن تقوم الدولة بواجبها الشرعي فهي دولة رعاية وأمانة، فكما تقوم بهذه الإجراءات عند تفشي الأوبئة المعدية تقوم بتأمين الرعاية الصحية من التطبيب والدواء مجانا لكافة رعاياها وتقيم المستشفيات والمختبرات الطبية وغيرها من الحاجيات الأساسية لرعايا الدولة كالتعليم وحفظ الأمن...

 

هكذا يكون الإجراء الصحيح بأن يعزل المرض المعدي في مكانه ويحجر على المرضى صحياً ويتابعوا بالرعاية والعلاج مجاناً، ويستمر الأصحاء في عملهم وتستمر الحياة الاجتماعية والاقتصادية كما كانت عليه قبل المرض المعدي لا أن تتوقف حياة الناس العامة ويعزلوا في البيوت ومن ثم تُشل الحياة الاقتصادية أو تكاد فتزداد الأزمة استفحالاً وتظهر مشكلات أخرى...

 

ثالثاً: تأثير هذا المرض (كورونا) على أسعار النفط ومن ثم على الاقتصاد العالمي:

إن الاقتصاد العالمي يتباطأ في نموه حتى في الوضع العادي دون وباء... فكيف وإجراءات العالم تميل إلى الحجر الصحي وإلى العزل الكلي والجزئي؟ إن هذه الإجراءات ستزيد من تباطؤ الاقتصاد العالمي إن لم تؤد به إلى الانهيار:

لقد شل الفيروس حركة التجارة العالمية وأودى بأسعار النفط إلى الحضيض، إذ هبطت أسعار النفط إلى مستويات متدنية جدا. وأوجد حرب أسعار بين روسيا والسعودية بسبب اضطرار روسيا إلى رفع إنتاجها من النفط حيث تعتمد عليه اعتمادا كبيرا، فحركت أمريكا السعودية لترفع إنتاجها لتواجه روسيا. فقام الرئيس الأمريكي ترامب يوم 19/3/2020 يهدد روسيا قائلا: "إنه سيتدخل في حرب الأسعار الدائرة بين السعودية وروسيا في الوقت المناسب"... (الحرة الأمريكية 19/3/2020) وتخوض السعودية معركة لحساب أمريكا ضد روسيا على حصص السوق بعد أن انهار هذا الشهر اتفاقهما السابق لكبح الإنتاج الذي دام ثلاث سنوات. ويضخ البلدان النفط بأقصى طاقتهما في وقت يشهد فيه الطلب العالمي تراجعاً حاداً بسبب انتشار فيروس كورونا فانخفضت الأسعار إلى أدنى مستوياتها في نحو 20 عاما هذا الأسبوع، إذ هبط سعر البرميل إلى 28,75 دولار لمزيج برنت للعقود الآجلة. وعلى الرغم من إدراك الروس لارتباط السعودية بأمريكا [وقال ميخائيل ليونتييف المتحدث باسم شركة روسنفت لوكالة الإعلام الروسية (جميع كميات النفط، التي جرى تقليصها نتيجة لتمديد اتفاق أوبك+ عدة مرات، جرى تعويضها بالكامل وبسرعة في السوق العالمية بالزيت الصخري الأمريكي...) رويترز 8/3/2020]، إلا أنهم لم يستطيعوا اتخاذ أي إجراء إزاء ذلك، بل إن السعودية فاقمت الأزمة تجاه روسيا بأن قررت عدم تمديد الاتفاق السابق (خفض 2.1 مليون برميل) وقررت رفع الإنتاج (فقدت أسعار النفط ما يصل إلى ثلث قيمتها يوم الاثنين في أكبر خسائرها اليومية منذ حرب الخليج عام 1991... وهكذا تراجعت العقود الآجلة لخام برنت 22 بالمئة عند 37.05 دولار للبرميل بعد أن نزلت في وقت سابق 31 بالمئة إلى 31.02 دولار وهو أدنى مستوى منذ 12 فبراير شباط 2016. رويترز 9/3/2020) ثم إنها خفضت سعر النفط لعملائها في آسيا بقيمة 6 دولارات! واليوم فإن روسيا تبحث عن سبيل للعودة الى إتفاق "أوبك بلس" وتبدي مرونة لخفض جديد!

 

وهكذا فقد اهتز الاقتصاد العالمي اهتزازاً شديداً نتيجة انتشار فيروس كورونا ومن ثم انخفاض أسعار النفط، وإذا استمر الحال كذلك فقد يوشك الاقتصاد العالمي فعلاً على الانهيار...

رابعاً: أما هل يجوز منع إقامة صلاة الجمعة والجماعة في المساجد...؟

 

إن ترك صلاة الجماعة والجمعة في حالة انتشار الأوبئة المعدية لا يكون بشكل عام، بل يعزل المرضى ولا يسمح لهم بدخول المساجد للجماعة ولا للجمعة، وتؤخذ التدابير كافة من النظافة والتعقيم وإذا لزم لبس الكمامات وغير ذلك... ثم يستمر الأصحاء في صلاة الجمعة والجماعة دون توقف، وإذا لزم أن توجد طواقم طبية عند المساجد لفحص من يشتبه بمرضه من المصلين فيمكن اتخاذ إجراء بذلك لكن دون تعطيل صلاة الجمعة والجماعة للأصحاء من المسلمين، فإن الأدلة الواردة في الجماعة والجمعة لا تتضمن التعطيل الدائم، بل هي لا تتطلب عدداً كبيراً لأدائها كما سنبينه... ويُعذر بعض المسلمين من حضورها لأسباب تخصهم على النحو التالي:

 

1- بالنسبة لصلاة الجماعة فهي فرض على الكفاية:

إن صلاة الجماعة فرض كفاية يجب إظهارها للناس، فإن أبا الدرداء رضي الله عنه قد روى أن النبي r قال: «مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ لَا تُقَامُ فِيهِمْ الصَّلَاةُ إِلَّا قَدْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ الشَّيْطَانُ، عَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْخُذُ الذِّئْبُ مِنَ الْغَنَمِ الْقَاصِيَةَ» رواه أبو داود بإسناد حسن، وهي عن صلاة الجماعة. وهي فرض كفاية فإن بعض المسلمين قد تأخر عن صلاة الجماعة مع الرسول r فتركهم الرسول بعد تهديده لهم بالحرق، أخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقاً سَمِيناً أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ» ولو كانت فرض عين على كل مسلم لما تركهم، وهي عن الجماعة لذكرها صلاة العشاء... وأقل الجماعة اثنان إمام ومأموم لحديث مالك بن الحويرث قال: «أَتَيْتُ النَّبِيَّ r أَنَا وَصَاحِبٌ لِي فَلَمَّا أَرَدْنَا الْإِقْفَالَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لَنَا إِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا»، أخرجه مسلم. ولا تسقط الجماعة إلا بعذر شرعي فيه نص كالليلة الباردة أو المطيرة، لحديث البخاري أن رسول الله e: «كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّناً يُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى إِثْرِهِ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ».

 

2- وأما صلاة الجمعة فهي فرض عين لا تسقط إلا بعذر والأدلة على ذلك كثيرة ومنها:

قوله تعالى: ﴿إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ﴾ والأمر في هذه الآية للوجوب بدليل قرينة النهي عن المباح فدل على الطلب الجازم. وأخرج الحاكم في المستدرك على الصحيحين عن طارق بن شهاب، عن أبي موسى، عن النبي e، قال: «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةٌ: عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوِ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ»، وقال الحاكم: "حديث صحيح على شرط الشيخين". ولا تجب على الخائف لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي r قال: «مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يُجِبْهُ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا الْعُذْرُ؟ قَالَ: خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ» أخرجه البيهقي في السنن الكبرى. وهكذا فالجمعة واجبة على كل مسلم إلا من ورد فيه نص شرعي يستثنيه... وما عداهم ممن لم يرد نص باستثنائه فإن الجمعة فرض عين عليه. وهذه هي الأعذار الشرعية ولا يقاس عليها. فالعذر الشرعي هو ما ورد فيه نص شرعي ولا يدخل

 

القياسُ العبادات، لأنه لم يرد فيها نص معلل حتى يتأتى فيها القياس... ويشترط لصلاة الجمعة أن تكون في عدد من المسلمين، وقد أجمع الصحابة على أنه لا بد من عدد لصلاة الجمعة، فلا بد أن تكون في عدد. ولا يشترط عدد معين فأي عدد يطلق عليه جماعة واعتبر عدداً صحت به صلاة الجمعة ما دام يعتبر جماعة، لأن كونها جماعة ثابت بحديث طارق السابق: «الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ» ولأن العدد ثابت بإجماع الصحابة، ولم يرد حديث له منزلة الاعتبار يدل على عدد معين في الجمعة. غير أنه لما كان لا بد من الجماعة والعدد، ولا يتأتى ذلك إلا بثلاثة فما فوق لأن الاثنين لا يسمى عدداً مع جماعة. وعليه لا بد من ثلاثة ممن تجب عليهم الجمعة حتى تصح صلاة الجمعة فإن نقصوا عن ذلك لم تصح ولا تسمى جمعة لعدم وجود العدد، وقد انعقد الإجماع على أنه لا بد من عدد لصلاة الجمعة.

 

وهكذا فإنه في دولة الخلافة لا تتعطل صلاة الجمعة أو الجماعة، بل إن الذي هو معذور شرعاً فلا يحضر والباقي يحضرون. أما القول بأنه قد يغلب على الظن أن الجميع معرضون للإصابة بالعدوى ولا يمكن التحرز منه مهما أخذت من تدابير واحتياطات... فإنه احتمال ضعيف وبخاصة أن أقل العدد للجماعة اثنان وللجمعة ثلاثة، وهذا على الأرجح متحقق، ولو افترضنا وجود هذا الاحتمال فيؤخذ به في منطقته فحسب، ومن هنا فيجب ضبط الأمر بكل دقة وأمانة، فإن كان العدد محققاً بغلبة الظن فلا تعطل صلاة الجمعة والجماعة، بل تتخذ كافة التدابير والاحتياطات، فالاحتراز لا يعني ترك الفرض وإنما يقام به مع أخذ الاحتياطات والتدابير لمنع العدوى.

 

هذا هو الحكم الراجح في المسألة، فإذا أقفلت الدولة المساجد دون بذل الوسع في التحقق من غلبة الظن كما بيناه أعلاه، ومن ثم منعت الناس من أن يرتادوا المساجد للجمعة والجماعات فتكون آثمة إثماً كبيراً لتعطيل صلاة الجمعة والجماعة.

 

وفي الختام فإنه لمن المؤلم حقاً أن الحكام في بلاد المسلمين يتبعون خطوات الكفار المستعمرين شبراً بشبر وذراعاً بذراع، فإذا اضطربت تلك الدول في معالجتهم داء معينا تبعوهم، وإذا اقترحوا حلاً ولو كان على غير سواء صفق له الحكام في بلاد المسلمين وعدوه صحة وشفاء! إنه لأمر مؤلم أن يضفي هذا الوباء (كورونا) على البلاد والعباد ركوداً وجموداً حتى لتكاد الحياة العامة تتوقف مع أن بلاد المسلمين قد مر عليها مثله الشيء الكثير، فابتليت بالطاعون وهي تخوض حرباً ضروساً مع الروم في الشام السنة الثامنة عشرة للهجرة... وكذلك ابتليت الأمة في منتصف القرن السادس للهجرة ببلاء "الشقفة" ويسمَّى الآن الجمرة، وامتد من الشام حتى المغرب، وهو الآن يعد من القروح الناتجة عن إصابة الجلد بعدوى جراثيم المكورات العنقودية (نوع من البكتيريا)... وكذلك ابتلي المسلمون في منتصف القرن الثامن للهجرة (749هـ) بما يسمى الطاعون الأعظم في دمشق، وفي جميع هذه الحالات لم تغلق المساجد وتوقف الجمعة والجماعة، ولم يحبس الناس في بيوتهم، بل كان يُعزل المرضى، ويزاول الأصحاء أعمالهم بالجهاد وعمارة الأرض... ويذهبون للمساجد يصلون ويدعون الله أن يقيهم شر هذا المرض، هذا فضلاً عن العلاج الصحي الذي اتبعوه في العناية بالمرضى... هذا هو الحق ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ﴾.

 

الثاني من شعبان 1441هـ

26/03/2020م

 

http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/ameer/political-questions/66945.html

 

 
الخميس, 26 آذار/مارس 2020 23:31
انتباه، فتح في نافذة جديدة. PDFطباعةأرسل إلى صديق

بسم الله الرحمن الرحيم 

كلمة أمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة بمناسبة الذكرى الــ99 لهدم دولة الخلافة

 

مميز

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد،

إلى الأمة الإسلامية بعامة التي جعلها الله خير أمة أخرجت للناس... وإلى شباب حزب التحرير بخاصة الذين أكرمهم الله بحمل دعوته بصدق وإخلاص... وإلى ضيوف الصفحة المقبلين عليها حباً بما تحمله من خير ونبراس... إلى كل هؤلاء: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

في مثل هذا اليوم قبل تسع وتسعين سنة قام مجرم العصر مصطفى كمال بإلغاء الخلافة، ومع أن هذا كان جهاراً نهاراً، وثابتاً بالبرهان، بل بأكثر من برهان، أنه كفر بواح وإلغاء لحكم الإسلام، ومن ثم يستحق مرتكبُه المنابذةَ بالسيف وفق حديث رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم الذي أخرجه البخاري ومسلم عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ قُلْنَا أَصْلَحَكَ اللَّهُ حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ  صلى الله عليه وآله وسلم، قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ  صلى الله عليه وآله وسلم فَبَايَعْنَاهُ فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا: «أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ»، فكان الواجبُ هو قتالَهُ والتضحيةَ بكل غالٍ مهما بلغ، إلا أن هذا الطاغية لم يقابَل من الأمة بما يستحقهُ قطعُ دابرِه! ومن ثَمَّ فقد أظلم تاريخُ أمةٍ كانت خيرَ أمة أخرجت للناس، حيث كانت لها دولةُ خلافةٍ واحدة مرهوبةُ الجانب بالحق والعدل، فأصبحت الآن تزيد على خمسين مزقة، بأسهم بينهم شديد، يتسلط عليهم من لا يرحمهم، ولا يرعى شؤونهم، وليس هذا فحسب، بل يتولى أمرهم حكامٌ رويبضات خانعون للكفار، خاضعون للمستعمرين، ثرواتهم تُسيِّرُ اقتصاد أولئك الأعداء لدين الله، وأما اقتصاد البلاد والعباد فمنهوب مكروب، لا ينتفع أهله به، بل ينطق حالهم (كالعيس في البيداء يقتلها الظما والماء فوق ظهورها محمول)، وكل ذلك تحت سمع هؤلاء الرويبضات وبصرهم... فالفقر ينتشر بين الناس إلا فئةَ الحكام وأشياعهم فتنال أجرها المغلفَ بالذل والهوان نتيجة خدمة أسيادهم المستعمرين، خيانةً لله ورسوله والمؤمنين، وصداً عن سبيل الله العزيز الحكيم.

أيها المسلمون، إن الخلافة هي قضية المسلمين المصيرية، بها تقام الحدود، وتحفظ الأعراض، وتفتح الفتوح، ويعز الإسلام والمسلمون، وكل هذا مسطور في كتاب الله العزيز الحكيم وسنةِ رسوله  صلى الله عليه وآله وسلم وإجماعِ صحابته رضوان الله عليهم، ويكفي للمسلم أن يتدبر الأمور الثلاثة التالية ليدرك كم هو فرض الخلافة عظيم عظيم، والأمور الثلاثة هي التالية:

أولها: قوله صلوات الله وسلامه عليه في ما رواه الطبراني في المعجم الكبير عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وآله وسلم، يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مَيْتَةً جَاهِلِيَّةً»، وهذا دليل على عظم الإثم الذي يقع على المسلم القادر الذي لا يعمل لإيجاد خليفة تكون له في رقبته بيعة، أي هو دليل وجود خليفة يستحق في عنق كل مسلم بيعة بوجوده.

وثانيها: هو انشغال أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم في إقامة الخلافة وبيعة الخليفة قبل انشغالهم بدفن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم، مع أن التعجيل بدفن الميت أمر منصوص عليه في الشرع، جاء في معرفة السنن والآثار للبيهقي: (وقال الشافعي في رواية أبي سعيد: وأحب تعجيل دفن الميت إذا بان موته)، هذا بالنسبة لأي ميت فكيف إذا كان هذا الميت هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ومع ذلك قدّم الصحابة بيعة الخليفة على دفن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم، وهكذا فقد ظهر تأكيد إجماع الصحابة على إقامة خليفة من تأخيرهم دفن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم عقب وفاته وانشغالهم بنصب الخليفة.

وثالثها: أن عمر رضي الله عنه يوم وفاته قد جعل أمداً لانتخاب الخليفة من الستة المبشرين بالجنة لا يزيد عن ثلاثة أيام... ثم أوصـى أنه إذا لم يُتفق على الخليفة في ثلاثة أيـام، فليقتل المخـالـف بعد الأيـام الثلاثة، ووكّـل خمسين رجلاً من المسـلمين بتنفيذ ذلك، أي بقـتـل المخـالف، مع أنهم مبشرون بالجنة، ومِـنْ أهـل الشورى، ومِنْ كبار الصحـابة، وكان ذلك على مرأى ومسـمع من الصحابة، ولم يُـنـقَـل عـنـهـم مُخالف، أو مُنكِر لذلك، فكان إجماعاً من الصحابة على أنه لا يجـوز أن يخـلوَ المسلمون من خليفة أكثر من ثلاثة أيام بلياليها، ونحن قد مضى علينا "جمع من الثلاثات"، ولا حول ولا قوة إلا بالله... وهكذا فإن الخلافة أيها المسلمون أمر عظيم عظيم، وقضية مصيرية للمسلمين وأية قضية.

أيها المسلمون، ومع ذلك فإننا لا نيأس من رحمة الله ﴿إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ﴾، خاصة وأن الله سبحانه قد وعد الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالاستخلاف في الأرض ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾، وكذلك فإن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم قد بشر بعودة الخلافة على منهاج النبوة بعد الملك الجبري الذي نحن فيه «ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ» أخرجه أحمد عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه. ولكننا نؤكد ونكرر ما سبق أن قلناه من قبل وهو أن الله القوي العزيز ينصرنا إن نصرناه بأن نكون من العاملين الصادقين المخلصين، فإن سنة الله اقتضت أن لا يُنزلَ ملائكة تعملُ نيابة عنا وتقيمُ لنا خلافةً، ونحن قعودٌ نتكئ على الأرائك! بل ينزل الله إن شاء ملائكة تساعدنا ونحن نعمل، وهكذا وعد الله في كل نصر، سواءٌ أكان في إقامة الخلافة بإحسان العمل وإتقانه، أم كان في الفتح والنصر من الله بالقتال في سبيلهِ سبحانه.

وإننا نحمد الله أن أكرم هذه الأمة بقيام حزب التحرير ناذراً نفسه للعمل الجاد المخلص بإذن الله لاستئناف الحياة الإسلامية بإقامة الخلافة الراشدة، وهو بحق الرائدُ الذي لا يكذبُ أهلَه، وهو حزبٌ ينصع طيبُه، ويسقط منه كل من لا يطيقُ طيبَه... هكذا نحسبه ونحسب كل شبابه العاملين معه بأنهم جادون مجدون، عاملون مخلصون، يتطلعون بإذن الله إلى الآخرة فوق فوق ما يتطلعون إلى الدنيا، وهم يصلون ليلهم بنهارهم يرجون رحمة الله بأن يتحقق وعدُه سبحانه وبشرى رسوله  صلى الله عليه وآله وسلم على أيديهم، وما ذلك على الله بعزيز.

وفي الختام، فإن فرض إقامة الخلافة أيها المسلمون ليس هو على شباب الحزب فحسب، بل هو على كل قادر من المسلمين، فآزرونا أيها المسلمون، وانصرونا يا جيوش المسلمين، وأعيدوا سيرة الأنصار عندما نصروا دين الله، فجعلهم الله سبحانه صنو المهاجرين، وأثنى عليهم ورضي عنهم في محكم كتابه دون قيد ولكن قيّدَ ذلك للتابعين بإحسان ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾، وذلك لما لنصرة دين الله وإقامة الخلافة من أجر عظيم وفضل كريم، حتى إن الملائكة حملت جنازة سعد بن معاذ سيد الأنصار رضي الله عنه كما جاء في المستدرك على الصحيحين للحاكم لعظم فضل نصرة دين الله.

وخاتمة الختام فإن من ينصر العمل لإقامة الخلافة قبل أن تُقام أجره أكبر وأعظم من نصرة الخلافة بعد قيامها ﴿لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾، وإننا لنضرع إلى الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الذكرى التاسعة والتسعون مقدمةً لنصر الله العظيم قبل الذكرى المئوية لإلغاء الخلافة، ومن ثم تشرق الخلافة الراشدة على الدنيا من جديد ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

في يوم الاثنين، الثامن والعشرين من شهر رجب 1441هـ                                أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

الموافق 23/3/2020م                                                             

أمير حزب التحرير

http://www.alraiah.net/index.php/ummah-affairs/item/5058-99


بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة هامة لأمير حزب التحرير العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة
في الذكرى الـ 99 لهدم دولة الخلافة يليه حوار موسع مع ثلة من حملة الدعوة
مساء اليوم الأحد 2020/03/22 الساعة 8:30 بتوقيت المدينة المنورة 5:30 بتوقيت غرينتش.
رابط البث الحي من موقع تلفزيون الواقية:
https://www.alwaqiyah.tv/index.php/channel/...lwaqiyah-live/#
- رابط البث الحي (عربي) من اليوتيوب:
https://youtu.be/mx2StWin31g
- رابط البث الحي (إنجليزي) من اليوتيوب:
https://youtu.be/CWUhqbuqqLE

- The Live broadcast from Al-Waqiyah TV page:
https://www.alwaqiyah.tv/index.php/channel/...lwaqiyah-live/#

- The Live broadcast (in Arabic) from YouTube:
https://youtu.be/mx2StWin31g

- The Live broadcast (in English) from YouTube:
https://youtu.be/CWUhqbuqqLE

http://hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/am...site/66798.html

 

 

http://hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/ameer-hizb/ameer-cmo-site/66798.html

 
الثلاثاء, 25 شباط/فبراير 2020 22:51
انتباه، فتح في نافذة جديدة. PDFطباعةأرسل إلى صديق

 

 

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

سلسلة أجوبة العالم الجليل عطاء بن خليل أبو الرشتة أمير حزب التحرير

على أسئلة رواد صفحته على الفيسبوك "فقهي"

جواب سؤال

القواعد الشرعية بين الراجح والمرجوح

 

إلى محمد ابراهيم

 

السؤال:

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

 

أخانا الكريم وعالمنا المسدد، أرجو الإجابة على السؤال الآتي:

 

القول إن الأصل في المعاملات الحل والإباحة قول فيه نظر ونسبته إلى جماهير المذاهب الأربعة يحتاج دقة وبحث...

 

وهذا الأصل شاع القول به لدى المتأخرين ولكن كتب القدامى نسبيا لم نعثر فيها على هذا الأصل فابن نجيم الحنفي وهو من أصوليي الحنفية (ويقال إن تلك القاعدة شاع القول بها عندهم) ذكر قاعدتين فقط هما:

 

الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد التحريم،

 

والأصل في الأبضاع التحريم.

 

والسؤال إذا كانت الأبضاع احتاط فيها الشارع الكريم فجعل التحريم الأصل حفظا للنسل!! ألا يبدو ذلك مطردا في الأموال والمعاملات المالية أو أقله أن لا يقال الأصل فيها الحل... ولذا لا بد من دراسة مسائل المعاملات ضمن ضوابطها العامة لإعطاء الحكم، فالشارع كما صان النسل صان الأموال...

 

فربما أكون مخطئا وخصوصا لم أتتبع جميع ما قاله العلماء والأصوليون في تلك المسألة...

 

لأن الخطورة هي أن كل صورة من المعاملات المعاصرة نذهب فيها إلى القول بالحل عملا (بالأصل في المعاملات الحل) دون دراسة واقع المسألة وطبيعة الأدلة التي تتناولها.

 

فما صحة هذه القاعدة؟ وهل قال بها الفقهاء؟

 

المرسل ابو زكريا من لبنان

 

الجواب:

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،

 

يا أخي إن هناك قواعد عند بعض المجتهدين مرجوحة لدينا ومنها القاعدة التي ذكرت (الأصل في المعاملات الحل)، وأما المعتمد لدينا والمتبنى لقوة أدلته فهو أن (الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم) وأن (الأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي): وقد تطرقنا إلى عدد من القواعد الأخرى وبيَّنَّا أنها غير راجحة، وإليك بيان ذلك:

 

أولاً: جاء في الشخصية الإسلامية الجزء الثالث في باب (لا حكم قبل ورود الشرع):

 

[وعلى هذا لا يقال إن الأصل في الأشياء والأفعال التحريم بحجة أنه تصرف في ملك الله تعالى بغير إذنه، فيحرم قياساً على المخلوقات؛ لأن صريح الآية أن الله لا يعذب حتى يبعث الرسول، فلا يؤاخذ حتى يبين الحكم، وفوق ذلك فإن المخلوقات تتضرر، والله سبحانه وتعالى منزه عن المنفعة والضرر.

 

وكذلك لا يقال إن الأصل في الأفعال والأشياء الإباحة، بحجة أنها انتفاع خال من أمارة المفسدة ومضرة المالك، فتباح؛ لا يقال ذلك لأن مفهوم الآية أن الإنسان مقيد بما جاء به الرسول؛ لأنه يعذب على مخالفته، فصار الأصل اتباع الرسول، والتقيد بأحكام رسالته، وليس الأصل الإباحة أي عدم التقيد، ولأن عموم آيات الأحكام تدل على وجوب الرجوع إلى الشرع، ووجوب التقيد به، قال تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ وقال: ﴿فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ وقال: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾ ولأن الرسول e يقول فيما رواه الدارقطني: «كُلُّ أَمْرٍ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» فهذا يدل على أن الأصل هو اتباع الشرع والتقيد به، ولأن الانتفاع الخالي من أمارة المفسدة ومضرة المالك، ليس حجة على الإباحة...

 

وكذلك لا يقال إن الأصل في الأشياء التوقف وعدم الحكم؛ لأن التوقف يعني تعطيل العمل، أو تعطيل الحكم الشرعي، وهو لا يجوز، ولأن الثابت في القرآن والحديث، عند عدم العلم، السؤال عن الحكم، وليس التوقف وعدم الحكم، قال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ وقال e في حديث التيمم، فيما رواه أبو داود عن جابر: «أَلاَ سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالُ» فدل على أنه ليس الأصل التوقف وعدم الحكم.

 

وعليه، فإنه بعد بعثة الرسول e، صار الحكم للشرع، وأضحى لا حكم قبل ورود الشرع؛ فيتوقف الحكم على ورود الشرع، أي على وجود دليل شرعي للمسألة الواحدة؛ ولذلك لا يعطى حكم إلا عن دليل، كما لا يعطى حكم إلا بعد ورود الشرع، والأصل أن يبحث عن الحكم في الشرع، أي الأصل أن يبحث عن الدليل الشرعي للحكم من الشرع...

 

وبذلك تتأكد القاعدة الشرعية «الأصل في أفعال الإنسان التقيد بحكم الله» فلا يجوز للمسلم أن يقدم على فعل إلا بعد معرفة حكم الله في هذا الفعل من خطاب الشارع. والإباحة حكم من الأحكام الشرعية، فلا بد من دليل عليها من الشرع...

 

هذا بالنسبة للأفعال، أما بالنسبة للأشياء، وهي متعلقات الأفعال، فإن الأصل فيها الإباحة ما لم يرد دليل التحريم، فالأصل في الشيء أن يكون مباحاً، ولا يحرم إلا إذا ورد دليل شرعي على تحريمه؛ وذلك لأن النصوص الشرعية قد أباحت جميع الأشياء، وجاءت هذه النصوص عامة تشمل كل شيء، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ﴾. ومعنى تسخير الله للإنسان جميع ما في الأرض هو إباحته لكل ما في الأرض. وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالاً طَيِّباً﴾ وقال: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ وقال: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ﴾. وهكذا جميع الآيات التي جاءت في إباحة الأشياء جاءت عامة، فعمومها دل على إباحة جميع الأشياء، فتكون إباحة جميع الأشياء جاءت بخطاب الشارع العام. فدليل إباحتها النصوص الشرعية التي جاءت بإباحة كل شيء. فإذا حرم شيء فلا بد من نص مخصص لهذا العموم، يدل على استثناء هذا الشيء من عموم الإباحة؛ ومن هنا كان الأصل في الأشياء الإباحة. ولذلك نجد الشرع، حين حرم أشياء، قد نص على هذه الأشياء بعينها، استثناء من عموم النص، فقال تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ﴾ وقال e: «حُرِّمَتِ الْخَمْرَةُ لِعَيْنِهَا» ذكره المبسوط عن ابن عباس، فيكون ما نص عليه الشرع من تحريم أشياء هو مستثنى من عموم النص، فهو على خلاف الأصل...]

 

ومنه يتبين أن تلك القواعد سواء أتلك التي أشرت إليها (الأصل في المعاملات الحل) أم غيرها كما أشرنا إليها أعلاه هي قواعد مرجوحة لدينا، والرأي الصواب هو المتعلق بالأفعال والأشياء على النحو الذي ذكرناه أي (الأصل في الأفعال التقيد بالحكم الشرعي) و(الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل التحريم).

 

آمل أن يكون في هذا الكفاية والله أعلم وأحكم.

 

أخوكم عطاء بن خليل أبو الرشتة

 

29 جمادى الآخرة 1441هـ

الموافق 2020/02/23م

 

رابط الجواب من صفحة الأمير (حفظه الله) على :الفيسبوك

 

https://www.facebook.com/AmeerhtAtabinKhalil/photos/pb.122848424578904.-2207520000../1282147805315621/?type=3&theater

 

http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/ameer/jurisprudence-questions/66080.html

 

 

الصفحة 25 من 132

اليوم

الخميس, 01 أيار/مايو 2025  
4. ذوالقعدة 1446

الشعر والشعراء

يا من تعتبرون أنفسكم معتدلين..

  نقاشنا تسمونه جدالا أدلتنا تسمونها فلسفة انتقادنا تسمونه سفاهة نصحنا تسمونه حقدا فسادكم تسمونه تدرجا بنككم...

التتمة...

النَّاسُ بالنَّاسِ ما دامَ الحـياءُ بــهمْ

نفائس الثمرات النَّاسُ بالنَّاسِ ما دامَ الحـياءُ بــهمْ والسـعدُ لا شــكَّ تاراتٌ وهـبَّاتُ النَّاسُ بالنَّاسِ ما دامَ...

التتمة...

إعلام ُ عارٍ

إعلام عار ٍ يحاكي وصمة العار      عار ٍ عن الصدق في نقل ٍ وإخبارِ ماسون يدعمه مالا وتوجيها         ...

التتمة...

إقرأ المزيد: الشعر

ثروات الأمة الإسلامية

روائع الإدارة في الحضارة الإسلامية

محمد شعبان أيوب إن من أكثر ما يدلُّ على رُقِيِّ الأُمَّة وتحضُّرِهَا تلك النظم والمؤسسات التي يتعايش بنوها من خلالها، فتَحْكُمهم وتنظِّم أمورهم ومعايشهم؛...

التتمة...

قرطبة مثلا

مقطع يوضح مدى التطور الذي وصلت اليه الدولة الاسلامية، حيث يشرح الدكتور راغب السرجاني كيف كان التقدم والازدهار في  قرطبة.

التتمة...

إقرأ المزيد: ثروات الأمة الإسلامية

إضاءات

JoomlaWatch Stats 1.2.9 by Matej Koval