تغريب المرأة المسلمة إستعباد لها!

طباعة

"وما يعدهم الشيطان إلا غروراً"
بقلم خالد زروان
 
خرج علينا في هذه الأيام صوت منكر من دعاة الفتنة، "عباية تاكسي" يجوبون المدن في تونس، ينهون عن الإسلام وينأون عنه، وينشطون بحذر أكثر في مصر من أجل المناداة باللائيكية أي العلمانية أو فصل الدين عن الحياة. تلك الآفة التي روج لها رواد الماسونية في بلادنا الإسلامية من محمد عبده لجمال الدين الأفغاني لبورقيبة لأتاتورك. 
 
يردد احدهم بكل حماقة "اللائيكية هي: "واحد ما يتلهاش بالآخر"! وذكرتني هذه السطحية بتقارير صادرة عن مراكز بحث غربية تدرس كيفية الدعوة لنظرية التطور لداروين في البلاد الإسلامية دون أن يتفطن المدعوون إليها إلى أنها نظرية الحادية، فكان من ضمن المقترحات، أن يدعى لها على أنها وسيلة لا مناص منها لدراسة العلوم التجريبية، مستغلين بذلك حب المسلمين للعلم والعلماء! ولكن لا أظن أن هذا السيد -وهو للعلم محامي خرج ليلى هروب بن علي يصرخ في شارع الحبيب بورقيبة-، متفطن لذلك. وإنما قد قالها عن قناعة وبكلمتين تلخص العلمانية!  
في مرة أخرى، قاضية تونسية تدخلت على الفايس بوك وأرادت "تنويري"، فقلت لها، "أنا تحت الذمة"، فأخرجت لي "الدين أخلاق" والسياسة مصالح"، ماهي مرجعيتك الفكرية  في هذا؟ قالت إتفاقية حركة النهضة مع بن علي عام 1987...! 
 
نقول للثوار والشعب التونسي عامة، إن هذه النخبة التي رضعت عشق فرانسا في الحليب ولم يكلفوا أنفسهم عناء مراجعة الأفكار التي يلوكون بدون أدني تفكر فيها، لا يليق بها إلا ما نعتها به مساعد وزير الخارجية الأمريكية، بأنها "إسطبل" المثقفين العرب، ولا يليق بكم الى أن تروهم منكم ما كانوا يحذرون. افرضوا هوية الأمة الإسلامية على الدولة وعلى كل اجهزتها. فما جعلت الدولة إلا لتحقيق وحراسة هوية الأمة وعقيدتها ثم لرعاية شؤوننا وفقاً لما نعتقد فيه ولم تجعل الدولة لتحقيق وحراسة أهداف ومصالح الغرب وفق ما يريده الغرب وأذياله لنا.
 
فلما نرى شخصاً كهذين الشخصين، الذين يعتبران من النخبة التونسية، لا يحسن ترديد أو تقديم فكرة غربية، أو لا يدرك المرجعية الفكرية التي جعلته يذكر شيئاً ما، ومع ذلك فهو مدافع شديد عنها، بل ويدعو لها باستماتة، ندرك لماذا شعبنا وأمتنا الإسلامية عامة تقع وهي واقعة إلى حد الآن في الخديعة في أفكار ونظريات غربية تطبق عليها. يعني، لا زال يظن احدهم أنه يكفيه بدلة وربطة عنق وان ينعق بما شاء حتى يروج لأفكار معلبة قد تعفنت من أجل أن يجعل لنفسه شعبية ويحكم ويسود بمعونة أسياده شعباً لا يفهم ما يقول! قد كان هذا في الماضي حين كان الناس يجهلون بالفعل ما يلوكه وكلاء الغرب، ولكن اليوم في عهد الثورة المعلوماتية، هل ستنطلي مثل هذه الخدع على شعوب قادت البلاد إلى الثورة وفرض الإرادة؟ وكانت النخب وراءهم كأثقل ما يكون عليهم الحمل، فهل لا يفهمون ما يحدث وكان كل ما ينطقون به يعتبر جذباً إلى الوراء. فعندما نرى أن كل ما يحلم به أحد أفراد هذه النخبة هو ما يسميه "الجمهورية الثانية" ويضع بذلك نفسه ويريد وضع التونسيين -وينطبق الأمر أيضاً على المصريين- موضع فرنسا والشعب الفرنسي قرنيين من الزمان إلى الوراء، ندرك فداحة الوهن والضعف الفكري بل والنفسي لهؤلاء. فهؤلاء لا يرون لأنفسهم من وجود دون الغرب وتاريخه وهم ينقلون عنه بكل حماقة، إن جد الغرب وجدوا وإن شح الغرب عدموا. حتى أن الحجة بالنسبة لهم جميعاً تكون مفحمة عندما يستشهد احدهم بأن هذا الأمر يحصل في بلد كذا وكذا من البلاد الغربية، وكأن ذلك يقيم علينا حجة.
 
فهاته النخبة المضبوعة بالغرب، الخاوية فكرياً، لما تسأل احدهم عن الإسلام، يحلفون أغلظ الأيمان خداعاً ونفاقاً أن الإسلام دين عظيم، ولكنهم يتداركون بأنه، لذلك فلا يجب "تدنيسه" بأمور سياسية، -غمزة إلى ما قيل أعلى في طريقة دعايتهم لنظرية التطور-. ولكن الجميع يعلم أنهم قوم قد مردوا على  النفاق. والدليل أنهم بكل بساطة: لا يريدون الرجوع إلى أحكام الله في أي أمر كان، مهما كانت، في السياسة أم في غيرها، حتى نفخ في روعهم أنه يمكنهم تغيير أحكام الله في الميراث، بل ويرون في مجلة الأحوال الشخصية مكسباً للمرأة التونسية. ويصيبهم الركس من آيات من مثل "إن الحكم إلا لله" أو "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" وفي أخرى "الظالمون" وفي أخرى "الفاسقون"، فحق في وصف حالهم: "قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ".
 
إن المرأة التي يقلدها المضبوعات من الذيول في بلاد المسلمين، مرأة مستعبدة إلى حدود اليوم. وإنما "التحرير" الذي تنوء إليه المضبوعات كما ينوء فراش الليل إلى النار حتى يحترق، انما هي الإستعباد بذاته. أما كرامة المرأة وتحريرها من العبودية لغير الله، فهي في الإسلام لا في غيره أبداً، وإليكم بعض من البيان:
 
الثورة الفرنسية اواخر القرن 18 -دين المضبوعات الجديد وقبلتهن-، نفت عن المرأة حق الإنتخاب وتعتبرها لا شيء -صفر- في المجتمع ولا مشاركة لها في الحياة العامة أبداً. متى أقر لها حق الإنتخاب؟ أقره ديغول من منفاه سنة 1943, كتكتيك عسكري سياسي و فرنسا تحت الإحتلال الألماني وذلك محاولة لجذب عنصر المرأة الفرنسية التي افتتنت بالألماني وبحقوق المرأة تحت نظام هتلر، الذي يعترف بحق إنتخاب المرأة منذ سنة 1909. ولو لم يكن ديغول مرغماً، لكانت المرأة الفرنسية والباريسية إلى اليوم لا دور لها في الحياة العامة. المرأة الفرنسية لم تنتخب إلا سنة 1969. المرأة إلى حدود اليوم، لا يزال ملف نوعها لم يغلق في الكنيسة: أهي إنسان، أم جن! المرأة في الغرب كان يتم تحزيمها بحزام حديدي عندما يغادر سيدها حتى لا تخونه، وهي لا ترث بل تورث ... والقرون الوسطى قرون الظلام قد سميت من أجل هذا وأفدح منه من الجهل المطبق الذي كان يخيم على أوروبا ... في حين، نفس تلك القرون من الزمن، كانت قروناً ذهبية عندنا نحن المسلمين وعند المرأة المسلمة حيث كانت المرأة المبادرة بإشاء الجامعات لطلاب العلم وكانت فقيهة وعالمة وتاجرة وقاضية، وكانت تمارس حقها السياسي كاملاً،...المرأة كانت من وفد الذين بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة -71 رجل وامرأتان- وبايعتا بالمصافحة، كما بايع بقية الرجال! لم تعرف المرأة حق الإنتخاب إلا في الإسلام وأصبحت ترث بعد أن كانت تورث وأصبح لها الحق في الحياة بعد أن كانت توأد، وأصبحت شقيقة الرجل في كل شيئ "النساء شقائق الرجال"، "رفقاً بالقوارير" "استوصوا بالنساء خيراً" "خيركم خيركم لأهله"... وأصبح لها حق طلب الطلاق الذي لا يعرفه إلى حد الآن أنظمة الجهل التي تحكمنا -كما في مصر مثلاً- والكثير في دول العالم...
 
لقد انطلقت المرأة الغربية بعد قرون الظلام والإضطهاد كالشرارة تبحث عن حقوقها فسقطت -أو تم اسقاطها، كما يمكن أن نفهم- في ظلام أدمس من الأول وإضطهاد أشرس من إضطهاد الكنيسة لها أو إضطهادها بإسم الدين وحتى بإسم الثورة الفرنسية ... إنه إضطهاد بإسم "الحرية"، إستعباد بإسم الحرية، نعم هذا هو حالها اليوم في الغرب، لم يتغير حالها، كانت سلعة ومتاع وبقيت كذلك سلعة ومتاع تباع وتشترى في سوق النخاسة عفواً -الإشهار والموضة والشهوات-. قد جعلوا لها نماذج ومثلاً عليا لا أفق لها ولا مبدأ غير المتع الجسدية والمبدأ الرأسمالي اللاخلاقي تعريفاً. يصورونها لها أنه لا غنًى لها عنها إن ارادت أن تكون حرة، وفي تلك النماذج وفي تلك المثل يتم حبسها واستعبادها. الحبس والإستعباد لم يعودا حبساً مادياً وسلاسل وأغلال مادية وإنما هي مثل عليا تحبس الفكر وتربطه بالسلاسل إلى الشهوات والمتع ولا غير. فلا أفق لهن بعد هذا الأفق. فصارت المرأة إلى أفدح مما كانت عليه في الغرب، إلى الإستعباد الذاتي بحكم مثل ونماذج تسهر المنظومة الرأسمالية العفنة على ترسيخها في ذهنها. فأي الإستعباد أشر؟!
 
فالحمد لله ثم الحمد لله ثم الحمد لله على نعمة الإسلام الذي جعل غايتنا وقمة سعادتنا في نيل رضوان الله. وشرع للمسلم -بغض النظر عن نوعه، رجلاً كان أو إمرأة- ما يلزمه في علاقته بنفسه وفي علاقته بالآخر وفي علاقته بربه. ولم يخص النوعين بحكم إلا لما إختص به النوع أو لعلة هو يعلمها. "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير".
 
أخيراً، فإن بورقيبة ومن كنا نعرف ومن لم نعرف من الزعماء ومشاهير الكتاب والسياسيين الذين زرعوا هذه البذرة الخبيثة في امتنا وفي بلداننا، كان اغلبهم قد تربوا في المحافل الماسونية وجثوا في ذل وخنوع على ركبهم أمام مبعوثي آل ماسون وأقسموا جهد ايمانهم في عميق خضوعهم أنهم سوف يخدمون أهداف آل ماسون الكافرة ويحافظون على أسرارها (محمد عبده، جمال الدين الأفغاني، الأمر عبد القادر، أتاتورك، جمال عبد الناصر، السادات، حافظ الأسد، مبارك،.... كلهم لا إستثناء). بورقيبة الذي يفتخر سنة 1958 كونه ماسوني -فمن كان يفهمه في ذلك الزمن؟-، قد فتح في عهده محفل الأمير عبد القادر، الماسوني لجلب النخب وأكابر الشخصيات له -فالأمير عبد القادر منقذ الصليبيين من الدروز كان سباقاً في قبول دعوة الإنضمام لمحافل آل ماسون، وتم تعليمه المباديء الماسونية ... وعبد الناصر قد أغلق كل المحافل الماسونية عندما وصل إلى الحكم حتى يفتح محفله الخاص-. فالمحافل الماسونية ومنها محفل بورقيبة، مرتبطة بشبكات نفوذ غربية مرجعيتها فرسان المعبد الذين أنشئوا -النشأة الثانية- من أجل وقف المد الإسلامي نحو أوروبا، وأتموا هدم الخلافة، وكل مهمتهم الآن هي فرض رؤاهم على مجتعنا ومنع دولة الخلافة من العودة إلى الوجود ومنع الإسلام من جديد أن يسود. فهل ما زال في الأرض مسلم -تونسي أو مصري أو من أي بلاد كان،...- يثق  بهؤلاء الذين نقلوا  لنا هذه السموم ودافعوا عنها وكتبوا فيها وطبقوها على المسلمين فلم يجلبوا عليهم إلا وبالاً؟
 
لقد إنقضى زمن العلمانية والحريات والديمقراطية فضلات سميث وروسو وفولتير وروسو ومونتسكيو الفكرية المسرحيات التي اقيمت على مسارح الشعوب ويعاني منها العالم بأسره اليوم، وجاء زمن الإسلام وعدله وخلافته الراشدة على منهاج النبوة. هذه هي الثورة الحقة التي ترسخ مبدأ الأمة عقيدة ونظاماً وتغير النظام الرأسمالي، الذي سامهم سوء العذاب فقراً وإهانة وإذلالاً، تغييراً جذرياً شاملاً نحو تحقق الهوية الكاملة للفرد وللأمة بإقامة نظام ينبثق عن عقيدة الأمة ويرعى الإنسان رعاية شخصية لا رعاية النسب والإحصائيات.
 



شارك على فيس بوك