سؤال حول عمل المرأة

طباعة

السؤال:

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

نشكركم على جهدكم في خدمة الدين وإحياء التمسك بالشريعة. ونرجو منكم أن تعطونا فكرة عن العمل المسموح به للمرأة، وهل يسمح مثلا أن تعمل المرأة في دكان تجاري تبيع مواد غذائية. وجزاكم الله عنا كل الخير. 

الجواب:

الكاتب: ياسين بن علي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

 

قال العلامة الشيخ محمد العزيز جعيّط رحمه الله تعالى: "كثيرا ما فوّق المتعصبون من الغربيين سهام الانتقاد على الشريعة بتهمة الإجحاف بحقوق المرأة حتى أثر ذلك على بعض المنتمين إلى الإسلام ممن فتنهم زبرج التمدن الغربي فانصاعوا لأقوال أهله دون تمييز بين السمين والغثيث والطيب والخبيث وأصبح النساء مثار فتنة من ناحية العدل في التشريع كما كن وما زلن حبائل فتنة من ناحية العفة والاستقامة".(1)    

ومن المسائل التي استغلّها كثير من أعداء الإسلام مسألة عمل المرأة؛ حيث انطلق هؤلاء من واقع المرأة في المجتمع الإسلامي خلال فترة من التاريخ لينتقدوا الإسلام دون تمييز بين رأي الإسلام ورأي الناس. فقد جاء الإسلام – كما يقول الشيخ الطاهر بن عاشور- "بإلحاق المرأة بالرجل في التكاليف من اعتقاد وعمل وآداب ومعاملات، وجمع في الأقوال التشريعية بين ذكر الرجال والنساء. قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُو مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُم أَجْرَهُم بِأَحْسَن ما كَانُوا يَعْمَلُونَ}... وأعلنت حقوق المرأة في الإسلام، آية {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف}...".(2) وأمّا الناس فقد وصل التعصّب الأعمى ببعضهم أن قالوا بالتضييق على المرأة وعدم السماح لها بأن تخرج من بيتها، ونادوا بمنعها من أن تزاول أعمالها في الحياة فلا رأي لها في السياسة والاقتصاد والاجتماع وغير ذلك.

والحقيقة، أنّ الأصل في المرأة أنها أمّ وربة بيت؛ لذلك جاء الإسلام بأحكام تتعلّق بالمرأة بوصفها أنثى، كالأحكام التي تتعلق بالحمل والولادة والرضاع والحضانة. فكانت مسؤولية الأمومة أهمّ أعمال المرأة وأعظمها. أخرج البخاري ومسلم: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسئولة عنهم...". 

ولأن المرأة في الأصل أم وربة بيت، فقد جعل الإسلام الكسب والعمل خارج البيت من أجل الإنفاق على الأهل من واجبات الرجل. أخرج الترمذي عن سليمان بن عمرو بن الأحوص قال: حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله، وأثنى عليه، وذكر، ووعظ، فذكر في الحديث قصة فقال : "... ألا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهنّ عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن". وأخرج البخاري عن عائشة أن هند بنت عتبة قالت: "يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف".
إلا أنه ليس معنى كون عمل المرأة الأصلي أنها أم وربة بيت أنها أسيرة في البيت، بل معناه أنّ الله خلق المرأة ليسكن إليها الرجل وليوجد منها النسل والذرية فتكون وظيفتها الأساسية وظيفة الأمومة بما تعنيه من بقاء النوع الإنساني وتربية الأطفال تربية صالحة من أجل المجتمع الصالح. وليس معنى كون الأمومة هي مسؤولية المرأة الأساسية، أنها ممنوعة من مزاولة الأعمال الأخرى، بل للمرأة العمل في الحياة العامة؛ إذ أوجب الإسلام عليها طلب العلم فيما يلزمها من أعمال حياتها، وأوجب عليها الأمر بالمعروف والنهي والمنكر، وأجاز لها البيع والإجارة والوكالة، وجعل لها أن تزاول الزراعة والصناعة والتجارة، وأن تتولى العقود بنفسها، وأن تملك وتنمي ملكها وغير ذلك من الأعمال؛ لعموم خطابات الشارع وعدم تخصيص المرأة بالمنع.
وعليه، فيجوز للمرأة أن تعمل، ولكن بشرط أن يكون العمل مما أباحه الشرع، ومما يقصد منه استغلال جهدها (كالكفاءة العلمية والخبرة وإتقان الصنعة) لا أنوثتها (الجمال والجاذبية). أخرج الحاكم في المستدرك عن طارق بن عبد الرحمن القرشي قال: جاء رفاعة بن رافع إلى مجلس الأنصار فقال: لقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم فذكر أشياء وقال:"نهانا عن كسب الأمة إلا ما عملت بيدها، وقال هكذا بأصبعه نحو الغزل والخبز والنفش". ثمّ إن القاعدة الشرعية (الوسيلة إلى الحرام محرمة) تفيد منع كل عمل يوصل إلى الحرام ولو بغلبة الظن. أخرج البخاري (في باب كسب البغي والإماء من كتاب الإجارة) عن أبي هريرة قال: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كسب الإماء". قال ابن حجر: "ولم يصرح المصنف بالحكم كأنه نبه على أن الممنوع كسب الأمة بالفجور لا بالصنائع الجائزة. قوله (وكره إبراهيم) أي النخعي (أجر النائحة والمغنية) وصله بن أبي شيبة من طريق أبي هاشم عنه وزاد (والكاهن)، وكأن البخاري أشار بهذا الأثر إلى أن النهي في حديث أبي هريرة محمول على ما كانت الحرفة فيه ممنوعة أو تجر إلى أمر ممنوع شرعا لجامع ما بينهما من ارتكاب المعصية".(3)
 
01 محرم 1431هـ

 

__________________

(1) ينظر مقال: "التشريع الإسلامي والمرأة"، المجلة الزيتونية م1 ج4 ص178

(2) ينظر "أصول النظام الاجتماعي"، ص98

(3) ينظر "فتح الباري بشرح صحيح البخاري"، ج5 ص224

 

 

عن الزيتونة



شارك على فيس بوك