بيان هيئة علماء السودان حول نصرة ثوار سوريا

انتباه، فتح في نافذة جديدة. PDFطباعةأرسل إلى صديق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين المؤمنين، ولا عدوان إلا على المعتدين الطغاة الظالمين، ونصلي ونسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

فإنَّ لله في هذا الكون سنناً، لا تغييرَ فيها ولا تبديل ولا تحويل، قال العليم الخبير: {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} [فاطر/43].

ودكُّ عروش الظالمين، وزوالُ ملكهم، وإلحاقُ بأس الله بهم، لمن سنن الله تعالى في هذا الكون، وهي سنة ماضية إلى يوم القيامة، قد تتأخر ولكنها لا تتغير.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ»، قَالَ ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} متفق عليه.

وقال عليه الصلاة والسلام: «ذنبان معجَّلان لا يؤخران: البغي وقطيعة الرحم» رواه أحمد في المسند.


وفي سنن أبي داود: «ما من ذنب أجدرُ أن يعجل الله تعالى لصاحبه العقوبةَ في الدنيا مع ما يدَّخرُ له في الآخرة مثلُ البغيِ وقطيعة الرحم».

وإنَّ الواقع أكبرُ شاهد على ذلك.. أنسي الطغاة ما حلَّ بأسلافهم الذين مضوا؟ ألم ير الظالمون مصرع الطاغية القذافي –قذف الله به في غَمَرات جهنم-؟ وفي القرآن الكريم قائمةٌ قاتمة سوداء بأسماء عتاة الطغاة ختم الله ذكرهم بهذا الوعيد: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت/40].

قد يطول ليل الظالم، ولكنْ لابد أن يَذهب ضوءُ الفجر به. وإنما يؤخر الله الظالمين ابتلاءً للمؤمنين، فيرفع بذلك درجاتهم، ويكفر سيئاتهم، ويزيد في حسناتهم.

وإنَّ مما أوجبه الله على عباده نصرة المظلومين.

قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا، فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ :«تَأْخُذُ فَوْقَ يَدَيْهِ» أخرجه البخاري. وهذا مقتضى قول الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ}. وقال صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ» رواه البخاري ومسلم. وبين سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ التخاذل عن نصرة المظلومين سبب للخِذلان وحرمان التوفيق، قال نبينا صلى الله عليه وسلم: «مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ، وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ. وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ مُسْلِمًا فِي مَوْضِعٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ، وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ، إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ نُصْرَتَهُ» رواه أحمد وأبو داود. ومن خالط قلبه شك فليمعن النظر في واقعه بين يديه، كلُّ من تخاذل عن نصرة المظلومين لم يعبأ الله به في أيِّ وادٍ من أرضه كان هلاكُه.

وسيلحق المتخاذلين شؤمُ جريمتهم في برزخهم، فعند ابن حبان بإسناد صحيحٍ قولُ نبينا صلى الله عليه وسلم: «أمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة، فلم يزل يسأل ويدعو حتى صارت جلدة واحدة، فجلد جلدة واحدة، فامتلأ قبره عليه ناراً، فلما ارتفع عنه قال :علام جلدتموني؟ قالوا :إنك صليت صلاة بغير طهور، ومررت على مظلوم فلم تنصره».

إنَّ هذه النصوص وغيرَها مما هو في بابها لتوجب علينا –نحن المؤمنين- أن نقف بجانب إخواننا في سوريا، فقد لحق بهم من بطش النظام الباطني النصيري الخبيث ما الله به عليهم؛ من الفتك، والإبادة، والتقتيل، والتعذيب، والتشريد، وغير ذلك مما لا يخفى على أحد مما هو مبثوث مشاهد في مختلف الوسائل الإعلامية.

وليس غريباً أن يصدر هذا عن نظام سوريا، فما أصدق ما قاله ابن تيمية رحمه الله في النصيرية القائلين باستحلال الخمر، وتناسخ الأرواح، وقدم العالم، وإنكار البعث والنشور والجنة والنار في غير الحياة الدنيا، وبأن الصلوات الخمس هي ذكر خمسة أسماء: علي وحسن وحسين ومحسن وفاطمة، إلى غير ذلك من واوات لا يكتنفها حصر، ولا يحيط بها قلمٌ، فما ذُكر ما هو إلا قطرة من بحر كفرهم، وذرة في جبال ضلالهم. فقال رحمه الله: "هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى، بل وأكفر من كثير من المشركين، وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين؛ مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم؛ فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيع وموالاة أهل البيت وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه ولا بأمر ولا نهي ولا ثواب ولا عقاب ولا جنة ولا نار ولا بأحد من المرسلين قبل محمد صلى الله عليه وسلم ولا بملة من الملل السالفة، بل يأخذون كلام الله ورسوله المعروف عند علماء المسلمين يتأولونه على أمور يفترونها، يدعون أنها علم الباطن"ا.هـ.

وإنَّ مما يجب علينا بيانُه: أن مساندة النظام السوري، والتخاذل عن نصرة الثوار الأشراف خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين. قال تعالى عن كليمه موسى عليه السلام: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص/17]، وقال لنبينا صلى الله عليه وسلم: {فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ} [القصص/86].

إن العاقل من اتعظ بغيره، والشقي من كان للناس عبرة، وسنة الله لا تتبدل، ولا بقاء لظالم، ونصرة المظلوم أمر حتمي، أليس يقول الله لدعوة المظلوم: «لأنصرنك ولو بعد حين»؟ فالموفَّق من استعمله الله في طاعته ونصرة عباده المظلومين، والشقي من ظاهر المحادين لله ورسوله ودينه وعباده المؤمنين.

نسأل الله تعالى أن ينصر إخواننا في سوريا، وأن يرينا في بشارٍ ونظامِه بأسَه الذي لا يردُّ عن القوم الفاسقين، وأن يلحق بالطغاة البائدين من بقي من إخوانهم الباقين.

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

 

عن المشكاة الإسلامية

 





إضافة تعليق

رمز الحماية
تغيير الرمز

اليوم

الجمعة, 02 أيار/مايو 2025  
5. ذوالقعدة 1446

الشعر والشعراء

يا من تعتبرون أنفسكم معتدلين..

  نقاشنا تسمونه جدالا أدلتنا تسمونها فلسفة انتقادنا تسمونه سفاهة نصحنا تسمونه حقدا فسادكم تسمونه تدرجا بنككم...

التتمة...

النَّاسُ بالنَّاسِ ما دامَ الحـياءُ بــهمْ

نفائس الثمرات النَّاسُ بالنَّاسِ ما دامَ الحـياءُ بــهمْ والسـعدُ لا شــكَّ تاراتٌ وهـبَّاتُ النَّاسُ بالنَّاسِ ما دامَ...

التتمة...

إعلام ُ عارٍ

إعلام عار ٍ يحاكي وصمة العار      عار ٍ عن الصدق في نقل ٍ وإخبارِ ماسون يدعمه مالا وتوجيها         ...

التتمة...

إقرأ المزيد: الشعر

ثروات الأمة الإسلامية

روائع الإدارة في الحضارة الإسلامية

محمد شعبان أيوب إن من أكثر ما يدلُّ على رُقِيِّ الأُمَّة وتحضُّرِهَا تلك النظم والمؤسسات التي يتعايش بنوها من خلالها، فتَحْكُمهم وتنظِّم أمورهم ومعايشهم؛...

التتمة...

قرطبة مثلا

مقطع يوضح مدى التطور الذي وصلت اليه الدولة الاسلامية، حيث يشرح الدكتور راغب السرجاني كيف كان التقدم والازدهار في  قرطبة.

التتمة...

إقرأ المزيد: ثروات الأمة الإسلامية

إضاءات

JoomlaWatch Stats 1.2.9 by Matej Koval