الثلاثاء, 30 آب/أغسطس 2016 18:50
الإعلام والإعلاميون.. ولاء لله وبراءة من أعدائه أم أقلام مأجورة لهولاكو وأمثاله؟!
الدكتور مصعب أبو عرقوب*
عن الوعي
"بسم إله السماء الواجب حقه، الذي ملكنا أرضه، وسلطنا على خلقه... الذي يعلم به الملك المظفر الذي هو من جنس "المماليك"...صاحب مصر وأعمالها، وسائر أمرائها وجندها وكتابها وعمالها، وباديها وحاضرها، وأكابرها وأصاغرها... أنّا جند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على من حل به غيظه... فلكم بجميع الأمصار معتبر، وعن عزمنا مزدجر...فاتعظوا بغيركم، وسلّموا إلينا أمركم...قبل أن ينكشف الغطاء، ويعود عليكم الخطأ...فنحن ما نرحم من بكى، ولا نَرِقُّ لمن اشتكى...فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض من الفساد... فعليكم بالهرب، وعلينا بالطلب... فأي أرض تأويكم؟ وأي بلاد تحميكم؟ وأي ذلك ترى؟ ولنا الماء والثرى؟ فما لكم من سيوفنا خلاص، ولا من أيدينا مناص، فخيولنا سوابق، وسيوفنا صواعق، ورماحنا خوارق، وسهامنا لواحق.. وقلوبنا كالجبال، وعديدنا كالرمال! فالحصون لدينا لا تمنع، والجيوش لقتالنا لا تنفع، ودعاؤكم علينا لا يسمع! لأنكم أكلتم الحرام، وتعاظمتم عن رد السلام، وخنتم الأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان؛ فأبشروا بالمذلة والهوان (فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُون) (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) وقد ثبت أن نحن الكفرة وأنتم الفجرة... وقد سلطنا عليكم من بيده الأمور المدبَّرة، والأحكام المقدَّرة...فكثيركم عندنا قليل، وعزيزكم لدينا ذليل، وبغير المذلة ما لملوككم عنا من سبيل... فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا رد الجواب... قبل أن تضطرم الحرب نارها، وتوري شرارها... فلا تجدون منا جاهًا ولا عزًا، ولا كتابًا ولا حرزًا، إذ أزتكم رماحنا أزًّا. وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، وعلى عروشها خاوية... فقد أنصفناكم، إذ أرسلنا إليكم، ومننَّا برسلنا عليكم"
كانت تلك رسالة رهيبة أرسلها هولاكو للسلطان المظفر قطز، وقيل إنها أرسلت لأهل الشام، رسالة تبث الرعب والرهبة إن لم يكن المتلقي متصلًا بالله، لكن اللافت في الأمر صياغتها وجزالة ألفاظها وتصويرها الفني الدقيق الذي لا يمكن أن يصدر إلا عن عربي يتذوق العربية ويتنفس مفرداتها ليل نهار، ويعيش معانيها العميقة في كل حرف يطلقه... فالكاتب لا ريب عربي خائن، إعلامي متمرس في الحرب النفسية، عميل باع نفسه للآلة الإعلامية لجيش هولاكو الذي عاث فسادًا في بلاد المسلمين...
قدَّم ذلك الإعلامي وأمثاله في جيش هولاكو خدمات عظيمة للمغول الغزاة مهدت الطريق أمامهم لاحتلال بلاد المسلمين وقتلهم وحرق مدنهم وهتك أعراضهم والنيل من عواصمهم وحواضرهم بل ومن عزيمتهم أمام جيوش المغول التي رسم لها الإعلاميون العملاء من أمثال كاتب تلك الرسالة الرهيبة أساطير وأخبار وبطولات ساهمت في بث الهلع والخوف في نفوس العوام من المسلمين، وأربكت صفوفهم قبل أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، وتحرر بلاد المسلمين منهم، ويريح المسلمون العالم من شرورهم بعد معركة عين جالوت التاريخية التي وضعت حدًا لأحلامهم، وأعادت لأمة الإسلام مجدها وهيبتها المعهودة.
واليوم لا يختلف الأمر كثيرًا. فجيوش الغرب المستعمر التي تجتاح بلادنا يرافقها إعلاميون باعوا أنفسهم للشيطان، وأصبحوا أداة في يد جيوش هولاكو الجديدة، يبعثون بالرسائل الإعلامية المرعبة ليل نهار لأمة الإسلام، ولا يتورعون عن كتابة النصوص الرهيبة التي لا تقل أثرًا عن تلك الرسالة التي أرسلها هولاكو للمسلمين، لتصاغ بأشكال حَداثية ومؤثرات تقنية يكاد القلب يقف لشدة تأثيرها على المتلقي لتلك الرسائل الفظيعة اليومية.
ولا تقف الرسائل الإعلامية اليومية عند حد التهديد والوعيد والترهيب من قوة الأعداء وحشودهم، بل تتعدها إلى رسائل فكرية تحاول شق طريقها نحو عقول المسلمين مهاجمة ثقافتهم وعقيدتهم وصبرهم وأملهم في التحرر والانعتاق من كل تبعية للكافر المستعمر، هنا لا بد من الوقوف على بعض الأمثلة التي قد ترسم صورة لذلك الجهد الإعلامي الذي يقوم به «اعلاميو هولاكو وأمثاله» في العصر الحديث من خلال إرسال الرسائل الإعلامية التالية:
1-جيوش الأمة خارج المعادلة، وما تملكه الأمة في المعركة شباب أغرار بسيارات دفع رباعي:
يتم تصوير الأحلاف العسكرية التي تعقد ضد الأمة الإسلامية، وكأن العالم قد اجتمع على حرب المسلمين، وأن الأمة الإسلامية لا حول ولا قوة لها، وأن الذي يقف أمام تلك الجيوش والطائرات هم شباب لا خبرة لهم ولا طاقة لهم بحاملات الطائرات والطائرات والصواريخ الموجهة والأقمار الصناعية وغيرها من وسائل الحرب... ويستثنى من هذا الخطاب البعد العَقَدي للأمة، كما يستثنى الحديث عن جيوش الأمة الإسلامية وإمكاناتها، وتضع تلك الجيوش دومًا في خانة الحكام، بل في خانة الأحلاف الصليبية المعلنة ضد الأمة الإسلامية، ويتعامل مع ذلك على أنه حقيقة لا جدال فيها، وأن جيوش الأمة قد حسم الأمر فيها لتكون خانعة مطيعة للقادة العملاء، وقد أحدث ذلك التعاطي مع جيوش الأمة واستثنائها عند الحديث عن الوقوف أمام الهجمة على الأمة الإسلامية إلى ترسيخ فكرة أن جيوش الأمة ليست منها، عند بعض العوام وأصحاب الفكر السطحي الذين لم يقرؤوا التاريخ ولم يعرفوا حقيقة معدن هذه الأمة التي قد تضعف ولكنها لا تموت... لم يعرفوا أن جيوشها ستنعتق لا محالة، وستلتحق بركب الأمة، وتنشق عن حكامها الخونة، وتنحاز لأمتها لتعيد الخلافة التي بشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
2-الأمة الإسلامية مهزومة ولا تقوى على الرد:
تبث يوميًا مئات الصور والتقارير الإخبارية والمقالات التي تصور القتل والقصف والتدمير الذي لحق بحواضر المسلمين مما يخلق تصورًا أن هذه الأمة قد انتهت، ولا أمل في المقامة... فقد انتهى كل شيء، وسقطت بغداد والشام واليمن مصر وليبيا وغيرها من بلاد المسلمين في دائرة من الدمار مغلقة لا فكاك منها، في معاندة واضحة للحقائق التاريخية التي لا تقيم وزنًا لدمار الأبنية وزوال المدن، والتي تقوم على معادلة أنه مادامت عقيدة الأمة وفكرها العريق وإسلامها الثوري متجذرًا فيها فإنها لا شك ناهضة، ولا مجال إلا أن تنتصر بإسلامها على كل فكر رأسمالي مهزوم لا يقوى على أن يحشد البشر إلا بالقوة والمال في مواجهة إسلام يقدم فيه المسلم حياته رخيصة في سبيل الله... فالأمة الإسلامية أمة حية ستستعيد سلطانها في القريب العاجل بعون الله، وما تكالب الأوباش وشذاذ الآفاق عليها إلا لشعورهم بقرب عودة الأمة الإسلامية إلى الساحة الدولية كأمة عملاقة لا يمكن لأحد الوقوف أمامها كما كان ذلك تاريخيًا.
3-شباب الأمة يفرون من المواجهة ويهاجرون بحثًا عن الحياة وبلادهم تطردهم والغرب يستقبلهم
لا تكاد تخلو نشرة إخبارية أو صحيفة من مقال أو خبر أو صورة عن مئات المهاجرين الذين يعبرون الحدود هربًا من بطش الحكام ومن آلة الحرب المجرمة التي يدعمها ويقودها في بلادنا، وتصور الجموع على أنها تسعى وراء حياة رخيصة، هاربة من كل مسؤولية؛ لترسل رسالة للأمة الإسلامية أن الغرب ملاذ آمن، وأن بلاد المسلمين تطرد أبناءها، وهم بدورهم يفرون من المسؤولية... وهي بتلك الرسالة الإعلامية تريد أن تدخل الإحباط إلى نفوس الشباب وهم يرون أفواج المهاجرين يلقون بأنفسهم للموت من أجل العيش في أوروبا؛ تاركين وراءهم بلادهم وأهلهم مع أن الأمر لا يعدو كونه ظاهرة تصاحب الحروب والقتل والتدمير الذي تعيشه الأمم... فالأوروبيون هاجروا في الحروب وغصت شوارعهم ومدنهم بالهاربين من الحروب العالمية، ولم تصور آنذاك أمواج اللاجئين على أنها هجرة أمة من بلادها، أو تفوق حضارة على أخرى، أو هزيمة فكرية، أو هروب من المسؤولية ... كما يصوره الإعلام عندما تكون الهجرة متعلقة بأفراد من المسلمين.
4-التشرد واللجوء والاعتقال والقتل والقصف والتدمير مصير كل من يقف أمام الأنظمة العميلة للغرب محاولًا التغيير.
تنقل معاناة اللاجئين في المخيمات بصورة مقصودة يسلط فيها الضوء على المعاناة الإنسانية التي يعيشها أهلنا في المخيمات لترسل رسالة تهديد لكل التواقين للانعتاق من العبودية للغرب الكافر ونواطيره من الحكام الخونة بأن ذلك مصيركم المحتوم إن فكرتم في الخروج والثورة ضد الحكام النواطير، وتسرَّب التسجيلات التي تظهر التعذيب والقتل الوحشي على أيدي المليشيات الطائفية لتساهم في إرسال تلك الرسائل الهولاكية لأبناء الأمة الإسلامية من الإعلاميين الذين باعوا أنفسهم لجيوش هولاكو الجديدة، على أن تلك الرسالة الإعلامية يجب أن تحفز الأمة الإسلامية للخروج والثورة والتخلص من النواطير العملاء للغرب الذين قتلوا الأمة وشردوها للحفاظ على نفوذ الغرب في بلادنا.
5-لا مكان لأمة مستقلة بقرارها، فالقرار للولايات المتحدة وأوروبا التي لا قبل للمسلمين بها:
تركز نشرات الأخبار والأقلام المأجورة والمحللين من الإعلاميين الخونة التابعين لجيوش هولاكو الجديدة على رسم صورة مفادها إن العالم يقسم بلا أي مقاومة أو أمل في التغيير بين الكبار، وتسرب خرائط جديدة للعالم الإسلامي بشكل دوري لترسل رسالة للأمة الإسلامية مفادها أن الحدود ترسم والدول تقام والأنظمة تغيَّر فقط باتفاق الغرب، ولا شان للأمة الإسلامية بذلك. فهي أمة مهزومة لا قبل لها بجيوش هولاكو الجديدة. رسالة يرسلها إعلاميون باعوا أنفسهم للغرب المستعمر، وباتوا كتبة لرسائل الرعب الهولاكية التي لن ترعب أمة تؤمن أنها خير أمة أخرجت للناس، تنتصر دومًا إن هي توجهت لله وجعلت ارتباطها به وحده سبحانه، وقاتلت لتكون كلمة الله هي العليا، تحت راية العقاب التي ترفعها دولة الخلافة التي يجب أن تسعى الأمة لإقامتها في القريب العاجل بعون الله.
6-الوحدة بين المسلمين غير ممكنة بل مستحيلة والأصل التشتت والتنازع
يركز الإعلام المصاحب لجيوش الغرب المستعمر على بث أخبار الفرقة والتشتت بين أبناء الأمة الإسلامية، ويسلط الضوء على أخبار فتح وحماس كنموذج للخلاف والفرقة، وكأن اختلاف الفصيلين المذكورين على مشاريع سياسية وعلى اقتسام الكراسي والسلطة الوهمية يشكل انقسامًا لأهل فلسطين!!، وينتقل الأمر إلى التركيز على انقسام الأمة في مصر وغيرها من بلاد المسلمين لترسل رسالة إعلامية تقرر استحالة وحدة الأمة الإسلامية، تلك الأمة التي توجب العقيدة والأحكام الشرعية وحدتها في ظل دولة الخلافة التي جسدت وحدتها عبر قرون لا يمكن لعاقل إنكارها.
7-النخب غير ناضجة للحكم ولا يوجد مشروع للنهضة:
تصاغ البرامج الحوارية وتدار ليخرج المشاهد بانطباع أن النخب المتناحرة غير ناضجة لقيادة الأمة، وأن الأحزاب والحركات والمعارضة لا تملك مشروعًا نهضويًا واضحًا يخرج الأمة من حالة التخلف والعبودية للغرب التي تعيشها، ويقوم القائمون على تلك البرامج باستبعاد العاملين الحقيقيين لنهضة الأمة والتعتيم عليهم وعلى نشاطاتهم، ويستثنى الحديث عن مشروع الخلافة كمشروع الأمة النهضوي الحقيقي من الحديث حتى ترسل رسالة محبطة للأمة تنفي وجود أي مشروع نهضوي حقيقي ناضج لإخراجها من حالة التخلف والتبعية التي تكابدها.
8-الغوغائية طبيعة الأمة، وأنه لا يمكنها أن تتقدم أو تقدم جديدًا للبشرية:
يساهم في إرسال تلك الرسالة للأمة الإسلامية كل الإعلاميين الذين يمجدون الغرب وتقدمه العمراني والعلمي، ويجلدون أمتهم واصفين إياها بالتخلف والتبعية وعدم مقدرتها على مواكبة العصر؛ لينشروا بذلك الإحباط، ويرسلوا رسالة بأن طبيعة الأمة الإسلامية أنها كسولة فوضوية لا تتقدم ولا تعنى نفسها بالعلوم، متناسين أن سبب تخلف الأمة هو الغرب المستعمر، وغياب دولة الخلافة التي يحاول الغرب منع إقامتها، ولا يذكر أولئك الخونة من الإعلاميين أمجاد الأمة الإسلامية العلمية والعمرانية أيام كانت للمسلمين دولة ترعاهم.
9-التخلف والفقر والجهل أمور واقعية لا يمكن التخلص منها:
ترسل وسائل الإعلام عبر أسطول من الإعلاميين رسائل يومية تظهر الفقر والجهل كمتلازمات لحياة الأمة الإسلامية لا فكاك منها رغم كل المحاولات، ويأتي ذلك عبر الحديث عن رؤى ومشاريع للخلاص من الفقر والجهل والتخلف؛ فيتوصل المتلقي لها إلى حقيقة أنها حلول جزئية لن تغير من الواقع شيئًا... ويستثنى دومًا الحديث عن الحلول الجذرية المتمثلة بإزالة الأنظمة الوضعية التي تقف وراء التخلف والفقر والجهل، وإقامة نظام الخلافة الذي يطبق الشرع الذي يضمن الخروج من حالة الفقر والتخلف والجهل الذي تعيشه الأمة الإسلامية.
10-الإسلام آراء عقلية، والتشريعات أفهام بشرية مختلف عليها:
تجتهد منظومة علماء السلاطين مع إعلاميي جيوش هولاكو الجديدة في تنفيذ هذه المهمة في محاولة لتقويض بنيان الأمة الفكري من خلال زعزعة الأفهام والتشكيك في كل الأحكام الشرعية التي تضمن وحدة الإسلامية واستعادة سلطانها والوقوف أمام هذا الغزو لبلادها، فتتناول الأحكام الشرعية المجملة والمفصلة بطريقة ترسل من خلالها رسالة واحدة للتشكيك في المسلمات والبديهيات، والحث على التجرؤ والتطاول على الأحكام الشرعية حتى لا يبقى عند المسلمين أي ثابت، وقد نسي هؤلاء الأقزام المرتزقة أن الله قد تكفَّل بهذا الدين، وأن الأمة الإسلامية ترفض بفطرتها السليمة كل متطاول أفاك لا يقيم وزنًا للأحكام الشرعية أو يتطاول عليها. قال تعالى: ""إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ""
11-الإسلام لا يصلح للعالم الجديد:
يتشارك الغرب مع أذنابهم من الإعلاميين في بلادنا على الهجوم على أفكار الإسلام بشكل عام، وعلى الأحكام المتعلقة بالمرأة والجهاد والحكم والاقتصاد، وترسل الرسائل الإعلامية شبه اليومية التي تصور المرأة باللباس الفاضح على أنه الأمر الطبيعي، وأنه لا يمكن للمرأة العصرية أن تلبس اللباس الشرعي في أعمالها، كما لا يمكن للحياة أن تستقيم بدون بنوك أو قروض ربوية، ولا يستطيع رجل واحد كالخليفة أن يدير دولة مترامية الأطراف فيها أقليات وطوائف، وقوانينها يجب أن يضعها الشعب في البرلمانات... كل تلك رسائل يومية تحارب الإسلام كنظام حياة انبثقت عنه تشريعات ربانية تعالج كل النواحي الاجتماعية والاقتصادية وأنظمة الحكم وكل نواحي الحياة في نسق يحقق سعادة البشرية كما عاشها المسلمون يوم كانت لهم دولة.
12-الخلافة مشروع ظلامي ليس فيه إلا القتل والعنف:
خرجت كلمة الخلافة من سياسة التعتيم الإعلامي عليها وعدم ذكرها في حقبة ماضية إلى تشويه كل ما يتصل بها، فألصقت تهمة الإرهاب بكل من ينادي بالخلافة، ووسمت كل أعمال القتل وتجاوزات بعض التنظيمات بالخلافة وبمشروع الأمة النهضوي حتى أصبحت الخلافة مرادفة للقتل والإرهاب والترويع والسحل والإغراق وقطع الرؤوس والتخلف والشبق الجنسي وكل ما يمكن أن يكون سيئًا تعافه النفوس؛ وذلك في محاولة يائسة لإبعاد الأمة عن مشروعها الحضاري. فالخلافة لها واقع مشرق وتاريخ متأصل في نفوس المسلمين لن يستطيع إعلاميو هولاكو الجدد أن يغيروه لدى أمة الإسلام التي لا زالت تذكر الخلفاء الراشدين، وتذكر ملاحم الخلافة وفتوحات المسلمين وانتصاراتهم المرتبطة بالخلافة والخلفاء، كما لم ولن تنسى رعاية سادتنا أبو بكر وحزمه، وعدل عمر وتقواه، وورع عثمان وعلي، وغيرهم من خلفاء المسلمين.
13-الدولة المدنية الديمقراطية هي الحل لما تعانيه الأمة الإسلامية:
لا ينفك الإعلاميون الخونة من التدليل على أن الديمقراطية الغربية هي الحل الأمثل والبلسم الشافي لعلاج مشاكل الأمة، ويتناولون ذلك كحقيقة لا جدال فيها، وكمطلب لجماهير الأمة في محاولة تضليلية لم تعد تنطلي على أبناء الأمة الإسلامية الذين يعيشون ظلم تلك الدولة المدنية الديمقراطية التي يراد إعادة استنساخها من جديد لتحكم بأشخاص جدد بعد انفضاح الحكام أمام شعوبهم ، فالأمة أدركت بعد أنصاف الثروات في مصر وتونس وليبيا أن الأنظمة عادت بوجوه جديدة، وأن الحل يكمن في خلع الأنظمة الديمقراطية والدولة المدنية وإقامة نظام الخلافة الذي يقتلع نفوذ الغرب المستعمر من بلادنا.
14-لا يمكن لدولة أن تعيش إلا من خلال ارتباطها بالمعاهدات الدولية أي الاستعمار وأذنابه
يردد الإعلاميون الخونة بانتظام معزوفة المعاهدات الدولية والالتزام بالأعراف والقوانين الدولية، ويعرضونها على كل شخصية أو حركة سياسية كورقة عبور لعالم السياسة؛ ليرسلوا بذلك رسالة بأن التبعية للغرب المستعمر والانحناء لأدواته الاستعمارية المتمثلة بالقوانين والهيئات الدولية التي تضمن تبعية الأمة للغرب أمر لا يمكن مقاومته، وأن الحديث عن الخروج من المنظومة الدولية جنون لا يمكن تصديقه. فالإسلام جاء ليخرج الناس من العبودية للمستعمرين الرأسماليين، ومن العبودية لأدواتهم الاستعمارية الدولية المتمثلة بالهيئات الدولية كمجلس الأمن والبنك الدولي ومعاهدات التجارة الدولية وغيرها من الوسائل والأسايب الاستعمارية التي رسخت استعباد الشعوب ونهب ثرواتهم من قبل الرأسماليين الجشعين.
15-كيان يهود أمر واقع يجب التعايش معه، والصراع معه قانوني ضمن أدوات المجتمع الدولي:
يرسل الإعلاميون الخونة تلك الرسالة الخطيرة من خلال تعاملهم مع كيان يهود ككيان يجب التعامل معه والاعتراف بوجوده الواقعي، وجل ما يمكن تداوله هو جعل الصراع صراعًا قانونيًا، يحلُّ ضمن أدوات النظام الدولي الذي يتحكم فيه الغرب المستعمر. فمجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية ومنظمات حقوق الإنسان وغيرها من الهيئات الدولية هي الجهات التي يجب أن تناقش قضية الأرض المباركة، ولا وجود للتناول الإعلامي للحل الشرعي الذي يوجب تحريك الجيوش لتحرير الأرض المباركة واقتلاع كيان يهود مرة واحدة وإلى الأبد، وهذا يبدو في تناقض صارخ مع وقوفهم اليومي مع تحرك جيوش الأمة في حروب تخدم أعداء الأمة الإسلامية في اليمن، أو تشارك في الحلف الصليبي الذي يقصف المسلمين في العراق والشام.
هذه بعض الأمثلة على الرسائل الإعلامية شبه اليومية التي يقوم بإرسالها إعلاميون انحازوا لجيوش الغرب المستعمر ولحملته الصليبية على الأمة الإسلامية، وهم بذلك لا يختلفون عن أولئك الذين كتبوا لهولاكو رسائله التاريخية لأمة الإسلام؛ وبذلك يعتبرون في الصفوف الأولى لجيوش الغرب المستعمر، وولاؤهم هو لقتلة المسلمين الذين دمروا حواضر الأمة وانتهكوا أعراضها... فلينظر كل إعلامي أين يقف ومن يوالي؛ حتى لا يجد نفسه يوالي أعداء الأمة الإسلامية، ويقاتل في الصفوف الأولى لجيوش الغرب المستعمر، ويرسل رسائل هولاكية لأمته... وليراجع كل إعلامي نفسه قبل أن يجد نفسه منخرطًا في إرسال رسائل هولاكية لأمته تضعه في صف أعداء الأمة الإسلامية، فولاء الإعلامي المسلم يجب أن يكون لله ولأمته الإسلامية التي يجب أن يكون ناصحًا أمينًا لها، وحارسًا مخلصًا للإسلام، وعاملًا لنهضة أمته وإقامة الخلافة التي تضمن عودة الأمة لتكون خير أمة أخرجت للناس.
وليقف كل سياسي وداعية حريص على أمته يسعى لنهضتها وإقامة الخلافة الراشدة على كل رسالة إعلامية يبثها الإعلام المأجور يفندها ويشرحها ويرد عليها ويبين للأمة زيفها وكذبها، ولا يتوانَ عن ذلك... فليكتب إن استطاع مقالة يرد فيها، وليقف خطيبًا أو مدرسًا أو مناظرًا أو مناقشًا لكل رسالة إعلامية عميلة تريد هزيمة الأمة الإسلامية والسيطرة عليها، بل وليعلِّم أبناءه ومن يعول كيفية الرد على الإعلام المعادي للأمة الإسلامية، وعلى الرسائل التي ترسلها جيوش الغرب المستعمر عبر الإعلاميين الخونة، فالحرب سجال ولا مجال للتراخي أمام أي رسالة إعلامية توجه لصدر الأمة الإسلامية، فكل منا على ثغر من ثغور الإسلام يا أخي... فلا يؤتين من قبلك!.
وأخيراً... لم تفلح رسائل هولاكو في هزيمة الأمة الإسلامية، فكان رد أهل الشام على تلك الرسالة: «قل: الله على كل شيء قدير، والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأمي، على كتاب ورد فجرًا عن الحضرة الخاقانية، والسدة السلطانية نصر الله أسدها، وجعل الصحيح مقبولًا عندها، وبان أنكم مخلوقون من سخطه، مسلطون على من حلّ عليه غضبه، ولا ترِقُّون لشاكٍ، ولا ترحمون عبرة باكٍ، وقد نزع الله الرحمة من قلوبكم، وذلك من أكبر عيوبكم، فهذه صفات الشياطين، لا صفات السلاطين، كفى بهذه الشهادة لكم واعظًا، وبما وصفتم به أنفسكم ناهيًا وآمرًا، قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون، ففي كل كتاب لُعنتم، وبكل قبيح وُصفتم، وعلى لسان كل رسول ذُكرتم، وعندنا خبركم من حيث خلقتم، وأنتم الكفرة كما زعمتم. ألا لعنة الله على الكافرين، وقلتم إننا أظهرنا الفساد؛ ولا عَز من أنصار فرعون من تمسك بالفروع ولا يبالي بالأصول، ونحن المؤمنون حقًا لا يداخلنا عيب، ولا يصدنا غيب، القرآن علينا نزل، وهو رحيم بنا لم يزل، تحققنا تنزيله وعرفنا تأويله، إنما النار لكم خلقت، ولجلودكم أضرمت، إذا السماء انفطرت. ومن أعجب العجب تهديد الليوث بالرتوت، والسباع بالضباع، والكماة بالكراع، خيولنا برقية، وسهامنا يمانية، وسيوفنا مضرية، وأكتافها شديدة المضارب، ووصفها في المشارق والمغارب، فرساننا ليوث إذا ركبت، وأفراسنا لواحق إذا طلبت، سيوفنا قواطع إذا ضربت، وليوثنا سواحق إذا نزلت، جلودنا دروعنا وجواشننا صدورنا، لا يصدع قلوبنا شديد، وجمعنا لا يراع بتهديد، بقوة العزيز الحميد، اللطيف لا يهولنا تخويف، ولا يزعجنا ترجيف، إن عصيناكم فتلك طاعة، وإن قتلناكم فنعم البضاعة، وان قُتلنا فبيننا وبين الجنة ساعة. قلتم قلوبنا كالجبال، وعدونا كالرمال؛ فالقضاء لا يهوله كثرة الغنم، وكثرة الحطب يكفيه قليل الضرم، أفيكون من الموت فرارنا وعلى الذل قرارنا؟ ألا ساء ما يحكمون، الفرار من الدنايا لا من المنايا، فهجوم المنية عندنا غاية الأمنية، إن عشنا فسعيدًا، وإن متنا فشهيدًا، ألا إن حزب الله هم الغالبون، أبعد أمير المِؤمنين وخليفة رسول رب العالمين تطلبون منا الطاعة؟ لا سمعا لكم ولا طاعة، تطلبون أنا نسلم إليكم أمرنا، قبل أن ينكشف الغطاء ويدخل علينا منكم الخطاء. هذا كلام في نظمه تركيك وفي سلكه تسليك، ولو كشف الغطاء ونزل القضاء، لبان من أخطأ، أكفر بعد الإيمان ونقض بعد التبيان؟ قولوا لكاتبكم الذي رصف مقالته، وفخّم رسالته، ما قصرت بما قصدت، وأوجزت وبالغت، والله ما كان عندنا كتابك إلا كصرير باب، أو طنين ذباب، قد عرفنا إظهار بلاغتك، وإعلان فصاحتك، وما أنت إلا كما قال القائل: حفظت شيئا وغابت عنك أشياء. كتبتَ: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ)، لك هذا الخطاب، وسيأتيك الملك الناصر وبكتمر وعلاء الدين القيمري وساير أمراء الشام، ينفرون الإيصال إلى جهنم وبئس المهاد، وضرب اللمم بالصماصم الحداد، وقل لهم: إذا كان لكم سماحة، ولديكم هذه الفصاحة؛ فما الحاجة إلى قراءة آيات وتلفيق حكايات، وتصنيف مكاتبات، وها نحن أولاء في أواخر صفر موعدنا الرَسْتَن وألا تعدنا مكان السلم، وقد قلنا ما حضر والسلام». انتهى الرد
كما لم تفلح رسل هولاكو ورسائله الإعلامية التهديدية للسلطان قطز في تخويف المسلمين، فقام السلطان قطز بقطع أعناق الرسل الذين أرسلهم إليه هولاكو بالرسالة التهديدية، وعلَّق رؤوسهم في الريدانية في القاهرة، وأبقى على أحدهم ليحمل الأجساد لهولاكو. وأَرسل الرسل في الديار المصرية تُنادي بالجهاد في سبيل الله ووجوبه وفضائله، وكان العز بن عبد السلام يُنادي في الناس بنفسه؛ فهبَّ نفرٌ كثير ليكونوا قلب وميسرة جيش المسلمين. أمَّا القوَّات النظامية من المماليك فكوَّنت الميمنة.
والتقى الفريقان في المكان المعروف باسم عين جالوت في فلسطين في 25 من رمضان 658هـ؛ لتسطر الأمة الإسلامية أروع الملاحم، وتخلص البشرية من شرور هولاكو... وانتصر المسلمون في عين جالوت، ولاحق قطز فلولهم، وطَهَّر المسلمون بلاد الشام بكاملها في غضون بضعة أسابيع، وعادت من جديد أرض الشام إلى ملك الإسلام والمسلمين، وفُتحت دمشق، وأعلن قطز توحيد مصر والشام من جديد.
لم تجدِ رسائل هولاكو الإعلامية، وإن سطرها إعلامي بارع خائن لأمته، ولم تمنع رسائله الأمة الإسلامية من تسطير عين جالوت وسحق جيوش هولاكو للأبد، كما لن تفلح رسائل الإعلاميين الخونة لأمتهم المقاتلين في الصفوف الأولى لجيوش الغرب المستعمر في منع الأمة الإسلامية من استعادة سلطانها المسلوب، وإقامة خلافة على منهاج النبوة تسطر ملحمة جديدة كعين جالوت، يُطرد فيها الغرب من بلادنا، ويُجتث منها نفوذه للأبد، وتُحرر بلاد المسلمين، وتعود الأرض المباركة درة تاج البلاد الإسلامية، وعسى أن يكون عقر دار الإسلام فيها.
*عضو المكتب الإعلامي لحزب التحرير – فلسطين
http://pal-tahrir.info/article/8919-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%88%D9%84%D8%A7%D8%A1-%D9%84%D9%84%D9%87-%D9%88%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%85%D9%86-%D8%A3%D8%B9%D8%AF%D8%A7%D8%A6%D9%87-%D8%A3%D9%85-%D8%A3%D9%82%D9%84%D8%A7%D9%85-%D9%85%D8%A3%D8%AC%D9%88%D8%B1%D8%A9-%D9%84%D9%87%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%83%D9%88-%D9%88%D8%A3%D9%85%D8%AB%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%9F.html
شارك بالتعليق على الموضوع
السبت, 20 آب/أغسطس 2016 22:11
مقابلة صحفية مع محمود كار حول تقييم محاولة انقلاب 15 تموز/يوليو
مقابلة صحفية
مع محمود كار حول تقييم محاولة انقلاب 15 تموز/يوليو
تم تقليل : 75% من الحجم الأصلي للصورة[ 909 x 476 ] - إضغط هنا لعرض الصورة بحجمها الأصلي
تقدم إصلاح خبر آراء المسلمين من مختلف المناطق حول محاولة الانقلاب التي حدثت في 15 تموز/يوليو. ومن هذا المنطلق قمنا بأول مقابلة مع محمود كار رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في تركيا
2
إصلاح خبر – مركز الأخبار
نقدم لكم مقابلة مع محمود كار رئيس المكتب الإعلامي لحزب التحرير في ولاية تركيا وفيها سيقدم تقييمًا لمحاولة انقلاب 15 تموز/يوليو والذين يقفون وراءها ومجرى الأحداث ونتائجها.
إصلاح خبر: لقد قيل إن تركيا قد تغلبت على عصر الانقلابات. لكن في 15 تموز/يوليو وقعت محاولة انقلاب وقد كانت المحاولة الأكثر دموية مقارنة مع المحاولات السابقة. كيف يمكن تفسير هذا التقليد العسكري في تركيا؟
محمود كار: البلدان التي واقعها مثل تركيا، تشكل ساحة تخوض فيها القوى الاستعمارية المعارك لبسط هيمنتها، ومحاولات الانقلاب هي للأسف دائمًا من المحتمل جدًا أن تحدث. فبإلقاء نظرة على منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ودول أمريكا الجنوبية... ففي القرن العشرين يمكن لأي شخص تقريبًا أن ينهض في الصباح ليصل إلى السلطة من خلال انقلاب. وإذا سألت عمن يقف وراء هذه الانقلابات، فيمكننا القول، بالطبع القوى الاستعمارية. فالدول الاستعمارية، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، كانت دائمًا تخوض معارك لتحقيق مصالحها في هذه البلدان من أجل بسط هيمنتها على الأنظمة السياسية القائمة فيها. ولذلك؛ فإن الانقلاب يقع عندما تتحرك دولة استعمارية من خلال القوة العسكرية ضد دولة استعمارية تتحكم بالسلطة السياسية في ذلك البلد. والشيء نفسه قد حدث في تركيا؛ فنحن نشهد تأثيرًا مستمرًا، وهو يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تخوضان صراع هيمنة منذ نصف قرن. وقد أصبحت تركيا مع الأسف ساحة لهذه القوى الاستعمارية. ولا يهم ما يقال عن أن عصر الانقلابات قد انتهى؛ فالدول الاستعمارية ستستمر بالتفكير في محاولات انقلاب في المستقبل أيضًا. وسيستمر هذا الحال حتى نقوم بقطع العلاقات مع الدول الاستعمارية، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، ونقضي على نفوذهم وأتباعهم في الداخل.
أما فيما يتعلق بمسألة الانقلابات في تركيا، نقول: لقد كان أكبر انقلاب حصل في هذه البلاد هو إلغاء الخلافة في 3 آذار/مارس 1924. نعم؛ ولم يكن هذا الانقلاب أكبر انقلاب في تركيا فحسب، بل في العالم الإسلامي بأسره. وقد كانت بريطانيا هي التي تقف وراء ذلك الانقلاب، وهي التي قامت بهدم الخلافة بعد مؤتمر لوزان. تمامًا مثلما فعلت شرذمة من المجلس العسكري الكمالي العلماني في 15 تموز/يوليو، حيث قامت عصابة صغيرة خلسةً بانقلاب بواسطة السلاح والضغط وخداع الأمة وهدمت الخلافة. والإصلاحات التي أدخلها الجمهوريون لم تطبق بموافقة من المسلمين، ولكن بواسطة القوة. ومنذ ذلك اليوم وحتى الآن، يمكن القول إن الذين يقفون وراء الانقلابات هم القوى الاستعمارية.
إصلاح خبر: يقول معظم الناس بشكل عام إن محاولة الانقلاب في 15 تموز/يوليو تدعمه أمريكا، بينما يقول حزب التحرير إن الكماليين العلمانيين الموالين لبريطانيا هم من يقف وراء الانقلاب. فما الذي تستند إليه في قولك هذا؟
محمود كار: انظر؛ دعني أضرب لك مثلًا من التاريخ الحديث للإجابة على هذا السؤال. عندما أُسقطت الطائرة الحربية الروسية في 24 تشرين الثاني/نوفمبر عام 2015؛ قال الجميع إن هذا الحادث جرى من خلال تسلسل الأوامر. وعلاوة على ذلك، صرح رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو في بيان رسمي، بقوله: "أنا أعطيت الأمر". وقد قال الرئيس أردوغان: "نحن أسقطنا الطائرة الروسية لأنها انتهكت مجالنا الجوي. وإذا انتهكت مجالنا الجوي مرة أخرى، سنسقطها مرة أخرى".
ونحن في حزب التحرير قلنا في تحليلاتنا السياسية في ذلك الوقت إن إسقاط الطائرة الروسية لم يجر بناء على أوامر من القادة السياسيين، وإنما من خلال أمر قائد ما في الجيش التركي كان يسعى لتحقيق أهداف سياسية تختلف عن أهداف الرئيس أردوغان. وقد اتضحت دقة تحليلاتنا اليوم. وقد ألقي القبض على الطيارين الذين قاموا بإسقاط الطائرة الروسية وغيرهم الكثير من قادة سلاح الجو التركي بعد الانقلاب. وفي ذلك الوقت؛ دعمنا تحليلاتنا بالقول إن روسيا أجرت عملياتها في سوريا في إطار اتفاق مع الولايات المتحدة، وإن الحكومة الحالية في تركيا لن تخرق اتفاقًا تم التوصل إليه برعاية الولايات المتحدة.
والآن بينما يقول الجميع إن أمريكا تقف وراء الانقلاب، فنحن في حزب التحرير نقول إن الكماليين العلمانيين الموالين لبريطانيا هم من يقف وراء محاولة انقلاب 15 تموز/يوليو. ونحن نقول إنه بسبب وجود توافق كبير بين الولايات المتحدة والسلطة السياسية في تركيا، لذلك فلا تحتاج الولايات المتحدة لتقوم بانقلاب. وقد تراجع الكماليون العلمانيون الموالون لبريطانيا في معركة الصراع على النفوذ في البلاد، ولكن ضباطهم في القوات المسلحة التركية قاموا بهذه المحاولة الوقحة والوحشية. وقد انضم بعض الضباط الأعضاء في جماعة غولن المعروفة باسم "الكيان الموازي" بشكل فردي إلى هذه المحاولة بسبب أردوغان. وكما هو الحال مع الكثير من تحليلاتنا السياسية وخاصة التحليل المتعلق بإسقاط الطائرة الروسية، فستتضح صحة تحليلنا هذا قريبًا للرأي العام. واسمح لي أن أؤكد بوجه خاص على ما يلي: لا يهم من الذي كان وراء الانقلاب سواء أكانت أمريكا أم بريطانيا. فإن ذلك لن يغير من الواقع شيئًا بالنسبة للمسلمين. لأن هؤلاء كفار مستعمرون. غير أنه إن لم تكن قادرًا على إدراك الجهة التي تقف وراء الانقلاب والسبب في الانقلاب والذي شارك فيه، فإنك ستشاهد فقط صراعًا على المصالح. وسترى فقط عملاء العدو، أما العدو الحقيقي فما يزال موجودًا.
إصلاح خبر: ماذا كان موقف حزب التحرير / ولاية تركيا من الانقلاب خلال تلك الفترة؟
محمود كار: حزب التحرير كان دائمًا ضد أي انقلاب، وليس في تركيا فحسب، بل في جميع أنحاء العالم الإسلامي. ولهذا السبب، أصدرنا بيانًا صحفيًا في يوم الانقلاب نفسه بتاريخ 15 تموز/يوليو، وقد ذكر البيان أن هذا الانقلاب هو عمل إرهابي وحشي وأدان مدبري الانقلاب. وذلك لأن مدبري الانقلاب قد أظهروا بشكل واضح عداءهم تجاه المسلمين في بيان نشروه على قناة "تي آر تي" من خلال تأكيدهم على العلمانية. وقد أثبتوا حقدهم وغضبهم من خلال استهداف أهل تركيا المسلمين وقتلهم. انظر، عندما قام السيسي بالانقلاب في مصر، خرجنا هنا في تركيا إلى الساحات وهتفنا لإخواننا وأخواتنا في مصر أننا معهم. وقد صدعت حناجرنا بمعارضتنا لكل من الانقلاب والديمقراطية وهتفنا "يسقط السيسي، تسقط الديمقراطية". والآن، خلال محاولة انقلاب 15 تموز/يوليو، أعلنا معارضتنا للانقلاب والديمقراطية وما زلنا نقول ذلك.
لقد كشف تدفق الناس إلى الشارع ومقاومتهم للانقلاب المشاعر العامة في المجتمع وطبيعة تفكيره. هذا التفكير والمشاعر هما نتيجة الإسلام، وليس نتيجة للديمقراطية والعلمانية. هل رأيت أيًا من الديمقراطيين العلمانيين، أو الكماليين أو الليبراليين يتدفقون إلى الساحات؟ لا! لاحظ أنني لا أتحدث عن الساحات التي تحولت إلى مهرجانات للديمقراطية خلال الأحداث اللاحقة. ولم ننضم لهذه التجمعات في الساحات والتي قُدمت باعتبارها انتصارًا للديمقراطية وتحت عنوان عيد الديمقراطية. وعلى الرغم من ذلك، فإنه لم يخرج سوى المسلمين الذين يحملون المشاعر الإسلامية إلى الشوارع وقاوموا في ليلة الانقلاب. وقد قاوموا محاولة الطغمة العسكرية هذه جنبًا إلى جنب مع إخوانهم المسلمين. وقد ذهب بعض إخواننا إلى قاعدة أكينسي للوقوف في وجههم. وأيضًا كانت هناك إصابات بين أقارب وأفراد عائلات إخواننا في اسطنبول وأنقرة، وحتى إن البعض قد فقدوا حياتهم.
إصلاح خبر: لقد بدأت عملية تنظيف واسعة النطاق في داخل المؤسسات العامة بعد 15 تموز/يوليو، والتي جرى العمل بها تحت ذريعة قلة من العناصر الفاسدة. كيف يجب أن تدار هذه العملية؟
محمود كار: إن البداية المكثفة التي جرت على نطاق واسع، وعمليات التوقيف السريعة التي حدثت مباشرة بعد محاولة الانقلاب تبين أنه في الواقع قد تم التخطيط لها مسبقًا. وفي الواقع تستغل محاولة الانقلاب هذه كفرصة لعمليات التوقيف. كما أن المسؤولين قد ذكروا ذلك. إلا أنه لا يجب على الحكومة أن تقع في الخطأ الذي وقع فيه الكيان الموازي، جماعة غولن، من قبل. ولأن ضباط الشرطة والقضاة ينتمون لجماعة غولن، فقد صنفوا الجميع، مذنباً أو بريئا، في نفس الدرجة وأطلقوا عليهم إيرجينيكون. لدرجة أنهم دبوا الذعر في جميع الطوائف والحركات الإسلامية تقريبًا من خلال ربطها بإيرجينيكون من خلال شتى أنواع الافتراء، وزجوا بالناس في السجون بأحكام خارجة عن القانون. ومن الممكن أيضًا أن الموظفين العموميين العاملين في أجهزة الدولة قد أبلغوا عن الآخرين كذبًا وزورًا، تمامًا مثل من يقوم بمطاردة "متوازية" لأسباب كطريقة للحصول على ترقية، أو ببساطة لأنهم لا يحبون هذا الشخص. قد يؤدي ذلك إلى فقدان الكثير من الناس لوظائفهم وأعمالهم، فهؤلاء الناس عندهم أطفال وعائلات. ولذلك فإنه من الضروري التمسك بالحق والعدل. وهو تمامًا أمر الله سبحانه وتعالى، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المائدة: 8]
واسمح لي أن أقول لك هذا: كان أعضاء حزب التحرير من بين الذين تعرضوا بأكبر شكل لظلم الكيان الموازي. وخلال هذه العملية، تم الحكم بالسجن على أكثر من 500 عضو بأكثر من 2000 سنة. وهذا بسبب كل من ضباط الشرطة، والمدعين العامين والقضاة الذين قد تم اعتقالهم مؤخرًا. وقد حاولت هذه المجموعة تشويه حزب التحرير بكل السبل الممكنة من خلال وسائل الإعلام والشرطة والقضاء. وعلى الرغم من هذا، فنحن نقول إن الحكومة يجب ألا تتصرف بالطريقة التي تصرفت بها. يجب أن يكون هناك تمييز بين المذنب والبريء، ويجب منع الظلم بأقصى طاقة.
إصلاح خبر: فيما يتعلق بإرجينيكون. علينا أيضًا أن نسأل السؤال التالي: في هذه اللحظة، تم استبدال الذين خرجوا من القوات المسلحة التركية بالمتهمين في قضيتي إرجينيكون وعملية المطرقة الثقيلة. كيف تفسر هذا؟
محمود كار: إن الاستراتيجية التي تنتهجها الحكومة وهي استراتيجية "عدو عدوي هو صديقي"، هي أمر خاطئ وخطير جدًا. لأن هذا القرار اتخذ فقط لمعالجة الانقلاب. إلا أنه يجب على الرئيس والحكومة أن يدركوا أن هذا الانقلاب قد مُنع فقط من خلال تأييد الشعب. والعقلية الحقيقية التي تقف وراء هذا الانقلاب هي العقلية العلمانية والكمالية. والذين تمت محاكمتهم في قضايا إرجينيكون والمطرقة الثقيلة كانوا أيضًا من أصحاب العقلية العلمانية والكمالية. وإذا كان هؤلاء الناس يدعمون الرئيس والحكومة في الوقت الراهن، فإنهم بالتأكيد يقومون بذلك من أجل مصالحهم، لأن وجهة نظرهم عن العالم وتصوراتهم لتركيا لم تتغير. إن قبول الحكومة بدعم هذه القلة على طريقة "الأوقات العصيبة تتطلب اتخاذ تدابير يائسة"، لهو خطأ كبير وخطر في المستقبل. وبالمثل، يمكن أن نقول الشيء نفسه عن التعيينات في سلك القضاء. ويجب استخلاص العبر من كارثة نهج "وضع القطة بين الحمام" من تجربة الكيان الموازي. لذلك أعتقد أنه من الضروري أن يقوم الرأي العام الإسلامي برفع صوته تجاه هذا النوع من التعيينات.
إصلاح خبر: ما هو الدرس المهم الذي يجب أن يتعلمه المسلمون والسياسيون من هذه الفترة؟
محمود كار: الدرس الذي يجب على القادة تعلمه واضح جدًا. وخاصة الرئيس، فعليه أن يتعلم درسا كبيرًا من هذه المحاولة الانقلابية. فقد أثبتت محاولة انقلاب 15 تموز/يوليو أن أهل تركيا المسلمين يريدون الإسلام ويريدون أن يحكموا بالإسلام. وقد أثبت المسلمون للجميع أنهم على استعداد لذلك.
لقد انتظرت جميع الدول الاستعمارية فقط أثناء عملية الانقلاب ليتصرفوا وفقًا للنتائج. ولو كان مقدرًا للانقلاب أن ينجح، فيمكنك أن تكون على يقين أنهم كلهم، الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وجميع الدول الأوروبية، كانوا سيقومون بالاتصال بمدبري الانقلاب وأنهم سيكونون على استعداد للتعاون معهم. وللأسف، لم تقم الحكومة ولا الرئيس بقطع العلاقات مع هذه الدول. فعلى سبيل المثال، في هذه البيئة المتشددة جدًا، حيث شعر الكثيرون بذلك من خلال القرارات، قيل إن القاعدة الرئيسية لمدبري الانقلاب، قاعدة أكينسي، سيتم إغلاقها. ومع ذلك؛ فإن القاعدة تُستخدم لصب حمم الموت على المسلمين والتي تم تحديدها كقاعدة أخرى للانقلاب، قاعدة إنجرليك، ما زالت تعمل ولم يجر إغلاقها. فإذا كانت أمريكا تقف وراء الانقلاب. أليس هناك ضرورة لإغلاق هذه القاعدة الأمريكية أيضًا؟ وإضافة إلى ذلك، كيف يستطيع رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية دخول بلادنا خلال هذه الفترة؟ هذه العلاقة يجب ألا تُنسى أبدًا: الولايات المتحدة والغرب لا يمكن أبدًا أن يكونوا أصدقاءنا. وعلى الرئيس أردوغان إدراك هذا، ويجب عليه أن يتخذ الخطوات المناسبة.
أما الدرس الذي ينبغي للمسلمين أن يتعلموه من محاولة الانقلاب هذه... انظر، عندما خرج المسلمون إلى الشوارع وهم يرددون شعارات إسلامية بعد الانقلاب، تدخل الغرب على الفور ورد بالقول "يجب ألا يكون هناك أية مساومة حول الديمقراطية، ويجب عدم التخلي عنها". وهذا يدل على أن الغرب ومن يسير معهم في بلادنا خائفون بشكل رهيب من قيام المسلمين بثورة إسلامية. وبالتالي؛ فإن هذا الشعب الذي تحدى الدبابات والمدافع يجب أن يدرك أن المستعمرين يقفون وراء الانقلاب. ويجب أن لا ننسى أنه طالما استمرت طموحات المستعمرين في تركيا، فسيستمر في اللجوء إلى محاولات الانقلاب. وبالتالي؛ فكما وقف المسلمون ضد الانقلاب، يجب أن يقفوا ضد الديمقراطية أيضًا. لأن الديمقراطية مثل الانقلاب؛ فهي حضارة غربية وخطر على المسلمين والأمة الإسلامية.
إضافة إلى ذلك، فقد أدرك المسلمون بالفعل من خلال وقوفهم ضد الانقلاب قوتهم الكامنة فيهم. ولو وضعوا جهودهم في العمل للإسلام وإقامة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فإن المستعمرين لن يجرؤوا على القيام بمحاولة انقلاب أخرى. لأن الدولة والجيش في دولة الخلافة الراشدة يشكلان جسدًا واحدًا. ودولة الخلافة الراشدة تشكل أمة واحدة بقادتها وجيوشها وأهلها. فالأفكار والمشاعر واحدة. والثقافة الوحيدة التي يحملها الناس هي الثقافة الإسلامية.
- See more at: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.ph...h.MNSWMQ49.dpuf
الثلاثاء, 16 آب/أغسطس 2016 15:04
جواب سؤال
المشاركة في أنظمة الكفر
السؤال:
خلال البحث في تحريم مشاركة المسلم في نظم الحكم الحالية التي لا تحكم بالإسلام، قال أحدهم إنه سمع أحد الشيوخ يجيز هذا الاشتراك مستدلاً بأن يوسف عليه السلام قد حكم بشريعة الملك في مصر... وأن النجاشي مكث سنين يحكم بالكفر علماً بأنه كان مسلماً وصلى الرسول صلى الله عليه وسلم عليه صلاة الغائب... ثم إن المصلحة وهي دليل شرعي تقتضي ذلك، فإن المسلم وهو في الحكم يراعي مصالح المسلمين أكثر من العلماني...
والسؤال هو ما مدى صحة هذا الاستدلال؟ ثم هل فعلاً هناك شيوخ يقولون بهذا؟ نرجو إجابتنا وجزاك الله خيرا.
الجواب:
نعم يقول بهذه الأقوال بعض مشايخ السلاطين، وهي أقوال لا تقوم بها حجة، لأن الحكم بما أنزل الله أدلته صريحة واضحة، قطعية الثبوت قطعية الدلالة وهي ليست محل خلاف بين الأئمة. إن الحكم بما أنزل الله فرض، يقول الله سبحانه: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ﴾ ويقول جل وعلا: ﴿وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ والنصوص في هذا المعنى كثيرة. أما عدم الحكم بما أنزل الله واللجوء إلى الحكم بالشرائع الوضعية فإنه كفر إذا اعتقده الحاكم، وظلم أو فسق إذا لم يعتقده الحاكم، وهذا وارد في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ﴾. وأما ما استدل به مشايخ السلاطين، فكما قلنا لا تقوم به حجة، وذلك لما يلي:
1- إن الاستدلال بعمل يوسف عليه السلام على قول القائلين إنه كان يحكم في بعض القضايا بشريعة ملك مصر، أي بغير ما أنزل الله، هذا الاستدلال هو في غير محله، لأننا مأمورون باتباع الإسلام الذي جاء به محمد عليه وآله الصلاة والسلام بوحي من الله سبحانه، ولسنا مأمورين باتباع شريعة يوسف عليه السلام أو غيره من الأنبياء عليهم السلام، وذلك لأن شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا، فهو منسوخ بالإسلام، يقول سبحانه. ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾، ومعنى "مهيمنا" أي ناسخا، فالإسلام نسخ شرائع الكتب السابقة، ولذلك فشرع من قبلنا ليس شرعاً لنا.
وهناك بعض أئمة الأصول قد أخذوا بالقاعدة بشكل آخر أي: «شَرْعُ مَنْ قبلَنا شرع لنا ما لم يُنْسَخ»، وهي تحدد أن الاستدلال بالشرائع السابقة يكون فقط بالأحكام التي لم تُنْسخ من تلك الشرائع. أما الأحكام التي جاءت شريعتنا ونسختها فلا يجوز أخذها من الشرائع السابقة، بل نحن مطالبون بما ورد في شريعتنا، والحكم بما أنزل الله صريح في الإسلام، وهو ناسخ لكل شريعة سابقة تخالفه، وعليه فإن جميع علماء الأصول المعتبرين، سواء أقالوا بالقاعدة الأولى "شرع من قبلنا ليس شرعاً لنا" أم قالوا بالقاعدة الثانية "شرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ"، فكلاهما يوجب الحكم بما أنزل الله لأنه منصوص عليه في الإسلام بشكل صريح واضح قطعي الثبوت والدلالة، وناسخٌ للشرائع السابقة إذا خالفته.
ونقول ذلك على افتراض أن يوسف عليه السلام حكم في بعض القضايا بشريعة ملك مصر، مع أن الصحيح هو أن يوسف عليه السلام نبي وهو معصوم، فلا يحكم إلا بما أنزل الله عليه، فهو كما قال سبحانه في سورة يوسف يحاور صاحبيه في السجن بأن الحكم لله: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39) مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾، فيوسف عليه السلام يقول ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾، فالحاكمية هي لرب العالمين الذي يعبده المسلم ويأخذ تشريعه منه وحده ولا يتخذ رباً سواه.
ويوسف عليه السلام ما كان ليخالف فعلُه قولَه فتراه يدعو لحاكمية الله سبحانه ومن ثم يحكم بالكفر. إن هذا القول معناه الطعن في عصمة نبي من أنبياء الله تعالى والافتراء عليه، وهو أمر كبير... وإذن فإن يوسف عليه السلام لم يكن يحكم بالكفر، بل كان يحكم بما أنزل الله عليه، صادقا مخلصاً لله سبحانه. وكما قلنا فعلى فرض أن الله سبحانه أجاز ليوسف عليه السلام في شريعته أن يحكم في بعض القضايا بقوانين ملك مصر، فإن الإسلام قد نسخ الشرائع السابقة وصار الواجب علينا بعد رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم هو الحكم بالإسلام لا غير.
2- وأما الاستدلال بموقف النجاشي فهو في غير محله أيضاً، فإن من يدقق في المسألة يجد أن النجاشي كان ملكاً قبل إسلامه. وقد أسلم سراً وتوفي بعد إسلامه بوقت قصير، ولم يكن قادراً على تطبيق الإسلام ولم يجرؤ على إعلان إسلامه، فقد كان قومه كفاراً... وهذا لا ينطبق على من كان مسلماً معروفاً بإسلامه عند الناس، ونزيد الأمر تفصيلاً فنقول:
أ- إن كلمة النجاشي ليست اسم شخص الحاكم للحبشة، بل هو لقب لكل من كان يحكم الحبشة، فكان يسمى "النجاشي" كما كان يسمى حاكم الفرس بكسرى والروم بقيصر...، والنجاشي الذي أسلم وصلى الرسول صلى الله عليه وسلم عليه لم يمض على إسلامه سنين كما في السؤال، بل فترة قصيرة لا تتجاوز أياماً أو شهراً أو شهرين... فهو ليس النجاشي الذي هاجر المسلمون إليه من مكة، وليس هو النجاشي الذي أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري بعد صلح الحديبية عندما أرسل الرسل إلى الحكام، بل هو نجاشي آخر تولى الحكم بعد النجاشي الذي أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم له رسالة مع الحكام الآخرين، والروايات في هذا الموضوع في البخاري ومسلم، وقد وهم من ظن النجاشي الذي أسلم أنه هو نجاشي الحبشة الذي هاجر إليه المسلمون من مكة، أو أنه النجاشي الذي أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إليه عمرو بن أمية الضمري بعد الحديبية، والروايات في ذلك التي تعارض ما في البخاري ومسلم تردّ، وأما الأدلة على ما ذكرناه آنفاً فنذكر منها:
أخرج مسلم عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: («أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إِلَى كِسْرَى، وَإِلَى قَيْصَرَ، وَإِلَى النَّجَاشِيِّ، وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللهِ تَعَالَى»، وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.) انتهى
وأخرج الترمذي عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ: («أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ قَبْلَ مَوْتِهِ إِلَى كِسْرَى وَإِلَى قَيْصَرَ وَإِلَى النَّجَاشِيِّ وَإِلَى كُلِّ جَبَّارٍ يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ» وَلَيْسَ بِالنَّجَاشِيِّ الَّذِي صَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. "هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ") انتهى.
وواضح من حديث مسلم والترمذي النص على أن النجاشي الذي أسلم وصلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم ليس هو النجاشي الذي أرسل الرسول إليه رسائله مع الحكام الآخرين.
ب- حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل الرسائل للحكام بعد رجوعه صلى الله عليه وسلم من الحديبية أي بعد ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة، وحيث إن هذا النجاشي الذي أسلم ليس هو النجاشي الذي أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم إليه مع الحكام الآخرين، بل هو نجاشي بعده، فيكون تولى الحكم نحو السابعة للهجرة.
ج- ولأن أبا هريرة كان مع الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاته على النجاشي الذي أسلم كما هو في أحاديث الصلاة على النجاشي، ومعروف أن أبا هريرة بعد أن أسلم قد وفد إلى المدينة مع وفد دوس في نحو سبعين أو ثمانين وفيهم أبو هريرة وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِخَيْبَرَ. فساروا إليه فلقوه هناك. وقد قسم لهم رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم من غنيمة خيبر، وخيبر كانت في السنة السابعة للهجرة، وهذا يعني أن النجاشي الذي أسلم قد استلم حكم الحبشة في نحو السابعة للهجرة وتوفي في السابعة للهجرة، أي لم يمكث سوى أيام أو أشهر قليلة...
د- لقد كان الحبشة في ذلك الوقت كفارا على دين النصرانية، وحاكمهم النجاشي أسلم سراً دون أن يعلموا، بل ودون أن يعلم أحد، حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم، كما يُفهم من أحاديث الصلاة على هذا النجاشي، قد عَلم عن وفاة النجاشي بالوحي، ومفهوم الأحاديث في الصلاة عليه يدل على ذلك:
- أخرج البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي اليَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ خَرَجَ إِلَى المُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا». وفي رواية أخرى «نَعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الحَبَشَةِ، يَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ»، فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ».
- وأخرج البخاري عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ تُوُفِّيَ اليَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ مِنَ الحَبَشِ، فَهَلُمَّ، فَصَلُّوا عَلَيْهِ»، قَالَ: فَصَفَفْنَا، فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَنَحْنُ مَعَهُ صُفُوفٌ قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: عَنْ جَابِرٍ «كُنْتُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي»، وفي رواية أخرى عن جابر قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ مَاتَ النَّجَاشِيُّ: «مَاتَ اليَوْمَ رَجُلٌ صَالِحٌ، فَقُومُوا فَصَلُّوا عَلَى أَخِيكُمْ أَصْحَمَةَ».
ومفهوم الكلمات الواردة في الأحاديث: «نَعَى النَّجَاشِيَّ فِي اليَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ»، «نَعَى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الحَبَشَةِ، يَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ»، فَقَالَ: «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ»"، «مات اليوم رجل صالح...». فالنعي في اليوم الذي مات فيه، والنجاشي في الحبشة والرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة، فهو يعني أن الخبر بالوحي، وكذلك فإن قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «اسْتَغْفِرُوا لِأَخِيكُمْ»، «مات اليوم رجل صالح...»، يعني أنهم لم يكونوا يعلمون بموته...
هـ- وعليه فإن حالة النجاشي لا تنطبق هنا، فهو أسلم سراً، وقومه كفار، وتوفي بعد وقت قصير، ولم يعرف أحد بإسلامه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوحي... فلا تنطبق هذه الحالة على مشاركة المسلم المعروف بإسلامه في الحكم بغير ما أنزل الله، والقائلون بأنها تنطبق ليس لهم دليل، ولا شبهة دليل.
3-وأما الاستدلال بالمصلحة، وأنها دليل، فهو أيضاً في غير محله، ونستعرضه على النحو التالي:
هناك بين علماء أصول الفقه من قال بالمصلحة كدليل، ولكنهم اشترطوا أن لا يكون ورد في الشرع أمر بها أو نهي عنها، وأما إذا ورد بها أمر أو نهي، فلا يؤخذ بحكم المصلحة بل يؤخذ بالذي ورد في الشرع. ولم يقل أحد من علماء الأصول المعتبرين بتعطيل النصوص التي جاء بها الوحي بحجة أن المصلحة تتطلب ذلك.
فالربا حرام، حرمه الشرع بنصوص جاء بها الوحي فإذا كانت المصالح تتطلبه، فإن الشرع يرفضه ويحرمه، وإذا أفتى به بعض من يُسّموْن علماء فإن فتواهم مردودة عليهم وهي تتصادم مع الشرع الذي جاء به الوحي.
ومسألة الحكم بغير ما أنزل الله هي حرام بشكل قطعي مثل حرمة الربا لأن النصوص من الوحي جاءت بذلك. فلا يبقى أي محل لتحكيم المصلحة، فحيث ما يكون الشرع تكون المصلحة وليس العكس.
ونحن في بحثنا هذا نجاري علماء الأصول الذين تساهلوا وقالوا بالمصالح المرسلة، فحتى على مذهب هؤلاء لا محل للاستدلال بالمصلحة. مع أن الحقيقة هي أن المصالح المرسلة غير موجودة، وهي موجودة في نظر الذين قالوا بأن الشرع ترك بعض الأمور دون أن يأمر بها أو ينهى عنها، وقالوا إنهم يستعملون المصلحة في هذا الحقل. والحقيقة أن الشرع لم يترك بعض الأمور دون بيان حكمها، بل هو بيّن أحكام كل شيء ﴿تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾، ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾. ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾.
4- والخلاصة هي أن المشاركة في أنظمة الكفر والحكم بغير ما أنزل الله هي كفر إذا كان الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله يعتقد هذا الحكم، وهي ظلم وفسق إذا كان الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله لا يعتقد هذا الحكم، كما في الآيات الكريمة: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ﴾، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾، والقائلون بأنه يجوز للمسلم أن يشارك في الحكم بغير ما أنزل الله ليس لهم دليل ولا شبهة دليل، لأن النصوص في منع ذلك قطعية الثبوت والدلالة.
آمل أن يكون الجواب واضحاً كافياً شافياً بإذن الله سبحانه.
- See more at: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/ameer/jurisprudence-questions/24764.html#sthash.Gqq9wmCl.dpuf
الثلاثاء, 16 آب/أغسطس 2016 14:28
إقامة الخلافة والعامل الزمني
عند طرح موضوع العمل لإقامة الخلافة يتذرع الكثير من الناس بعدم عملهم بان دعاة الخلافة جاوزوا الستين عاما ولم يقيموا دولة، لذلك ترى الإنسان متأثر من طول المدة، فقد لا يقتنع وتكون هذه هي العقدة التي منعته من الالتزام في الدعوة.
بداية نقول إن العامل الزمني ليس شرطا في صحة العمل لإقامة الخلافة، فاشتراط العامل الزمني شرطا هو خطأ، فان من شروط صحة العمل موافقته للحكم الشرعي، وليس العامل الزمني.
والعامل الزمني هو ابتلاء واختبار للإنسان المسلم في سعيه لإقامة الخلافة، للعامل لها وللمنتظر قيامها، وكثيرا ما دمر الوقت وطول الأمل الظالمين لما يرونه من وجود السيطرة لهم، وكثيرا ما جعل الوقت البعض من حملة الدعوة يتركون الدعوة لما رأوه من طول الوقت وعدم وجود الفرج في حياتهم أو أثناء عملهم.
فقصة سيدنا نوح والدعوة ليل نهار، وهذا عمل لمن لا يتصوره صعب، إذ أن إنسان يمضي ساعة أو ساعتين أو ثلاث من يومه يدعو الناس إلى الإسلام، يجد هذا الأمر مرهق له، هذا إذا لم يداخله الشيطان بأنك قد فعلت ما لم يفعله احد غيرك، هذا إذا استمر الإنسان على هذه الوتيرة من الدعوة، وهي تحتاج إلى جلد وصبر، ومع ذلك ورغم طول الفترة التي قضاها سيدنا نوح عليه السلام في الدعوة وهي تسعمائة وخمسون سنة، نجد أن تلك الفترة الزمنية في الدعوة لم تؤثر في دعوته بل استمر يدعو قومه ليلا ونهارا. طبعا نحن لا نتكلم عن عمل عادي بل نتكلم عن الدعوة التي فيها ما فيها من الصد والتكذيب عن سبيل الله، والاستهزاء والسخرية والاضطهاد له ولمن آمن معه، والتعذيب والقتل أحيانا، وكل أساليب الصد عن سبيل الله، ومع ذلك لم يؤمن معه إلا قليل.
لا نستطيع أن نقول أن سيدنا نوح عليه السلام قصر في الدعوة بعد هذا العرض البسيط لدعوته، فإذا تخيلنا هذا الوضع قلنا في عقولنا البسيطة لِمَ لَمْ يهلك الله قومه من أول عشر سنوات للدعوة، أو من أول خمسين سنة للدعوة، وكيف استطاع سيدنا نوح عليه السلام الصمود هذه الفترة من الزمن.
لذلك كان عدد المستجيبين للدعوة ليس دليلا على التقصير وان طال الزمن، وذلك لان استجابة الناس وعدمها لا تعني بأي حال من الأحوال أنّ سيدنا نوح عليه السلام قد قصر في تبليغ دعوته، بل يعني أن الناس لم تستجب، وهناك ما أخرجه البخاري و مسلم عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :"عُرضت عليَّ الأمم ، فرأيت النبي و معه الرهط ، و النبي و معه الرجل و الرجلان ، و النبي و ليس معه أحد" وطبعا لن نتهم نبيا من الأنبياء بأنه لم يدعُ إلى دين الله أو أن هناك خطأً في دعوته، بل هي عدم استجابة الناس.
فقياس الصحة للدعوة بالزمن بأنه كلما زاد الزمن وجب دخول الآلاف في الدعوة هذا استنتاج خاطئ، رغم أنه ولله الحمد فان حملة الدعوة ينتشرون في أصقاع الأرض يوما بعد يوم وعاما بعد عام.
والآيات الواردة في كتاب الله عز وجل {وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ } {وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} {وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ} {وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} تتكلم عن طبيعة في الناس وهي أن الأكثرية عادة لا تتبع الحق والهدى بطريق الاختيار، بل الناس بأكثريتهم يبحثون عن الراحة في هذه الحياة الدنيا، وهذا لا يتوافق كثيرا مع حمل الدعوة مع ما يرافقه من مشقات، فعدم إتباع الناس بأكثريتهم لحملة الدعوة وان طال الزمن شيء طبيعي، ما لم يصبح لهذه الدعوة القوة التي تحمي بها نفسها، ولذلك كان عدد المسلمين والداخلين في دين الله بعد النصر للإسلام أفواجا، عكس الصورة قبل إقامة دولة الإسلام في المدينة، قال تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}.
ولو عدنا إلى التاريخ لننظر إلى الفترات التي كانت تتم بها الأحداث التي نقرأ عنها في كتب التاريخ، للاحظنا أن معظمها يزيد تقريبا عن التسعين عاما التي مضت على هدم الخلافة، أو الستين عاما التي مضت على العمل الحقيقي لإقامة الخلافة، وعن الستين عاما تقريبا التي مضت على احتلال فلسطين.
ففترة الحروب الصليبية (1096م – 1291م) أي 195 سنة، لو مرت على أهل هذا الزمان ربما لباعوا مكة مع المدينة للصليبيين، ولعقدوا آلاف المعاهدات مع الصليبيين، ولم يقل احد للحكام آنذاك ماذا عملتم للتحرير لقد طال الزمان وهذا يعني أنكم على خطأ، -[مع فارق موضوع التقصير من قبل المسلمين في ذلك العصر بشكل عام، وأيضا مع وجود التقصير الهائل هذه الأيام، ولكننا نتحدث عن الفترات الزمنية الطويلة]- فالفرق بين ذكرها حاليا وبين من عاشها، أن من عاشها عاصرها يوما بعد يوم وكابد مشقاتها، أما من سمع عنها هذه الأيام فلا يسعه إلا الإعجاب بفعل الأيوبيين والمماليك لتحرير البلاد من رجس الصليبيين، ولذلك فان الفترة التي نعيشها لأننا نكابدها يوما بعد يوم نشعر بطولها وثقلها علينا لكن الحقيقة أنها فترة كأي فترة زمنية، بل هي قصيرة نسبة إلى ما عاشه أجدادنا.
إن عامل اليأس اثر كثيرا في الناس بحيث باتوا يسألون متى نصر الله، فما عايشوه من ذل وهوان اثر على الكثير منهم، حتى أن الناس لتمجد المجرم القاتل الخائن لله ورسوله لأنهم رأوا منه موقفا رجوليا خُدعوا به، فماذا لو عاصروا اقل حكام المسلمين عدلا في ظل الخلافة، ربما لقدسوه!!!. فكثير من الحركات قامت للتغيير، ولكن بسبب عدم فهم هذه الحركات لسنة الله في التغيير، وبسبب خيانة الكثير من قادة الحركات لله ورسوله وممالئتهم الكافر والأنظمة الموجودة في العالم فشلوا، فهذا اثر على الناس، فقالوا متى نصر الله، وقالوا أن جميع الحركات مصيرها كسابقاتها، واثر ذلك على حملة الدعوة، بان كانت هذه عقبة في طريق إقامة الخلافة ومبطئا لها- وما النصر إلا من عند الله- فقال الناس لنا وبعضهم ينظر إلينا واليأس يملأ عينيه: متى نصر الله؟!!!
إن العمل الفكري ليس كالعمل المادي، تجد له بعض الشواهد المادية، فالعمل الفكري يكون تأثيره صعب الإدراك على عامة الناس، وليس كالعمل المادي من قتل وتدمير وبناء، فبداية التبشير في العالم الإسلامي في بلاد الشام بدأت سنة 1625م وهذا يعني 300 سنة تقريبا حتى هدم الخلافة، طبعا نحن نتكلم عن فترة كان فيها فهم الإسلام ضعيفا، مع إساءة لتطبيقه من قبل الحكام، ومكثوا هذه الفترة حتى استطاعوا هدم الدولة، مع ملاحظة أخرى وهي عامل الدعم من قبل الكفار لهؤلاء المبشرين بكل ما يريدون، وما تبعه من مؤامرات وغيره حتى هدم الخلافة.
أما اليوم فالعمل الفكري لا يعتمد إلا على الله أولا وأخيرا وعلى جهد حملة الدعوة ومالهم، مع المحاربة الشديدة من قبل الكفار والحكام وبعض أبناء المسلمين، لذلك فهذه الفترة من الزمن مع ما مر من فترات زمنية شيء طبيعي، على العكس من ذلك بل هي تسير بوتيرة مسرعة بالنسبة لما مضى من أحداث تاريخية.
والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا يملك العاملون للتغيير الحقيقي غير الفكر للتغيير وطبعا نصر من الله؟ الجواب: لا شيء.
أما الطرف الآخر وهم الكفار والأنظمة في العالم الإسلامي فهم يملكون الكثير من حطام الدنيا، فالمال وما يمكن أن يحققه لهم من دعم مثل المفكرين والكتاب والأدباء وكثير من الناس ممن باعوا أنفسهم للشيطان، وكثير من الفضائيات ومحطات التلفزيون والإذاعات، وأيضا مراكز الأبحاث والمؤسسات والجمعيات ومناهج التعليم وتلك الطامة بينهم، وأجهزة امن لقمع كل من يفكر بالتغيير، قمعه بالتخويف والتهديد والسجن والتعذيب والقتل والنفي، وغيره من الوسائل، فبحساب الدنيا لن تقوم للعاملين للتغيير قائمة، ولكن مع انتشار حملة الدعوة وانتشار فكرهم وقلق الكافر من هذا التغيير القادم ندرك أن الله تعالى لن يخلف وعده بنصر العاملين ولو بعد حين، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) ولذلك يجب أن يكون هناك إعجاب بهذا الجهد الذي يبذله حملة الدعوة للتغيير.
قال عليه الصلاة والسلام: {لا تزولُ قَدَمَا عَبْدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسألَ عنْ أربع ٍ عنْ عُمُرِهِ فيما أفناهُ وعنْ جسدِه فيما أبْلاهُ وعنْ مالهِ مِنْ أيْنَ أخذهُ وفيما أنْفَقَهُ وعنْ عِلمِهِ ماذا عَمِلَ بهِ} إذا كما ورد في الحديث فالإنسان يسال عن العمل الذي عمله وليس عن النتائج، فهل أفنى الإنسان عمره في خير يرضي به رب العالمين، أم في شر يغضب به الله العزيز الجبار
لذلك فالمنتظر النصر دون عمل، سوف يحاسب عند الله تعالى على هذا التقصير، لأنه أمضى عمره منتظرا، لان المنتظر النصر دون عمل هو العاجز الذي اخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال).
وفي شرح النووي على مسلم: وأما (العجز) فعدم القدرة عليه، وقيل: هو ترك ما يجب فعله، والتسويف به وكلاهما تستحب الاستعاذة منه.
وما يجب فعله هو العمل للتغيير مع العاملين للتغير لإقامة الخلافة وعدم الانتظار والقول أنها قائمة لا محالة أو ماذا سيؤثر عملي مع العاملين للتغيير وما في هذا من معاني.
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون).
http://naqed.info/forums/index.php?showtopic=4906&hl=
الجمعة, 12 آب/أغسطس 2016 21:23
بيان صحفي
يا جيوش المسلمين!
ألا يكفيكم ذبح وتجويع أطفال حلب حتى تتحركوا للدفاع عنهم؟!!!
(مترجم)
منذ الأسبوع الماضي والمسلمون في شرق حلب يتعرضون لحصار وحشي لا يوصف تقوم به قوات أسد والقوات الروسية. ويعيش أكثر من 300000 مدني، 60% منهم من النساء والأطفال، في المدينة المحاصرة وقد أخذت الإمدادات الطبية والماء والغذاء بالنفاد بشكل سريع. ووفقًا للأمم المتحدة، فإن الاحتياطيات الغذائية ربما تكفي لبضعة أسابيع فقط، وفي حال نفادها فإن المدينة ربما ستعاني من نفس المجاعة وسوء التغذية التي تعرضت لها مضايا وغيرها من المدن التي ترزح تحت حصار النظام السوري المجرم. وقد قال أحد عمال الإغاثة وهو من أهل سوريا ويقيم في مدينة حلب لهيئة الإذاعة البريطانية إنه منذ الحصار كان هناك بالفعل القليل من الطعام حتى إن 5 أرغفة خبز كان يجب أن تقوم بسد احتياج أسرة مكونة من 10 أفراد لمدة يومين. وإلى جانب ذلك، فإن القوات السورية والروسية تواصل قصف المدينة بشكل متواصل، وتقوم بذبح أهلها بشكل مستمر، بمن فيهم النساء والأطفال والرضع، وتحاول تدمير بنيتها التحتية والقضاء على أهلها بشكل تام. وقد أفادت الأمم المتحدة أن 4 مستشفيات وبنكاً للدم في شرق حلب قد تم ضربها مرات عديدة في 23 و24 تموز/يوليو من خلال القصف الجوي. وفي الأيام الأخيرة وقعت أيضًا غارتان في أقل من 12 ساعة على مستشفى الأطفال الوحيد الذي يعمل في المدينة. وفي 29 تموز/يوليو، تعرض مستشفى للولادة للقصف مما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى.
إن النساء والأطفال المسلمين الأبطال في مدينة حلب يواجهون الآن خيارات مستحيلة؛ فإما أن يبقوا في المدينة ويتعرضون للذبح أو يواجهون الموت البطيء جوعًا، أو يحاولون مغادرتها وحينئذ يكون مصيرهم القتل على يد قناصة النظام أثناء هروبهم. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه المحنة الرهيبة، فقد خرجت أخواتنا المسلمات الباسلات إلى شوارع حلب للتظاهر دعمًا للمجاهدين، وهن لا يأبهن بقنابل ورصاص النظام المجرم، وقد رفعن لافتات كتب عليها "حلب تخوض المعركة نيابة عن الأمة"، وعبّرن عن إرادتهن لحماية الأمة لأن جيوش المسلمين قد تقاعسوا عن القيام بهذا الواجب! وقد حرق أطفال حلب الإطارات دون خوف في الشوارع لخلق ستار من الدخان الأسود لعرقلة حملة القصف التي يقوم بها أعداؤهم، لأن الذين يقع على أعتاقهم الدفاع عنهم قد آثروا البقاء في ثكناتهم!
لذلك فإننا نسأل كل قائد وضابط وجندي في جيوش المسلمين: ماذا تفعلون عندما يواجه الأطفال والرضع في حلب الجوع والذبح؟ لماذا تخليتم عنهم ليواجهوا مصيرهم؟ كيف يمكن أن تقبلوا لهؤلاء الأطفال القيام بالدفاع عن الأمة بسبب غياب جيش يحميهم؟ فرض قد جعله الله سبحانه وتعالى في أعناقكم وسيحاسبكم عليه يوم القيامة! لأكثر من 5 سنوات وحتى الآن، لقد شاهدتم أرض الشام المباركة تتحول إلى مسرح قتل جماعي لمئات الآلاف من إخوانكم وأخواتكم دون أن تتحركوا للدفاع عنهم! لأكثر من 5 سنوات وحتى الآن، كنتم تسمعون صرخات أخواتكم في سوريا وقد قام كلاب الأسد بإهانتهن أو تسمعون بكاءهن على أطفالهن وأسرهن القتلى دون أن تلبوا نداءهن! ولأكثر من 5 سنوات وحتى الآن، وأنتم تشاهدون أطفال سوريا يدفنهم القصف الجوي وهم أحياء أو يأكلون لحوم القطط والكلاب للبقاء على قيد الحياة دون العمل على إنهاء مصيبتهم! كيف ستجيبون الله سبحانه وتعالى عن تقاعسكم عن نصرتهم؟ ونحن ندعوكم لإجابة استغاثات إخوانكم وأخواتكم بأقصى سرعة فتكونوا الحماة المُخّلصين فتنالوا العز في الدنيا ورضا ربكم وحسن الثواب في الآخرة. وندعوكم لإعطاء النصرة لحزب التحرير لإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي ستجيش الجيوش دون تأخير للقيام بواجبكم لتحرير المسلمين والدفاع عن المستضعفين منهم في جميع أنحاء العالم فتكونوا بذلك حماة الدين! يقول الله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا﴾ [النساء: 75]
د. نسرين نواز
مديرة القسم النسائي في المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
- See more at: http://www.hizb-ut-tahrir.info/ar/index.php/pressreleases/cmo_women/38730.html#sthash.zawCwW7H.dpuf
المزيد من المقالات...
الصفحة 67 من 74