دور المرأة في المجتمع الإسلامي

طباعة

المهندس باهر صالح

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد بن عبد الله وعلى أله وصحبه ومن سار على دربه بإحسان وإتقان إلى يوم الدين وبعد:
لقد دفعني إلى تناول هذا الموضوع أمورٌ كثيرة منها:

- الضبابية والغموض اللذانِ أصابا النظام الاجتماعي في الإسلام عند المسلمين بسبب الأفكار المغرضة التي حرص الغرب على ترويجها من أجل النيل من الإسلام بإشاعة فكرة إخفاق الإسلام في معالجة القضايا الاجتماعية ومواكبة التقدم والتطور حتى كادت بعض الأذهان تظن أن النظام الاجتماعي في الإسلام محصور في الزواج والتعدد والطلاق والحجاب وفقط. - وتلك الأفكار التي روج لها الغرب من أن الإسلام قد عطل نصف المجتمع وأساء للمرأة وحرمها من الحياة العامة فرسم صورة سوداوية للنظام الإسلامي حتى وصل الأمر ببعض المسلمين أن تأثروا بتلك الدعاوى فخرجوا عن أحكام الإسلام بل وهاجموه مثلما فعل الترابي.

فكان لا بد لنا من إعطاء تصور عام حول النظام الاجتماعي في الإسلام وعلاقة الرجل بالمرأة في المجتمع ودور المرأة في الحياة الإسلامية حتى يدرك المسلمون أن الله قد شرع لهم أحسن الأحكام وأرقاها وأرحمها بالمرأة والرجل، وحتى يدرك المضبوعون بالغرب أن فساد الحياة الاجتماعية عندنا وعند الغرب وانحطاط العلاقات في المجتمع واضطرابها ما هو إلا بسبب النظام الرأسمالي المطبق في بلادنا منذ ما يقارب المئة عام.

فلقد أساء الغرب إلى الحياة الاجتماعية إساءة ما بعدها إساءة وامتهن المرأة وحط من مكانتها الشيء العظيم، فقد أفسد على الناس حياتهم وأورثهم الهلاك والضنك الشديد بعد أن حول المرأة إلى سلعة تُعرض في المنتديات والملاهي والمقاهي وحتى المحلات التجارية، فقد أصبحت المرأة عندهم تقيم بمقدار إرضائها للزبائن وقدرتها على إغرائهم حتى إنهم لم يعودوا يستحون من اشتراط حسن المظهر والجمال في أية وظيفة شاغرة للمرأة متجاهلين أن للمرأة قيمة إنسانية ووظيفية تماما كالرجل بغض النظر عن مظهرها، رغم أنهم يحاولون أن يبرروا شرطهم بأمور واهية ولكن الحقيقة أنهم امتهنوا المرأة وحطوا من قدرها.
واستغلوا المرأة في المجتمع حين نظروا إليها نظرة اقتصادية جشعة فوجدوا فيها حلا قليل التكلفة فرسخوا في ذهنها أنه يجب عليها أن تجاري الرجل في كل شيء فأرهقوها وحملوها ما لا تطيق، فلم تعد قادرة على التوفيق بين بيتها وعملها فلا بيتا أنصفت ولا عملا أتقنت.
فصار من جراء ذلك التفكك الأسري سمة من سمات المجتمعات الرأسمالية، حتى على مستوى الأسرة النواة. وانتشر الفحش والفجور وغابت العفة والطهارة عن المجتمع فأصبحت الإحصائيات تتحدث عن عشرات حالات الاغتصاب وآلاف حالات الزنا والخيانة الزوجية في الدقيقة الواحدة حتى صار أكثر أبناء المجتمعات الغربية أبناء بلا أباء، فغابت السعادة والطمأنينة من المجتمع حتى باتت أندر من الكبريت الأحمر يحاول الكل جاهدا أن يجد شيئا منها في نهاية الأسبوع أو الأعياد والحفلات وما هو بملاقيها.

فقد جاء في كتاب الإحصاء الوطني الصادر عن إدارة الاقتصاد والإحصاء في مصلحة التجارة الأمريكي:

أن في كل دقيقة في الولايات المتحدة الأمريكية، هنالك 1.3 حالة اغتصاب لنساء بالغات، وتغتصب 78 امرأة في كل ساعة في الولايات المتحدة الأمريكية أي ما يقارب 57000 امرأة شهرياً.. هذا وقد نتج عن الدراسة التي أجريت في إحدى الجامعات الأمريكية مؤخرا أن 25% من الإناث اللاتي أجريت عليهن الدراسة إما أنهن تعرضن للاغتصاب أو أنهن تعرضن إلى محاولة اغتصاب. وقد تبين أن نسبة التحرش الجنسي في الولايات المتحدة الأمريكية هي العليا بين الأمم المتقدمة صناعياً في العالم. وفي عام 1990 تعدى عدد حالات الاغتصاب في الولايات المتحدة الأمريكية 100000 حالة اغتصاب، وهي أعداد في تَنامٍ طبعا منذ ذلك الحين.

هذا وقد صدر عن معهد الدراسات الدولية حول المرأة، ومقره مدريد، التقرير السنوي المسمى بـ قاموس المرأة، وقد جاء فيه:

في عام 1980م: كان هناك (1.553000) حالة إجهاض، 30 % منها لدى نساء لم يتجاوزن العشرين عاماً من أعمارهن، وقالت الشرطة: إن الرقم الحقيقي ثلاثة أضعاف ذلك.

وفي عام 1982 م: 80% من المتزوجات منذ 15 عاماً أصبحن مطلقات.

وفي عام 1984م: 8 ملايين امرأة يعشن وحدهن مع أطفالهن ودون أية مساعدة خارجية.

وفي عام 1986م: 27% من المواطنين يعيشون على حساب النساء.

وفي عام 1997م: بحسب قول جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة اغتصبت امرأة في كل 3 ثوان في المجتمعات الرأسمالية الراقية على حد زعمهم، بينما ردت الجهات الرسمية بأن هذا الرقم مبالغ فيه في حين أن الرقم الحقيقي هو حالة اغتصاب كل 6 ثوان!

وفي عام 1997م: (6) ملايين امرأة عانين سوء المعاملة الجسدية والنفسية بسبب الرجال، 70% من الزوجات يعانين الضرب المبرح، و4 آلاف يقتلن كل عام ضرباً على أيدي أزواجهن أو من يعيشون معهن وذلك في غالبيته العظمى في المجتمعات الرأسمالية الديمقراطية.

وأن 74% من العجائز الفقراء هم من النساء، 85% من هؤلاء يعشن وحيدات دون أي معين أو مساعد.

ومن عام 1980 إلى عام 1990م: كان بالولايات المتحدة وحدها ما يقارب مليون امرأة يعملن في البغاء.

وفي عام 1995م: بلغ دخل مؤسسات الدعارة وأجهزتها الإعلامية 2500 مليون دولار.

وفي الولايات المتحدة فقط 1400 ملجأ للنساء المضروبات، أو الهاربات من أزواجهن، وهن اللاتي لا يجدن ملجأ عند أهل أو أقارب.

و هذا وغيره الكثير الذي نتج عن تطبيق المبدأ الرأسمالي والديمقراطي.

والحقيقة أن الحديث عن مظاهر فساد الحياة الاجتماعية في ظل النظام الرأسمالي يطول فقد أزكم فسادها الأنوف، واكتوى بناره أكثر المسلمين من جراء تطبيق أحكام النظام الرأسمالي في مجتمعاتنا، فاكتظت المحاكم بالشكاوى الزوجية والأسرية، وباتت معدلات الطلاق في ارتفاع مستمر، والعنف الأسري في ازدياد، ونسبة العوانس في نمو. ولا أظن أن أحدا من المسلمين إلا أصابه شر أو شرر من النظام الرأسمالي.

لذلك كان حَرِيّاً بالمضبوعين بالغرب وحضارته أن يعيدوا التفكير مليا في هذا الواقع الفاسد الذي أنتجته حضارة الغرب، والذي يحاول الغرب تصديره لنا من خلال الحكومات والمؤسسات والجمعيات والمفكرين موهما إياهم أن فساد المجتمعات عندنا هو بسبب الإسلام، رغم أن الكل يعلم أن الإسلام غائب عن التطبيق في بلاد المسلمين منذ هدم دولة الخلافة عام 1924م وأن الغرب لديه من المشكلات أضعاف أضعاف ما عندنا رغم عدم تطبيق شيء من أحكام الإسلام. فالمشكلة في الرأسمالية والديمقراطية ولا شك، فَلِمَ الافتراءُ على الإسلام؟!

أما الإسلام الذي غاب تطبيقه عن الحياة منذ ما يقارب المئة عام فقد بنى حياة اجتماعية راقية وأحسن تنظيم علاقة المرأة بالرجل، فكرم المرأة وأنزلها المنزلة التي تليق بها ووفر لها حياة كريمة تحسدها عليها نساء الدنيا كلها، حيث وصل إلى حد أن شبه الإسلام النساء بالقوارير وأمر بالرفق بهن.
ولإعطاء تصور حول الصورة التي رسمها الإسلام للمرأة نتناول المحاور التالية:

أولا: النظرة الإنسانية والعيش المشترك:

لقد خلق الله الإنسان امرأة أو رجلاً في فطرة معينة تمتاز عن الحيوان، فالمرأة إنسان، والرجل إنسان، ولا يختلف أحدهما عن الآخر في الإنسانية، ولا يمتاز أحدهما عن الآخر في شيء من هذه الإنسانية. وقد هيأهما لخوض معترك الحياة بوصف الإنسانية. وجعلهما يعيشان حتماً في مجتمع واحد. وجعل بقاء النوع متوقفاً على اجتماعهما، وعلى وجودهما في كل مجتمع. فلا يجوز أن ينظر لأحدهما إلا كما ينظر للآخر، بأنه إنسان يتمتع بجميع خصائص الإنسان ومقومات حياته، وقد خلق الله في كل منهما طاقة حيوية، هي نفس الطاقة الحيوية التي خلقها في الآخر وجعل في كل منهما قوة التفكير وهي نفس قوة التفكير الموجودة في الآخر. فالعقل الموجود عند الرجل هو نفس العقل الموجود عند المرأة إذ خلقه الله عقلاً للإنسان، وليس عقلاً للرجل أو للمرأة.

ثانيا: مسألة المساواة بين الرجل والمرأة

حين جاء الإسلام بالتكاليف الشرعية التي كلف بها المرأة والرجل، وحين بيّن الأحكام الشرعية التي تعالج أفعال كل منهما، لم ينظر إلى مسألة المساواة أو المفاضلة بينهما أية نظرة، ولم يراعها أية مراعاة. وإنما نظر إلى أن هناك مشكلة معينة تحتاج إلى علاج، فعالجها باعتبارها مشكلة معينة بغضّ النظر عن كونها مشكلة لامرأة أو مشكلة لرجل. فالعلاج هو لفعل الإنسان أي للمشكلة الحادثة، وليست المعالجة للرجل أو للمرأة، kta.gif: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً}
ولهذا لم تكن مسألة المساواة أو عدم المساواة بين الرجل والمرأة موضع بحث. وليست هذه الكلمة موجودة في التشريع الإسلامي، بل الموجود هو حكم شرعي لحادثة وقعت من إنسان معين، سواء أكان رجلاً أم امرأة.
وعلى هذا ليست المساواة بين الرجل والمرأة قضيةً تبحث، ولا هي قضية ذات موضوع في النظام الاجتماعي، لأن كون المرأة تساوي الرجل، أو كون الرجل يساوي المرأة ليس بالأمر ذي البال الذي له تأثير في الحياة الاجتماعية، ولا هو مشكلة محتملة الوقوع في الحياة الإسلامية، وما هذه الجملة إلا من الجمل الموجودة في الغرب، ولا يقولها أحد من المسلمين سوى تقليدٍ للغرب، الذي كان يهضم المرأة حقوقها الطبيعية باعتبارها إنساناً فقد مضى على الغرب قرون طويلة وهو يعتبر المرأة شرا وأنها لا تنزل منزلة الإنسان، فطالبت بهذه الحقوق واتخذ هذا الطلب بحث المساواة طريقاً لنيل هذه الحقوق. وأما الإسلام فلا شأن له بهذه الاصطلاحات لأنه أقام نظامه الاجتماعي على أساس متين يضمن تماسك الجماعة والمجتمع ورقيهما وسعادتهما واستقرارهما واطمئنانهما، ويوفر للمرأة والرجل السعادة الحقيقية اللائقة بكرامة الإنسان الذي كرمه الله.

ثالثا: نظرة الإسلام لما يجب أن تكون عليه نظرة كل من الرجل والمرأة إلى الآخر.

لقد حرص الإسلام على تصحيح نظرة الرجل للمرأة والمرأة للرجل فجعل النظرة نظرة إلى التعاون والعيش المشترك وحال بين أن تتحول هذه النظرة إلى نظرة ذكورة وأنوثة إلا حين التفكير بالزواج.

وحرص الإسلام على الحيلولة دون وجود أجواء وعوامل إثارة النظرة الجنسية في المجتمع. وجعل التعاون بين الرجل والمرأة في شؤون الحياة وفي علاقات الناس بعضهم مع بعض أمراً ثابتاً في جميع المعاملات، فالكل عباد الله، الكل متضامن للخير ولتقوى الله وعبادته.
وشرع مجموعة أحكام لضمان بناء النظرة بناء سليماً على التعاون والعيش المشترك وليس على نظرة الذكورة والأنوثة والجنس، من مثل وجوب غض البصر على كل من المرأة والرجل حيث kta.gif: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ } و {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ}، وأوجب اللباس الكامل المحتشم للمرأة kta.gif {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ } ومنع الخلوة فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) وحرم التبرج وإبداء الزينة للرجال الأجانب، kta.gif: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ} وقال: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ...}إلى آخر الآية الكريمة

وحرص على أن تكون جماعة النساء منفصلة عن جماعة الرجال في الحياة الخاصة والحياة العامة ففصل بين المرأة والرجل حتى في الصلاة والخروج من المسجد، ولم يستثن من وجوب الانفصال في الحياة العامة والحياة الخاصة إلا ما جاء نص واستثناه.
فأجاز لها البيع والشراء والأخذ والعطاء وأوجب عليها الحج وأجاز لها حضور صلاة الجماعة وإن كانت هذه الأفعال تقتضي الاجتماع فيجوز لأجلها الاجتماع في حدود العمل وفي حدود أحكام الشرع.

رابعا: المرأة والرجل أمام التكاليف الشرعية

إن طبيعة نظرة الإسلام التشريعية تجعل الأعمال التي يقوم بها الإنسان بوصفه إنساناً مباحة لكل من الرجل والمرأة على السواء، دون تفريق بينهما، أو تنويع أحدهما عن الآخر. وتجعل هذه الأعمال واجبة أو محرمة أو مكروهة أو مندوبة دون أي تفريق أو تنويع. أما الأعمال التي يقوم بها الذكر بوصفه ذكراً مع وصف الإنسانية، وتقوم بها الأنثى بوصفها أُنثى مع وصف الإنسانية، فإن الشرع قد فرق بينهما فيها، ونوَّعها بالنسبة لكل منهما، سواء من حيث الوجوب أو الحرمة أو الكراهة أو الندب أو الإباحة.
ومن هنا نجد أن الحكم والسلطان قد جعله الشرع للرجال دون النساء، وأوجب النفقة والعمل على الرجل ولم يوجبه على المرأة kta.gif: {وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}وفي المقابل نجده قد جعل حضانة الأولاد أبناء كانوا أو بنات للنساء دون الرجال. ولذلك كان لا بد من أن توكل الأعمال التي تتعلق بالأنثى بوصفها أنثى للنساء، وأن توكل الأعمال التي تتعلق بالذكر بوصفه ذكراً للرجال.
ولما كان الله تعالى وهو الذي خلق الذكر والأنثى أعلم بما هو من شأن الرجل أو شأن المرأة، كان لا بد من الوقوف عند حد الأحكام التي شرعها دون مجاوزتها، سواء أكانت للرجال وحدهم، أم للنساء وحدهن، أم للإنسان بغض النظر عن كونه رجلاً أو امرأة، لأنه هو أعلم بما يصلح للإنسان. فمحاولة العقل حرمان المرأة من أعمال بحجة أنها ليست من شأنها، أو إعطائها أعمالاً خص بها الرجل باعتبار أن هذا الإعطاء إنصاف لها، وتحقيق للعدالة بينها وبين الرجل، كل ذلك تجاوز على الشرع، وخطأ محض، وسبب للفساد.

خامسا: عمل المرأة

لقد جعل الشرع المرأة أُماً وربة بيت، فجاءها بأحكام تتعلق بالحمل، وأحكام تتعلق بالولادة، وأحكام تتعلق بالرضاع، وأحكام تتعلق بالحضانة، وأحكام تتعلق بالعدة. ولم يجعل للرجل شيئاً من ذلك، لأن هذه أحكام تتعلق بالأنثى بوصفها أُنثى، فألقى عليها مسؤولية الطفل من حمل، وولادة، وإرضاع، وحضانة. فكانت هذه المسؤولية أهم أعمالها وأعظم مسؤولياتها. ومن هنا يمكن أن يقال إن العمل الأصلي للمرأة هو أنها أُم وربة بيت، لأن في هذا العمل بقاءَ النوع الإنساني، ولأنها قد اختصت به دون الرجل. وعليه فإنه يجب أن يكون واضحاً أنه مهما أُسند للمرأة من أعمال، ومهما ألقي عليها من تكاليف، فيجب أن يظل عملها الأصلي هو الأمومة، وتربية الأولاد. ولذلك نجد الشرع قد سمح لها أن تفطر في رمضان وهي حامل أو مرضع، وأسقط عنها الصلاة وهي حائض أو نفساء، ومنع الرجل من أن يسافر بابنه من بلدها ما دامت تحضنه، كل ذلك من أجل إتمام عملها الأصلي، وهو كونها أماً وربةَ بيت.

إلا أنه ليس معنى كون عملها الأصلي أنها أم وربة بيت أنها محصورة في هذا العمل، ممنوعة من مزاولة غيره من الأعمال، بل معناه هو أن الله خلق المرأة ليسكن إليها الرجل، وليوجد منها النسل والذرية. kta.gif: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }
ولكنه خلقها في نفس الوقت لتعمل في الحياة العامة، كما تعمل في الحياة الخاصة. فأوجب عليها، حمل الدعوة ومحاسبة الحكام، وطلب العلم فيما يلزمها من أعمال حياتها. وأجاز لها البيع، والإجارة والوكالة. وحرم عليها الكذب والغدر، والخيانة. كما أوجب ذلك على الرجل وأجازه له، وحرمه عليه. وجعل لها أن تزاول الزراعة والصناعة كما تزاول التجارة، وأن تتولى العقود، وأن تملك كل أنواع الملك، وأن تنمي أموالها. وأن تباشر شؤونها في الحياة بنفسها، وأن تكون شريكة وأجيرة، وأن تستأجر الناس والعقارات والأشياء، وأن تقوم بسائر المعاملات. وذلك لعموم خطابات الشارع، وعدم تخصيص المرأة بالمنع.

إلا أنه لا يجوز للمرأة أن تتولى الحكم، فلا تكون رئيس دولة، ولا معاوناً له، ولا والياً، ولا أي عمل يعتبر من الحكم، لما رُوي عن أبي بكرة قال: لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى قال: «لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة» أخرجه البخاري. وهذا صريح في النهي عن تولي المرأة الحكم في ذم الذين يولون أمرهم للنساء. وولي الأمر، هو الحاكم.

فولاية الحكم لا تجوز للنساء، أما غير الحكم فيجوز أن تتولاه المرأة. وعلى ذلك يجوز للمرأة أن تعين في وظائف الدولة، لأنها ليست من الحكم، ويجوز لها أن تتولى القضاء لأن القاضي ليس حاكماً وإنما هو يفصل الخصومات بين الناس، فعن عمر بن الخطاب- rda.gif- ولى ( الشفاء )- وهي امرأة من قومه- السوق أي قاضي حسبة، أما بالنسبة لقاضي المظالم فإنه لا يجوز أن يكون امرأة، فلا يجوز أن تتولى المرأة قضاء المظالم، لأنه حكم. وواقعه واقع الحكم.
كما أجاز للمرأة أن تنتخب وتُنتخب لمجلس الأمة، وان تمارس كافة أعماله من الشورى والمحاسبة والقوامة على تطبيق الإسلام، kta.gif: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}

سادسا: نظرة الإسلام لما يجب أن تكون عليه الجماعة الإسلامية

إن الإسلام قد ضمن للمرأة حقوقها وحافظ على عفتها فالنظام الاجتماعي في الإسلام أحكام شرعية متعددة، آخذ بعضها برقاب بعض، ولا يعني طلب التقيد في حكم منها ترك التقيد في غيره، بل لا بد من تقيد المسلم والمسلمة بأحكام الشرع جميعها، حتى لا يحصل التناقض في الشخص الواحد، فيبدو التناقض في الأحكام.
فالإسلام لا يعني في إباحة الأعمال للمرأة أن تذهب إلى دائرة الدولة التي تعمل فيها موظفة ولو ممرضة في مستشفى، بعد أن تكون قد أخذت زينتها، وأعدَّت نفسها كأنها ستزَف وهي عروس، وتذهب تتبدَّى للرجال بهذه الزينة المغرية، تهتف بهم أن تهفو شهواتهم نحوها. ولا يعني أن تذهب إلى المتجر في مثل هذه الزينة، تباشر البيع في حال من التطرّي والإغراء، وبأسلوب من الحديث يغري المشتري أن يتمتع بمساقطتها الحديث أثناء هذه المساومة، في سبيل أن تغلي عليه ثمن السلعة، أو تغريَه بالشراء، ولا يعني الإسلام أن تشتغل كاتبة عند محام، أو سكرتيرة لصاحب أعمال، وتترك تختلي به كلما احتاج العمل إلى الخلوة، وتلبس له من الثياب ما يكشف شعرها وصدرها، وظهرها، وذراعيها، وساقيها، وتبدي له ما يشتهي من جسمها العاري.

كلا لا يعني الإسلام شيئاً من ذلك، ولا أمثاله مما يحصل في هذه الجماعة التي تعيش في مجتمع غير إسلامي، تسيطر عليه طريقة الغرب في الحياة الذي لا قيمة عنده إلا للمنفعة والربح المادي. وإنما يعني الإسلام أن يطبق المسلم أحكام الإسلام كلها على نفسه وتطبق الدولة الأنظمة كلها على المجتمع. فحين أباح الإسلام للمرأة أن تباشر البيع والشراء في السوق منعها من أن تخرج إليه متبرجة، ومنعها من أن تباشر أي عمل يُستغل فيه أنوثتها فعن رافع بن رفاعة قال: { نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن كسب الأمة إلا ما عملت بيديها , وقال هكذا بأصابعه نحو الخبز والغزل والنفش } رواه أحمد. فالاعتقاد بالإسلام يحتم على المسلم تطبيق جميع أحكامه على نفسه ويحتم على الدولة أن تطبق كل الأنظمة والمعالجات على المجتمع وهو ما يضمن حياة سليمة صحيحة، سالمة من كل شر.

لقد شرع الله لنا نظاما اجتماعيا فريدا من نوعه، لا إفراط فيه ولا تفريط، نظاما حافظ على الجماعة الإسلامية وراعى العفة والطهارة في المجتمع، لم يظلم فيه المرأة ولا الرجل، فلم يرهقِ المرأةَ ويحمِّلْها ما لا تحتمل، وأجاز لها أن تمارس حياتها الطبيعية في جو من التعاون والتضامن البعيد كل البعد عن أجواء الفجور وانعدام الحياء، وفي نفس الوقت حمل الرجل ما يجب عليه أن يحمله ولم يسمح له باستغلال المرأة وضعفها وحاجتها، حتى أصبحت المجتمعات الإسلامية من أرقى المجتمعات وأسعدها عندما طبق الإسلام كاملا في دولة الخلافة لمدة 14 قرنا مضت.
فإن كل من يعرف التاريخ بأبسط صورة ودون تمحل وتشويه يعرف أن المسلمين عندما كانوا يطبقون الإسلام كانوا سادة العالم ومنارة العلم أعزاء لا يحتل العدو أرضهم ولا يطمع فيهم طامع، بل كانوا مثلاً للدنيا يحتذى، وأنهم لم يهبطوا للدرك الأسفل ولم يذلوا ولم يتأخروا إلاّ بعد أن بدأ يضعف تطبيقهم للإسلام وبلغ أوجه بعد أن توقف تطبيق الإسلام بهدم دولة الخلافة

فبعد غياب دولة الإسلام عن الحياة وتطبيق الرأسمالية على المسلمين أصبحت الصورة الحقيقية لما أراده الإسلام للمجتمع غائبة عن الأذهان وغير متصورة، وللأسف الشديد فقد حرص الإعلام المأجور والأقلام المتأثرة بالغرب أن يربطوا بين تردي أوضاع المسلمين وانحطاطهم اقتصادياً وصناعياً بالإسلام وحاولوا بأساليب ملتوية مضللة أن يوهموا جماهير المسلمين بأن تقدمهم ورقيهم لن يحصل إلاّ إذا اعتنقوا أفكار الغرب الرأسمالية كالحريات والديمقراطية والعلمانية، وأن تأخرهم يرجع إلى الإسلام وأنه سبب التأخر والانحطاط.

ولذلك قام حزب التحرير بالعمل على إعادة ثقة الأمة بإسلامها فقام بإصدار الكتب والإصدارات في مختلف مناحي الحياة من حكم واقتصاد وتعليم وفقه وأصول وسياسة وكلها تري صلاحية الإسلام وتميزه عن غيره، ومن هذه الكتب كان كتاب النظام الاجتماعي في الإسلام الذي رسم فيه كل الخطوط العريضة للجماعة الإسلامية ودور المرأة وعلاقتها بالرجل عندما تقوم دولة الخلافة ويطبق فيها الإسلام قريبا إن شاء الله.
وإلى ذلك اليوم الذي بات قريبا بعون الله، فإنا ندعو المسلمين أن يطبقوا على أنفسهم ما استطاعوا من أحكام النظام الاجتماعي في الإسلام حتى يرضوا الله أولا ويخففوا عنهم شيئا من نار الرأسمالية المطبقة عليهم. وأن يعملوا لإقامة دولة الخلافة التي تنزل هذا النظام منزل التطبيق فتسعد به البشرية جمعاء، وما ذلك على الله بعزيز.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 



شارك على فيس بوك