حق المرأة في العمل

طباعة

ودعوني أبدأُ حلقتي هذهِ بمقولةِ لروز ماري ( مريم هاو) وهي باحثةٌ وصحفِيةٌ إنكليزية، نشأتْ في عائلةٍ نصرانيةٍ متدينة ، ولكنَّها مع بُلوغِها مرحلةَ الوعيِ بدأتْ تفقدُ قناعاتِها الدينيةِ السابقةِ وتتطلعُ إلى دينٍ يمنَحُها الجوابَ المقبول. وفي عام 1977 أعلنتْ إسلامَها.

تقولُ روز ماري : إنَّ الإسلامَ قدْ كرَّمَ المرأةَ وأعطاها حُقوقَها كإنسانةٍ ، وكامرأةٍ ، وعلى عكسِ ما يَظُنُّ الناسُ مِن أنَّ المرأةَ الغربيةَ حصلتْ على حقوقِها ... فالمرأةُ الغربيةُ لا تستطيعُ مثلا أنْ تُمارِسَ إنسانِيَتَها الكاملةَ وحُقوقَها مثلَ المرأةِ المسلمةِ. فقد أصبحَ واجبًا على المرأةِ في الغربِ أنْ تعملَ خارجَ بيتِها لِكَسْبِ العيش . أمَّا المرأةُ المسلمةُ فلها حقُّ الاختيار، ومِنْ حقِّها أنْ يقومَ الرجلُ بِكسبِ القوتِ لها ولبقيةِ أفرادِ الأسرة. فحينَ جعلَ اللهُ سبحانَهُ وتعالى للرجالِ القوامةَ على النساءِ كانَ المقصودُ هُنا أنَّ على الرجلِ أنْ يعملَ ليكسبَ قوتَهُ وقوتَ عائلتِهِ . فالمرأةُ في الإسلامِ لها دورٌ أهمُ وأكبر.. وهو الإنجابُ وتربيةُ الأبناء، ومع ذلكَ فقدْ أعطى الإسلامُ للمرأةِ الحقَّ في العملِ إذا رغِبتْ هي في ذلك، وإذا اقتضتْ ظُروفُها ذلك" ....
جاءَ الإسلامُ بأحكامِهِ لرعايةِ الإنسان، ومِنْ تلكَ الرعاية، ضمانةُ الحاجاتِ الأساسيةِ لكلِ فردٍ ذكرٍ وأنثى مِنْ مَأْكلٍ ومَسكَنٍ ومَلبسٍ وتوفيرِ ما يحتاجُهُ لقضاءِ مَصالِحِهِ البعيدة، وذلكَ بالعملِ. إذ قرَّرَ الإسلامُ، أنَّ العملَ بكلِ أنواعِهِ المشروعة، هو السببُ الأولُ والطريقةُ الأصلية، لوُصولِ الإنسان إلى تمّلكِ المالِ. قال تعالى: " هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ" ( الملك15) وقولُهُ صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أكَلَ أحدُكُم طعاماً قطُ خيراً من أنْ يأكُلَ من عملِ يدِه"

وقدْ جعلَ اللهُ سبحانهُ وتعالى العملَ لكسبِ المالِ فرضاً على الرجل، ولم يجعَلْهُ فرضاً على المرأةِ بل مُباحاً لها، إن شاءَتْ عمِلت، وإنْ شاءتْ لم تعمل. قال تعالى : " لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ " ( الطلاق 7) وذو لا تُطلَقُ إلا على الْمُذكر.

فالعملُ بشكلٍ عامٍ مُباحٌ للمرأة ، والشَّرعُ حينَ نظرَ إلى الأعمالِ التي يَقومُ بِها الإنسانُ بوصفِهِ إنساناً جعلَها مُباحَةً لكلٍ منَ الرجلِ والمرأةِ على السواء، دونَ تفريقٍ بينهما، أو تنويعِ أحدِهِما عنِ الآخر.

لكن ماذا يعمل الإنسان وفي أي مجال يعمل فهذا يندرج تحت أحكام الأعمال الخمسة: وهي: واجبٌ أو مُحرَّمٌ أو مَكروهٌ أو مندوب او مباحٌ.

هذا من حيثُ النظرة إلى أعمالِ الإنسانِ التي يقومُ بِها بوصفِهِ الإنساني

أمَّا مِن حيثُ الأعمال التي يقومُ بِها الذكرُ بِوصفِهِ ذكراً مع وصفِ الإنسانية، وتقومُ بِها الأنثى بوصفِها أُنثى مع وصفِ الإنسانية، فإنَّ الشرعَ قد فرَّقَ بينهُما فيها، ونوَّعَها بالنسبةِ لكلٍ منهما، سواءً من حيث الوجوبِ أو الحرمةِ أو الكراهةِ أو الندبِ أو الإباحة.

ومِنَ الأمثلةِ على ذلكَ الْحُكمُ والسلطانُ فقدْ جعلَهُ الشرعُ للرجالِ دونَ النساء، وأيضاً جعلَ حضانَةَ الأولادِ أبناءً كانوا أم بناتٍ جعلَها للنِّساءِ دونَ الرجال.

وهذا شرعُ اللهِ في المسألةِ وحُكمُهُ فيها لأنَّهُ تعالى هُو أعلمُ بِما يَصلُحُ للإنسانِ. فمُحاولةُ العقلِ حِرمان المرأةِ مِنَ أعمالٍ بِحُجةِ أنَّها ليستْ مِن شأنِها، أو إعطائِها أعمالاً خُصَّ بها الرجلُ باعتبارِ أنَّ هذا الإعطاءَ إنصافٌ لها، وتحقيقٌ للعدالةِ بينَها وبينَ الرجل، كلُ ذلكَ تجاوُزٌ على الشَّرعِ، وخطأٌ محضٌ، وسبَبٌ للفسادِ.

ونعلمُ أنَّ الأصلَ في المرأةِ وعمَلِها الأصلِيِّ أنَّها أمٌ وربةُ بيت، وهذا لا يعني أبداً أنَّها مَحصورةٌ في هذا العمل، ممنوعةٌ مِن مُزاولَةِ غيرِهِ مِنَ الأعمال، بل معناه أنَّ اللهَ خلق المرأة وجعلَها مَحلاً للسَّكَنِ وللنَّسلِ

فالشَّرعُ أباحَ للمرأةِ أنْ تعملَ في الحياةِ العامةِ، كما تعملُ في الحياةِ الخاصة، حيثُ أجازَ لها البيعَ، والإجارةَ والوكالةَ. وجعلَ لها أنْ تُزاولَ الزراعةَ والصناعةَ كما تُزاولُ التجارة، وأنْ تتولى العقودَ، وأنْ تملِكَ كلَّ أنواعِ الملكِ، وأن تُنَمِيَ أموالَها. وأنْ تُباشِرَ شؤونَها في الحياةِ بِنَفْسِها، وأنْ تكونَ شريكَةَ وأجيرة، وأن تستأجِرَ الناسَ والعقاراتِ والأشياءَ، وأنْ تقومَ بسائِر المعاملات. وذلكَ لِعُمومِ خِطاب الشارع، وعدمِ تخصيصِ المرأةِ بالمنعِ

فكلُ هذهِ الأعمالِ وما شاكلَها جائزٌ للمرأةِ أنْ تُزاولَها ، أما الأعمالُ التي حرَّمَ الشرعُ على المرأةِ مزاولَتَها، هي الأعمالُ المتعلقةُ بالحكمِ فلا يجوزُ للمرأةِ أنْ تكونَ رئيسَ دولة، ولا مُعاوناً له، ولا والِياً، ولا عامِلاً، ولا أيَ عملٍ يُعتَبَرُ مِنَ الحُكمِ، لِما رُوي عن أبي بَكرةَ قال: لمَّا بَلَغَ رسولَ الله r أنَّ أهلَ فارسَ مَلَّكُوا عليهِم بنتَ كِسرى قالَ: «لَنْ يُفلِحَ قومٌ ولَّوْا أمرَهُمُ امرأة» أخرجَهُ البخاري. وهذا صريحٌ في النهيِ عن تولي المرأةِ الحُكمَ في ذمِ الذين يُوَلُّونَ أمرَهُمْ للنساء. وَوَلِيُ الأمر، هو الحاكِمُ فولايةُ الحكمِ لا تجوزُ للنساء، أما غيرُ الحكمِ فيجوزُ أنْ تتولاهُ المرأة. وعلى ذلكَ يجوزُ للمرأةِ أنْ تُعَيَنَ في وظائفِ الدولةِ، لأنَّها ليستْ مِنَ الحكمِ وإنَّما تدخُلُ في بابِ الإجارةِ، فالموظَّفُ أجيرٌ خاصٌ عندَ الحكومة، وهو كالأجير عندَ أيِ شخصٍ أو شركة، ويجوزُ لها أنْ تتولى القضاءَ لأنَّ القاضيَ ليسَ حاكِماً وإنَّما هُو يفصِلُ الخصوماتِ بينَ الناس، ويُخبِرُ المتخاصِمَيْنِ بالحكمِ الشرعِي على سبيلِ الإلزام. ولذلكَ عُرِّفَ القضاءُ بأنَّهُ إخبارٌ بالحكمِ على سبيلِ الإلزام. فالقاضي موظفٌ وليسَ بحاكِم، فهو أجيرٌ عندَ الدولةِ كسائِر الأجراء، وما يأخُذُهُ مِنْ بيتِ المالِ هُو أجرةٌ.

ولا يُقالُ إنَّ القاضي معاونٌ للحاكِمِ فيلحَقٌ بِهِ في الحكم، لأنَّ القاضيَ إنَّما هو أجيرٌ عندَ الحاكم، وليسَ مُعاوِناً له، ووظيفتُهُ فهمُ واقعِ المشكلةِ بينَ المتخاصِمين، وتبيانُ انطباقِ الموادِ القانونيةِ في حالةِ التبني للأحكامِ الشرعية، أوِ الأحكامِ الشرعيةِ مُطلقاً في حالةِ عدمِ التبني، على مَنْ يُدينُهُمُ القضاء، ومن لا يُدينُهُم فهو أجيرٌ استُؤجِرَ بأجرٍ مُعينٍ على عملٍ مُعين.

هذا بالنسبةِ للقاضي وللمحتسِبِ. أما بالنسبةِ لقاضي المظالِمِ فإنَّهُ لا يجوزُ أنْ يكونَ امرأة، فلا يجوزُ أنْ تتولى المرأةُ قضاءَ المظالم، لأنَّهُ حُكْم. وواقِعُهُ واقعُ الحكمِ. لأنَّهُ يَرفعُ الْمَظلمةَ التي تقعُ من الحاكِمِ على الناس، سواءٌ ادَّعاها أحد، أم لم يدَّعِها أحد. وهو لا يحتاجُ إلى دعوةِ المدَّعى عليهِ أيِ الحاكِمِ إذا ادَّعى أحدٌ الْمَظلمةَ عليه، بل يجوزُ لهُ أنْ يدعُوَهُ ليجلِسَ بينَ يديه، ويجوزُ أن لا يدعُوَه. لأنَّ الموضوعَ ليسَ الإخبارَ بحكمٍ في قضية، وإنَّما هو رفعُ الظلمِ الذي يقعُ منَ الحاكمِ على الناسِ. فالواقعُ المتمثلُ في قضاءِ المظالمِ أنَّهُ حكمٌ، ولذلك لا يجوزُ للمرأةِ أنْ تتولاه.

ويجوزُ للمرأةِ أيضاً أنْ تكونَ عُضواً في مجلسِ الأمَّةِ في حالَةِ وُجودِ مجلسِ أمّة ، وهذا الأمرُ يَنقُلُنا إلى حقٍّ آخرَ منْ حقوقِ المرأةِ في الإسلامِ ألا وهُوَ حقُّ إبداءِ الرأيِ ودورُها السياسيُ في الحياةِ العامة ، وهذا ما سَنَتَنَاوَلُهُ بإذنِهِ تعالى في حلقتِنا القادمةِ مِن سلسلةِ حلقاتِ قانتاتٍ حافظات .

إلى أنْ نلقاكُمُ الأسبوعَ القادمَ بإذنِهِ تعالى ، نستودعكُمُ اللهَ الذي لا تَضيعُ ودائِعُهُ ، والسلامُ عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
           
15 من شوال 1431
الموافق 2010/09/24م
منقول عن المكتب الإعلامي لحزب التحرير



شارك على فيس بوك