ماذا بعد شرخ السقف الزجاجي
الخبر:
منذ بداية الحملة الانتخابية جعلت هيلاري كلينتون، المرشحة الديمقراطية المحتملة لانتخابات الرئاسة الأمريكية، من فكرة انتخابها كأول امرأة تترأس الولايات المتحدة محورا أساسيا لحملتها. وأكدت خلال فعالية للحملة في ضواحي مدينة فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا الثلاثاء دعمها لقضايا المرأة، وهي تسعى لاستمالة أصوات النساء خصوصا من هن في سن الشباب، وهاجمت كلينتون خلال اللقاء منافسها دونالد ترامب وأشارت لتحقيره للمرأة. بينما رد الفريق الانتخابي لترامب على مساعي كلينتون لاستمالة القاعدة النسائية بنشر فضائح بيل كلينتون وقصص نزواته في إشارة لتغاضي المرشحة الرئاسية عن سلوك زوجها بشكل لا ينسجم مع تباهي هيلاري بسجل طويل في مناصرة حقوق المرأة والطفل. (سي إن إن 2016/10/4).
التعليق:
ما إن فازت كلينتون بترشيح الحزب الديمقراطي تناقلت وكالات الأنباء العالمية الخبر بعنوان شبه موحد "كلينتون تدخل التاريخ بعد شرخ السقف الزجاجي" وقد صرحت كلينتون في حينه "إذا كان هناك فتيات يتابعن ما حدث مساء اليوم، أود أن أقول لهن إنني قد أصبح أول سيدة تتولى الرئاسة لكن واحدة منهن ستكون التالية". ترشحت هيلاري كلينتون بعد 44 رجلا لرئاسة الولايات المتحدة وفازت بعدما اقتربت من هذه اللحظة التاريخية في عام 2008 وخسرت أمام أوباما وأدركت أن المجتمع الأمريكي غير مهيأ لأن تحكمه امرأة، كما أن القوى الرأسمالية الداعمة للمرشحين تمنع النساء من دخول البيت الأبيض. واعترفت كلينتون بالإخفاق حينما قالت "اقتربنا من شرخ ذلك السقف العالي الصعب إلا أننا أوجدنا الكثير من الشروخ فيه".
اعتبر البعض فوز هيلاري بترشيح الديمقراطيين نصراً للمرأة وعبرت المرشحة عن هذا في لحظة الفوز "لا يمكنني أن أصدق أننا أحدثنا شرخاً غير مسبوق في السقف الزجاجي" والسقف الزجاجي تعبير عن حواجز التمييز المصطنعة التي تمنع الأفراد المؤهلين من الوصول لمناصب عليا في المنظمات. وقد استخدم هذا المصطلح لأول مرة عام 1986 في "الوول ستريت جورنال" ثم استخدم في مقالة علمية عن الحواجز التي تمنع النساء من الوصول لمناصب عليا في الشركات الأمريكية نشرت عام 1987 (الإكونوميست 2009/5/5).
حتى لو حققت كلينتون مرادها ونجحت في توظيف كرت المرأة وحقوقها وفازت في الانتخابات الرئاسية القادمة فلن تحقق أي مكتسبات للمرأة تماما مثلما لم تحقق تاتشر وأنديرا غاندي وبنازير بوتو وحسينة واجد وغيرهن سوى مكتسبات فردية بينما تقف المرأة في نفس النقطة لم تتجاوزها، تمتهن كرامتها وتتعرض للظلم وتناضل في الألفية الثالثة للحصول على أجر مساوٍ للرجل مقابل نفس العمل. هذه الحواجز الخفية متغلغلة في المجتمع في أمريكا، تحاصر المرأة وتقف عقبة أمام تقدمها في بلد يدعي الحرية وتكافؤ الفرص والمساواة بين أفراد الشعب. وفي حالة وصول المرأة للمناصب العليا وتحقيق بعض الإنجازات في مجال العمل فالمقابل ضريبة باهظة تدفعها من الاستقرار الأسري والحياة الهانئة في كنف بيت وأسرة.
إن هذا السقف الزجاجي المزعوم لن يحدث فيه أي شروخ إلا عبر تغيير قيم المجتمع ولعل خير دليل على ذلك هو الحال المؤسف للسود في أمريكا بعد ولايتين متكررتين لأوباما ومكوث عائلة سوداء في البيت الأبيض لمدة 8 سنوات. لن يغير من حالهم رئيس أسود أو تعاقب حكام سود طالما المجتمع تسوده الرأسمالية والبقاء للأقوى. وهذا حال السقف الزجاجي في أي مجتمع رأسمالي، يقف أمام كل فقير ومستضعف ويحجبهم عن الوصول للحكم حتى يظل الأمر قاصراً على الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال.
﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾
كتبته لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
هدى محمد (أم يحيى)
http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/radio-broadcast/news-comment/39754.html
التاسع والثلاثون: كيفية مقاومة التعتيم الإعلامي (استغلال الفرص
نقصد باستغلال الفرص هو القيام بأعمال سياسية وأعمال إعلامية دعوية أو دعائية في أوقات معينة مثل المناسبات التاريخية أو وقت الثورات أو أثناء حدث اجتماعي في البلد أو أثناء تشييع جنازة أو أثناء الذهاب إلى تعزية، أو أثناء حدوث تغيير سياسي في البلد، وغيرها من الأمور.. والتي في العادة يكون الناس في حاجة لسماع رأي الأحزاب السياسية في ذلك الحدث.
فانتظار الناس لسماع رأي الجهات والأحزاب في ذلك الحدث يجعل العمل السياسي أو الإعلامي له قوة تأثير كبيرة في الرأي العام، فيجب على من أراد مقاومة التعتيم الإعلامي الذي يقبع تحته أن يبين رأيه في ذلك الحدث وأن يقوم بأعمال سياسية تبين العلاج الصحيح لحل المشاكل في ذلك البلد.
وطبعا يمكن القيام بمسيرات أو وقفات أو مؤتمرات أو حملات إعلامية أو دروس أو خطب أو أي أسلوب في استغلال الفرص التي تحدث في البلد.
ويجب الحذر هنا من مجاراة الرأي العام على خطئه وضلاله، بل يجب بيان الحكم الشرعي والحل الصحيح من وجهة نظر الإسلام في معالجة أي أمر في البلد ولو تعرضت تلك الجهة لنقمة الرأي العام، فمن أراد علاج المشاكل فيجب أن يكون العلاج مبدئيا، أي نابعا ومنبثقا من المبدأ بغض النظر عن النتائج، ولا يعني ذلك عدم تخير الأساليب الجيدة والحكيمة في إيصال الرأي الشرعي الصحيح لعلاج المشاكل.
لقراءة باقي السلسلة على الرابط التالي
http://naqed.info/forums/index.php?showtopic=4418&st=40&start=40
مع القرآن الكريم
( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199)).
يُبَيِّن الله سبحانه في هذه الآيات ما يلي:
-
(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ) وهذا سبب للحج فلا يجوز في غير أشهر الحج وهي: شوال وذو القعدة وتسعة أيام من ذي الحجة مع ليلة النحر. (قال عبد الله بن عمر وجماهير الصحابة والتابعين هي: شوال، ذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، وهو صحيح على شرطهما هكذا في المستدرك)، وعشر ذي الحجة لا يدخل فيها نهار العاشر، وهذا هو الراجح كما نبينه بإذن الله.
أما لماذا قلنا الحج لا يجوز في غير أشهر الحج فلأن ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ) أي وقت الحج أشهر معلومات كما ذهب إلى ذلك النحاة، فتمّ تخصيص هذه الأشهر من بين شهور السنة وكانت هي سببًا للحج كأوقات الصلاة أسباب للصلاة، وكدخول شهر رمضان سبب للصيام.
وقد قال ابن عباس “من السُّـنَّة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج“[1] وقول الصحابي: من السنة كذا في حكم المرفوع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا سيما قول ابن عباس وهو ترجمان القرآن.
وأما لماذا قلنا إنَّ نهاية شهور الحج هو التاسع من ذي الحجة مع ليلة النحر؛ فلأن التاسع من ذي الحجة هو يوم عرفة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “الحج عرفة من جاء قبل صلاة الفجر من ليلة جمع فقد تمّ حجه“[2]، في رواية لأبي داوود: “من أدرك عرفة قبل أن يطلع الفجر فقد أدرك الحج“[3]، ومن رواية الدارقطني: “الحج عرفة الحج عرفة“[4]. وهذا يعني أن من فاته يوم عرفة إلى طلوع فجر يوم النحر دون أن يقف على عرفة فلا حجّ له. وليلة جمع أي ليلة مزدلفة.
وحيث إن أشهر الحج هي أسباب للحج، ولأن الحج يفوت بفوات يوم عرفة إلى فجر العاشر دون وقوف على عرفة؛ فهذا يعني أن أشهر الحج تنتهي بطلوع فجر ليلة النحر.
-
(فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ )أي من ألزم نفسه بالحج فأحرم بالحج فيهن فيحرم عليه الرفث والفسوق والجدال في الحج.
و(الرفث) هو الجماع أو الكلام به أمام النساء وما هو من لوازمه والفحش في القول.
و(الفسوق) المعاصي أو السباب لقوله عليه السلام: “سباب المؤمن فسوق“[5].
و(الجدال) الخصومة والمراء مع الرفقاء وذوي العلاقة في الحج حتى تُغضبهم، وتحدث منازعة وصخب في الحديث. (والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على وجههما ليسا من الجدل).
أما لماذا قلنا إنها حرام؛ فلأنّ قوله سبحانه ( فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) نهي عن هذه الأمور، ولأن الله سبحانه يقول بعدها: ( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ) هذا المنطوق له مفهوم إشارة إلى أن الأمور السالفة في الحج ( ( فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) هي ليست من الخير، أي هي مما يغضب الله سبحانه. هذا بالإضافة إلى أن بعض هذه الأمور (كالفسوق) وصف مفهم يفيد الجزم في النهي، فهو قرينة على النهي الجازم كذلك. وبذلك يكون النهي جازمًا عن هذه الأمور وأن فعلها حرام في الحج.
وقد يقال إن هذه الأمور أو معظمها مما يحرم سواء في الحج أو في غيره، فلماذا خصت بالتحريم هنا كالفسوق مثلًا؟
والجواب على ذلك أن هذا دليل على عظم الإثم عليها وشدة جريمتها في هذا النسك (الحج) في أشهر الحج، على نحو قوله تعالى ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)الحج/آية25… و(الإلحاد بظلم) عليه عذاب أليم في الحج وغيره.
وعلى نحو قوله سبحانه: ( مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ) التوبة/آية36 والظلم حرام في الأشهر الحرم وغيرهن، وإنما هنا لبيان عظم الإثم في ذلك.
-
(وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ).
روى البخاري عن ابن عباس أن أناسًا من أهل اليمن كانوا يحجون ولا يتزودون، ويقولون نحن المتوكلون، ثم يقدمون فيسألون الناس، فنزلت الآية ( وَتَزَوَّدُوا ) فهي بمعناها الحقيقي (وهو اتّخاذ الطعام للسفر).
ولما ذكر الله سبحانه الزاد في السفر نبّه إلى ضرورة مصاحبة هذا الزاد المادي لزاد آخر هو خير الزاد، وهو هنا (زاد) بالمعنى المجازي أي خير مؤونة ودعم لكم وهو التقوى بالمعنى الشرعي أي خشية الله وطاعته.
فهو إرشاد من الله سبحانه أن يتزود الحاج بالزاد المادي حتى يستعين به في سفره ولا يسأل الناس في الحج، ويضيف إلى هذا الزاد المادي – الطعام والنفقة – زادًا خيرًا من الأول، وهو تقوى الله وطاعته وخشيته وامتثال أمره سبحانه واجتناب نواهيه.
ثم يختم الله سبحانه بخطاب عام لجميع أولي الألباب أن يتقوا الله، ووجه الله سبحانه الخطاب لأولي الألباب لأنهم هم الذين يدركون الخير من الشر، ورحمة الله من عقابه، وما ينفعهم في عيشهم وما يضرهم، وبذلك يبتعدون عن معاصي الله ويتقربون إليه سبحانه بالطاعات ويكونون بذلك من المتقين.
-
يبين الله سبحانه أن أعمال التجارة وما في حكمها كأن يؤجر دابته أو سيارته كلها مباحة للمحرم في أشهر الحج ولا تبطل حجه ما دام عقد النية وأحرم بالحج لله سبحانه وأداه بشروطه وأركانه.
ولا يُقال هذه عبادة والنية شرط في صحتها! فإذا نوى بالحج أي أحرم بالحج فلا يجوز للمحرم أن يباشر أي عمل غير الحج، كما لا يجوز لمن أحرم بالصلاة أن يباشر أي عمل غير الصلاة.
لا يقال ذلك لأنه لا قياس في العبادات، بل الأصل اتّباع النصّ الوارد في العبادة والتقيد به حيث ورد، فلا يقاس الحج على الصلاة. وكذلك فوقت الصلاة بعد الإحرام بها لا يتسع لغيرها فهو ضيق في هذه الحالة، ووقت الحج بعد الإحرام به يتسع لغير أعمال الحج كما هو واقع مدة شهور الحج والمدة اللازمة لمناسك الحج.
هذا بالإضافة إلى أن النص على إباحة التجارة في موسم الحج قد ورد في الكتاب بالآية المذكورة ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ) أي تبتغوا رزقًا من ربكم كالربح في التجارة وغيره.
وقد ورد في السنة كذلك كما أخرج أحمد عن أبي أمامة التيمي: “قال: قلت لابن عمر إنا نكري فهل لنا من حج؟ قال: ألستم تلبُّون؟ ألستم تطوفون بالبيت؟ ألستم تطوفون بين الصفا والمروة؟ ألستم… ألستم؟ قلت: بلى. قال: إن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما سألـت عنه فلم يدرِ ما يرد عليه حتى نـزلـت ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ) الآية، فدعاه فتلا عليه حين نزلت وقال: أنتم الحجاج“[6].
-
5. بعد ذلك، يبين الله في هذه الآية أن الحجيج إذا أفاضوا من عرفات إلى المزدلفة فليذكروا الله عند المشعر الحرام وليحمدوه سبحانه على هدايته لهم وتوفيقه لهم في أداء فريضة الحج وتعلمهم لأحكامها بعد أن كانوا من قبل – أي في الجاهلية – على ضلال يحجون على غير هدى ويشركون بالله (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ).
( فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ ) أي إذا دفعتم أنفسكم بكثرة من عرفات، من فاض الماء إذا سال مُنصبًا فهو من إفاضة الماء أي صبه بكثرة.
و( عَرَفَاتٍ ) هنا ليست جمع لعرفة، بل نفس المعنى للمكان المعروف في الحج، وهي اسم من لفظ الجمع فلا تجمع ولا واحد له، أي ليست هناك أجزاء في الموقف كلّ واحد منها تسمى (عرفة) ثم جمعت (عرفات) بل (عرفة) و(عرفات) بمعنى واحد علم على المكان المعروف، و(التاء) في (عرفات) ليست تاء التأنيث ولهذا صرف.
( وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ) أي إن كنتم من قبل مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم لكم بالهداية، وبيان أحكام الشرع للحج وغيره، من الضالين.
( الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ) هي مزدلفة كلها كما قال ابن عمر – رضي الله عنهما – ويطلق على مزدلفة كذلك (جَمْع).
-
وفي الآية الأخيرة يأمر الله سبحانه المسلمين، سواء كانوا من قريش أم من غير قريش، أن تكون إفاضتهم من عرفة إلى مزدلفة وليس من مزدلفة، أي أن يكون وقوفهم في عرفة وليس في مزدلفة، وفي ذلك إبطال لما اعتادته قريش في الجاهلية أن تقف في مزدلفة ولا تقف في عرفة كسائر الناس، فقد كانت قريش في الجاهلية لا تقف في عرفات حيث الحلّ بل تقف في مزدلفة لأنها من الحرم، ويقولون نحن قطّان بيت الله الحرام فلا نخرج من الحرم، وكانوا يُسمَّون (الحمس) ويقفون وقوفًا خاصًا في مزدلفة دون الناس، فقال الله في هذه الآية مخاطبًا قريشًا وكلّ المسلمين (وليكن وقوفكم في عرفة حيث يقف سائر الناس) واستغفروا الله عن أخطائكم السابقة في عدم حجكم على هدى، والله سبحانه غفور لعباده المخلصين رحيم بهم.
أخرج البخاري ومسلم عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة، وكانوا يسمون الحمس، وكانت سائر العرب يقفون بعرفات، فلما جاء الإسلام أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأتي عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها فذلك قوله سبحانه: ( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ )[7]. وعلى هذا المعنى يكون ( ثُمَّ ) عطف على ( وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ) أي أن في الآيات تقديم وتأخير من حيث المعنى فكأن ترتيب المعنى على النحو التالي: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس من عرفات وليس من مزدلفة كما كانت تصنع قريش في الجاهلية، فإذا أفضتم من عرفات ونفذتم أمر الله سبحانه فاذهبوا إلى مزدلفة واذكروا الله عند المشعر الحرام – أي مزدلفة – واحمدوا الله على هدايته لكم بعد أن كنتم قبل ذلك من الضالين غير المهتدين).
وهنا قد يقول قائل: كيف يكون المذكور بعد ( ثُمَّ ) في ترتيب الوقوع قبل المذكور قبلها في الآية السابقة؟
نحن نعلم أن ( ثُمَّ ) تفيد الترتيب في الأفعال مع التراخي بمعنى وقوع ما بعدها بعد ما قبلها على التراخي أي بعد مهلة.
ففي الآية السابقة ( فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ) أي عند مزدلفة فالحجيج يكون قد وصل مزدلفة.
وجاءت الآية الأخيرة ( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ) والذي يتبادر إلى الذهن من معنى ( ثُمَّ ) أن المعنى: وقد وصلتم إلى مزدلفة، وبعد ذكركم الله وصلاة الفجر ادفعوا إلى (منى) أي المعنى المتبادر ( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ) هو: ثم أفيضوا من مزدلفة إلى منى.
فكيف يكون معنى الآية حسب أسباب النزول: ( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ) هو ولتكن إفاضتكم من عرفة وليس من مزدلفة، مع العلم كما قلنا إن ( ثُمَّ ) تفيد وقوع ما بعدها بعد ما قبلها وليس قبله؟
والجواب على ذلك من وجهين:
أ. إن ما رواه البخاري ومسلم حول نزول الآية يرجح أن معنى ( ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ) أي أفيضوا من عرفة وليس من مزدلفة.
ب. إن ( ثُمَّ ) تعني الترتيب مع التراخي وأن ما بعدها يكون من حيث الوقوع بعد ما قبلها، ولكن هذا ليس كلّ معناها، بل إنها تستعمل في غير ذلك، فإن من استعمالاتها أن يكون ما بعدها من حيث الوقوع قبل ما يسبقها في الكلام، ولكنه قليل في لغة العرب. فالعرب يقولون: (أعجبني ما صنعت اليوم، ثم ما صنعت أمس أعجب). وهنا عطف بها (ما صنع أمس) على ما صنع اليوم أي عطف اللاحق على السابق بدون نسق التتابع بينهما، غير أن المعنى المشهور لها هو أن يقع اللاحق بعد السابق بمهلة بينهما، ولذلك فاستعمالها على نحو آخر يحتاج إلى قرينة، ويكون المقصود من هذا الاستعمال إبراز أمر مطلوب التركيز عليه لأن اختلاف النسق في الاستعمال من العربي الفصيح يكون لغرض وليس دون غرض.
وبدراسة قول العرب السابق نجد أن القرينة الدّالة على أن ما بعد ثم سابق لما قبلها هو الاستعمال الصريح لكلمة (أمس) بعد (ثم) واستعمال (اليوم) قبل (ثم).
أما الأمر المراد إبرازه في قولهم هذا فهو التقليل من قيمة ما صنعه اليوم، فظاهر الكلام مدح لما صنعه أمس وحقيقته ذمّ لقدراته، فبدل التقدم بالعمل للأمام تراجع عن ذي قبل فكان عمل اليوم أدنى من عمل أمس.
وفي الآية الكريمة فإنَّ القرينة هي سبب النزول فيما رواه البخاري ومسلم.
أما الغرض المراد إبرازه فهو إبطال ما اعتادته قريش من الوقوف في مزدلفة وعدم ذهابهم للوقوف في عرفة، فكأن الله سبحانه بعد أن ذكر في الآية السابقة إفاضتهم من عرفات إلى مزدلفة عاد فذكرهم أنّ هذه الإفاضة من عرفات إلى مزدلفة واجبة على قريش كغيرهم من الناس.
[1] الدر المنثور: 2/526، تفسير القرطبي: 2/406، تفسير الطبري: 2/257
[2] الترمذي: 814
[3] أبو داوود: 1664
[4] الدارقطني: 2/241
[5] البخاري: 46، مسلم: 97
[6] الطيالسي: ص259 رقم 1909، الدر المنثور: 2/535
[7] البخاري: 4248، مسلم: 1219، أبو داوود: 1910، الترمذي: 884
نفائس الثمرات
أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ
عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: «أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ. وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ سُرُورٌ تَدْخِلُهُ عَلَى مُؤْمِنٍ؛ تَكْشِفُ عَنْهُ كَرْبًا، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا. وَلَأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِي الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرَيْنِ فِي مَسْجِدٍ، وَمَنْ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلَأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رِضًى، وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ فِي حَاجَةٍ حَتَّى يُثْبِتَهَا لَهُ ثَبَّتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزِلُّ فِيهِ الْأَقْدَامُ، وَإِنَّ سُوءَ الْخُلقِ لَيُفْسِدُ الْعَمَلَ كَمَا يُفْسِدُ الخل العسل».
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها المسلمون: انبذوا العلمانية وأقيموا دولة الخلافة التي تطبق الإسلام
احتار الناس حول العالم بعد أن خرجوا في ثورات حاشدة انتهت النهاية نفسها؛ إذ خرج النظام الساقط من الباب ليعود من الشباك! والمتابع يتساءل لماذا لم تنجح الثورات في تحقيق التغيير المنشود والخروج من واقع الناس الفاسد؟ وطالما لم تحقق الثورة بشكلها الحالي أي تغيير ملموس فما هو إذاً التغيير الحقيقي الذي يجب أن يسعى الناس إليه ليجلب تغييراً مختلفاً تماماً وأن تنجح نجاحاً ملموساً؟ وهل فعلاً الطريق للتغيير يكون عبر الخروج إلى الشارع والثورة بشكلها الحالي؟ وماذا عليهم أن يفعلوا ليخرجوا من المأزق الجديد الذي وقعوا فيه؟ وكيف نجح قادة الحراك الذين وثق فيهم الناس بأن ينهوا الثورة بتحقيق مصالحهم هم وليس مصالح الناس وأهداف الثورة ومطالبها؟ وبعد أن سُرقت الثورات الواحدة تلو الأخرى في عدة بلاد وتم الالتفاف عليها ليرجع الظلم والطاغوت ليكمل في طريق النظام القديم نفسه ويحكم بالنظام العلماني الرأسمالي الغربي نفسه الذي ثار عليه الناس وطالبوا بإسقاطه، كما حصل في عدة بلاد ومنها السودان مؤخراً حيث استفاق الناس من غفلتهم ليكتشفوا زيف "الدولة المدنية" التي نادى بها "تجمع المهنيين" عندما استغل التظاهرات العفوية العارمة التي خرجت في كانون الأول/ديسمبر 2018 ودفع ثمنها أبناء المسلمين بدمائهم ليركب موجة قيادة الثورة التي انتهت باتفاق خياني مع المجلس العسكري الذي قتل الناس وبطش بهم أمام أعين التجمع الذي وقَع على فض اعتصام القيادة الدموي في يوم 29 من شهر رمضان المبارك والمفاوضات مع المجلس العسكري كانت مستمرة فوق جثث الشهداء، لم يبذل أي مجهود حقيقي حتى اللحظة في البحث عن المفقودين أو معاقبة جميع الجناة، ونتيجة المؤامرات الخبيثة ظهرت قوى الحرية والتغيير (قحت) وكُونت الحكومة الانتقالية بتدخل الغرب الكافر المستعمر أمريكا من خلال النظام الإثيوبي العميل (طرف المجلس العسكري) من جهة وبريطانيا (طرف قحت) من جهة أخرى. فاللاعب الأساسي هو أمريكا والمتحكم هو أمريكا والفائز هو أمريكا، ومنذ بداية الثورة في السودان كان تدخل سفير أمريكا ومبعوثيها لتوجيه خط سير الأحداث كما يحلو للدولة الرأسمالية العلمانية الكافرة التي خططت لإنهاء العلمانية الملتحية في السودان لتحل محلها العلمانية السافرة. وما هي إلا أشهر قليلة حتى ظهرت الحكومة الانتقالية على حقيقتها العلمانية البشعة وتولت (قحت) برئاسة حمدوك ووزرائه، وأغلبيتهم من النساء، تولوا بالكامل القيام بالمهام المنوطة بهم وتنفيذ الإملاءات الغربية التي لطالما شكلت ولا زالت أساسيات النظام العميل للغرب وسياساته العلمانية في الحكم والدستور والقوانين، في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، وفي الرعاية الصحية، في الجيش وسياسة الدولة الداخلية والخارجية، ومن الحوار الوطني العلماني للنظام السابق وإلى الوثيقة الدستورية العلمانية الحالية، وكانت أبعد ما تكون عن الإسلام وعن رعاية شؤون الناس وتحسين حياتهم وعن مطالب الثورة أساساً. أخطأ الثوار خطأ فادحاً إذ انساقوا خلف قادة علمانيين يفصلون الدين عن الحياة وجاؤوا لمحاربة الإسلام عندما رفعوا شعارات غربية (حرية سلام وعدالة ودولة مدنية ومصلحة وطنية) أكدت أنهم أبناء الغرب الكافر المستعمر وإن كانوا من بني جلدتنا! فالشاهد أن لدول الغرب الكافر المستعمر يداً في كل ثورة سُرقت في بلاد المسلمين. فالغرب هو المستفيد الأول من إبقاء الشعوب المسلمة تحت سيطرته ونفوذه خدمة لمصالحه في المنطقة لنهب الثروات والتحكم في الاقتصاد والتجارة والأسواق العالمية وقوت الشعوب للسيطرة عليهم من خلال القروض الربوية لصندوق النقد الدولي والبنك المركزي والدولار، فلا تمر عمليات تجارية، أو عسكرية، أو انتخابات أو ثورات، أو سن دستور، أو بنود مفاوضات، أو اتفاقيات غربية - مثال اتفاقية "سيداو" التي صادق عليها حمدوك وسائر الاتفاقيات الغربية، أو غير ذلك في بلاد المسلمين، إلا وللغرب وسياسييه وسفاراته ومنظماته وشركاته الاستثمارية يد عابثة تضع العراقيل أمام التغيير الحقيقي لتصبح الثورة مغنماً جديداً للكافر المستعمر الغربي استغلها لصالحه من خلال عبيد النظام الحاكم ليستمر مسلسل استعباد واستعمار بلاد المسلمين وليستمر تثبيت عقيدة الكفر؛ العلمانية وفصل الدين عن السياسة وعن حياة الناس حتى يظل النظام الغربي الرأسمالي هو المتحكم وهو المطبق في حرب شرسة على العقيدة الإسلامية وعلى النظام الإسلامي لتغييب الحكم بما أنزل الله. والمشكلة في الإعلام بأشكاله المختلفة الذي يروج لتدخل الغرب الكافر المستعمر في شؤون المسلمين ويلمع عملاء الغرب الكافر المستعمر في الحكم ويظهر أن جميع الثوار منبهرون بثناء الغرب (المتقدم المتطور والذي ينادي بالحريات وحقوق الإنسان وكلها دعوات مزيفة، فالرأسمالية قد أثبتت فشلها في عقر دارها وما عليك إلا أن تبحث على الإنترنت عن المصائب المتعلقة ببلاد الغرب والإنسان الغربي عامة والمرأة الغربية خاصة)، بثنائه على الثورة، وبوعيده الكاذب وتهديداته المزيفة للنظام الحاكم الظالم - الذي نصبه هو ووضعه في الحكم - والذي يعلنه عادة في بداية الثورات، بعدم التعرض للأبرياء العُزل المظلومين الذين خرجوا في تمثيلية محبوكة وُزعت فيها أدوار الممثلين بدقة، وأفخاخ تُنصب وتضليل وتوجيه للحراك في اتجاه معين يخدم مصالح الغرب، بينما أمريكا هي من تعطي الأوامر للجيش بقتل المتظاهرين وكعادتها تطلق قبل تنفيذ المجازر تحذيراتها لـ"رعاياها" وإخراجهم من المنطقة التي يُراد تدميرها! كما حصل في مصر في مجزرة ميدان رابعة وفي السودان في المجازر المتكررة في شوارع القيادة العامة بالخرطوم... فقيادة الثورة سلاح ذو حدين فالقيادي والسياسي والإعلامي العلماني لا تردعه مخافة وتقوى الله رب العالمين بل يسعى لتحقيق رغباته وأهوائه، ولتحقيق مصلحته يصبح مجرماً وسفاحاً يتسبب في قتل الأبرياء الذين جلس معهم في ميادين الثورة واستمعوا له وتعاطف مع قضاياهم وأظهر كرهه لعدوهم وأوحى لهم بأنه في صفهم لكنه في الوقت نفسه هو الذي خطط للالتفاف حول مطالب الثورة وتضليل الحشود في الشوارع ونفذ مؤامرة خطيرة خبيثة ليسحب السجاد من تحت أقدام المتظاهرين لينصب نفسه قائداً وهمياً وبطلاً مزيفاً وليستغل دماءهم وتضحياتهم بفلذات أكبادهم ليصل للحكم والسلطة وتتبدل مواقفه فوراً عندما يستلم السلطة لتصبح مطالب الثورات ودماء الشهداء بعد ذلك في مهب الريح! إذاً السؤال الأهم هنا هو: "كيف يختار الشعب من يمثله في قيادة ثورته؟ وما هي نوع القيادة الصحيحة التي تضمن للناس تحقيق مطالبهم وإيجاد التغيير الحقيقي وأن يكون تغييراً جذرياُ ملموساً ومختلفاً؟" وللإجابة على السؤال يجب على من أرادوا التغيير أن يحصلوا على أكبر قدر من العلم والوعي الفكري السياسي ليفهموا حقيقة الصراع في هذه الدنيا وأن يقرأوا الأحداث السياسية بشفافية وموضوعية وأن لا يبتعدوا عن دينهم بأن يجعلوا العقيدة الإسلامية هي مقياسهم، فالإنسان مخلوق لخالق عظيم وهو مأمور بأن يتبع منهج رب العالمين وأن يسير على درب رسول الله الصادق الأمين e، فشهادة لا إله إلا الله محمد رسول الله هي قاعدته الفكرية في هذه الحياة ومعناها أنه مأمور بأن يعيش وفقاً للأحكام الشرعية التي تنظم حياته كفرد وجزء من جماعة بل وجزء من أمة وجزء من البشرية، وأنه محكوم بالرأي العام في مجتمعه ومحكوم من قِبل الحاكم ويعيش في دولة تحكمه سلطتها وعليها أن ترعى شؤونه بالدستور والقوانين وأن تنظم علاقاته في مناحي الحياة. إذاً على الثائر - وفي بلد مثل السودان 98% من أهله مسلمون - أن يبحث عن منهج رب العالمين وعن طريقة قائدنا العظيم سيدنا محمد e للتغيير على حال الأفراد وعلى أوضاع الجماعة وعلى واقع الدولة، وهكذا يسير على الدرب باستنارة لا يخدعه علماني ولا شيوعي ولا "متأسلم"، ولا يضلله إعلام فاسد، ولا يسحب السجاد من تحته عميل للأعداء أهل الكفر! فالصراع صراع بين الحق وبين الباطل ولن يحمل الكافر أو المرتزِق أو العميل المأجور همّ الناس بل من يحمل الأمانة هو المؤمن الذي فهم دوره في هذه الحياة الدنيا والذي تشتاق روحه إلى رضا رب العالمين وجنة الفردوس ويفيض قلبه بحب سيدنا محمد e. بالتالي القيادة التي يبحث عنها حراك الشارع هي قيادة فكرية لا تقوم على المصالح المادية وحب السلطة ونهب الأموال والتضليل والخداع، والثورة هي ثورة فكرية تجمع بين العقول والقلوب والأرواح لهدف عظيم ولتغيير من نوع آخر... نظام حكم مختلف أساسه العقيدة الإسلامية يعيد الناس إلى الحكم بما أنزل الله... وفي السودان قادة الثورة لم يفوضهم الشعب الذي خرج ضد الظلم ولم يخرج ضد الإسلام.. هؤلاء العملاء دُربوا وصُقلت شخصياتهم صقلاً علمانيا رأسماليا شيطانياً ليصبحوا خط الهجوم الأول في الحرب على الإسلام إذ تحولت مطالب الثورات على أيديهم إلى دعوات لتطبيق العلمانية المنحلة. هؤلاء "الناطقون الرسميون" اختارهم النظام العميل للغرب ليتحدثوا بالنيابة عن الشارع في المنابر الإعلامية مناديب عن الأطراف الغربية، الأمريكية من جهة والأوروبية من جهة أخرى، قادة ليسوا من جنس الشعب، ينفذون أجندات علمانية منحلة، يدعون لكل ما هو حرام في شرع رب العالمين ويتسولون إملاءات أسيادهم في الغرب، فترى الحكام ووزراءهم ونظراءهم من جميع البلاد يسافرون إلى أمريكا استجداءً للقروض الربوية وللصفقات الاستثمارية الرأسمالية وطلباً للمعونات والرفع عن قائمة الإرهاب إرضاءً للكفار ولعملائهم في المنطقة متجاهلين تماماً السبب الحقيقي لخروج الناس المظلومين إلى الشوارع وكسرهم لحواجز الصمت والخوف (السودان نموذجاً)، طلباً للعيش الكريم ورفع الظلم، فلم يخرج المسلمون يوماً ضد الإسلام بل خرجوا دائماً ضد الظلم وضد حكم الطواغيت. إن الباحثين عن الحل وعن المخرج وعن التغيير يحملون الإجابة في عقولهم وقلوبهم ولكنهم ربما لا يعلمون بأنهم أقوياء بالحق وأن ذلك الحق هو بالمطالبة بتطبيق الإسلام بدون خجل أو خوف، فالسيادة للشرع وقد جعل الله تعالى يد المسلمين هي اليد العليا الضاربة، وبلادهم يجب أن تكون دولة واحدة وأن سلطان الأمة هو القول الفصل في اختيار من يحكمها، خليفة واحد يرفع أمر الخلاف ويرد كيد أعداء الإسلام فهل يدركون ذلك؟ إن المسلمين يحتاجون لقادة يحملون مشروعاً لإنجاح ثوراتهم ويحتاجون لمن ينير لهم طريق التغيير الحقيقي وأن يأخذ بيدهم ليخرجهم من ظلمات أهل الكفر والمصالح، أذناب الغرب الكافر المستعمر، إلى نور العقيدة الإسلامية وطمأنينة الحكم بما أنزل الله في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، فالمعادلة الآن هي الحق ضد الباطل والكفر ضد الإسلام، والحل ببساطة في الإسلام وفي الإيمان وفي الإخلاص لله رب العالمين وفي السير على خطا سيدنا رسول الله e في التغيير لتنجح ثورات المسلمين نجاحاً كاملاً فتجلب لهم تغييراً انقلابياً جذرياً بإقامة نظام الحكم في الإسلام؛ دولة الخلافة الراشدة وتطبيق الإسلام عملياً وأن ينبذ المسلمون كل المفاهيم التي تعمل ضد تطبيق الإسلام؛ المفاهيم العلمانية والرأسمالية والديمقراطية والليبرالية والشيوعية والجمهورية والوطنيات والقوميات... فيقطعوا دابر سيطرة المفاهيم العلمانية والثقافة الغربية النتنة التي غزت العقول وأبعدتهم عن العيش على أساس العقيدة الإسلامية والحياة الإسلامية لينتقلوا إلى حقبة زمنية أخرى، مشرقة مُشرِفة في تاريخ البشرية بدون قيود التبعية للغرب والاستعباد. فالصفات التي يجب أن يبحث عنه الناس هي صفات كصفات صحابة رسول الله e، يجب أن يبحثوا وأن يفوضوا قادة ينضمون إليهم لم تتلوث أيديهم بالمشاركة في نظام الحكم العلماني السافر ولا في الحكم العلماني بثوب إسلامي ولم يوقعوا أو يشاركوا في اتفاقيات خيانية كانت سبباً في زهق أرواح الناس أو سرقة أموالهم أو قسمت أراضيهم ومزقت وحدتهم، قادة لا يرضى عنهم الغرب الكافر المستعمر، ولم يكونوا يوماً أداة لتنفيذ مخططاته في بلاد المسلمين جميعها، ولم يمولهم وليست لهم علاقات معه إلا علاقات العداء والبغض للكفار، قادة لم يحللوا ارتكاب المحرمات، ومواقفهم مواقف مشرفة ومعروفة ضد الظلم وضد الطواغيت وتجاه قضايا أمتهم، قادة لم يسكتوا طوال فترة حكم الطواغيت وفترة الاستعمار الغربي، قادة ثابتون على مبدأ الإسلام ثبات المؤمنين الذين ذُكروا في القرآن الكريم والسنة الشريفة وضحوا بأنفسهم وأموالهم وأوقاتهم في سبيل إعلاء كلمة الإسلام وطمس كلمة الكفر بنبذ العلمانية وقادتها وأحزابها ومنظماتها... فالحل في البحث عن القائد الرائد الذي لا يكذب أهله بحمله للإسلام مبدأ بعقيدته وأنظمته ودولته وتاريخه ومستقبله؛ هذا هو التغيير الحقيقي الذي لن يخيب الآمال والذي سينهض بالأجيال.
كتبته للمكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير غادة محمد حمدي – ولاية السودان
http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/sporadic-sections/articles/political/63500.html?fbclid=IwAR1r2nJKmMGCpD0xCIpgpEHsVK7U2-rKsIkz7tQagMTLs8rVixu2FWM2bxk
المزيد من المقالات...
الصفحة 4 من 74