أحداث سيدي بوزيد تتحول إلى معركة إعلامية رأس حربتها فيسبوك

طباعة

سيدي بوزيد ليست فقط عنوانا لأحداث الاحتجاجات الاجتماعية الواسعة التي تشهدها تونس منذ عشرة أيام، بل تحولت ايضا إلى عنوان معركة إعلامية مفتوحة ورأس حربتها شبكة"فيسبوك" الاجتماعية، في ظل تعتيم إعلامي رسمي على الأحداث.

لم ينتظر أهالي محافظة سيدي بوزيد (وسط تونس) التي تشهد  منذ السابع عشر من ديسمبر/كانون الأول 2010 اضطرابات اجتماعية عنيفة احتجاجا على "البطالة وتردي ظروف المعيشة" قدوم مراسلي وكالات الأنباء العالمية أو الفضائيات والصحف والمواقع الالكترونية لتغطية الأحداث بمحافظتهم وإسماع أصواتهم، بل إنّهم وفّروا بأنفسهم فور اندلاع هذه الاضطرابات وباعتماد هواتفهم الجوالة وشبكة التواصل الاجتماعي "فيسبوك" مادة صوتية وبصرية لم تجد الفضائيات العربية والأجنبية بديلا عنها في تغطية الأحداث بالمحافظة.


عبارات من قبيل "وأظهرت مقاطع فيديو وصور تم تناقلها على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك..." سجلت حضورها بقوة في التقارير اليومية للفضائيات ووكالات الأنباء والصحف الالكترونية الأجنبية التي لم يتسن لمراسليها التنقل إلى مسرح الأحداث بعد أن طوقت السلطات المنطقة أمنيا ومنعت وصول المراسلين إليها.

وقد أشعلت أحداث سيدي بوزيد جدلا في تونس حول اعتماد وسائل الإعلام في تغطية الأحداث على ما تبثه الشبكة الاجتماعية وخصوصا فيسبوك الذي شكل رأس حربة في بث المعلومات ولقطات الفيديو والصور عن الأحداث، وقد ظهر صدى هذا الجدل في أول رد فعل للرئيس التونسي زين العابدين بن علي على أحداث سيدي بوزيد، واتهم فيه بعض القنوات الأجنبية ودون أن يسميها، ببث" الأكاذيب والمغالطات دون تحر بل باعتماد التهويل والتحريض والتجني الإعلامي العدائي لتونس".

 

انتقادات للتعتيم الرسمي

حادثة محاولة انتحار الشاب محمد بوعزيزي حرقا التي كانت بمثابة الشرارة التي اشعلت الاحتجاجات في منطقة سيدي بوزيد ثم اتسعت إلى مناطق مختلفة من البلاد، هذه الحادثة تجاهلتها وسائل الإعلام الرسمية التونسية في بداية الأمر ، وبعد ثلاثة أيام من الحادثة نشرت وكالة الأنباء التونسية بيانا - أعادت الصحف الرسمية والخاصة نشره في اليوم الموالي- قالت فيه إن الشاب يرقد في مستشفى الإصابات والحروق البليغة جنوب العاصمة تونس دون أن تورد تفاصيل عن وضعه الصحي. وانتقد البيان ما وصفه ب"محاولات بعض الأطراف الانحراف بهذه الحادثة الشخصية المعزولة عن سياقها الحقيقي واستغلالها لأغراض سياسية غير شريفة وربطها بغرض التضليل والإثارة بحقوق الإنسان والحريات والتشكيك في مقومات التنمية بالجهة".

ومن جهتها احجمت كبريات الصحف اليومية والتي توصف بأنها موالية للحكومة عن تناول عن التفاصيل التي أحاطت بمحاولة الانتحار وما تلاها من احتجاجات، لكنها شنت حملة ضد معارضين تتهمهم السلطات بـ "توظيف" هذه الحادثة لأغراض سياسية. وعند سقوط قتيل في مدينة منزل بوزيان قالت وزارة الداخلية التونسية أن رجال الأمن "اضطروا" لاستعمال السلاح بعد أن هاجم المتظاهرون مركز الحرس في المدينة بالحجارة و الزجاجات الحارقة وأحرقوا ثلاث سيارات شرطة معتبرة أنهم كانوا في "حالة دفاع شرعي عن النفس".

واكتفت وسائل الإعلام الرسمية طوال هذه الفترة بنشر وبث 3 بيانات رسمية أصدرتها الحكومة أيام 20 و22 و24 ديسمبر ولم يبث التلفزيون الرسمي أي برنامج خاص حول الأحداث في سيدي بوزيد. فيما اعتبر نشر جريدة "الصباح" التونسية التي يملكها صخر الماطري صهر الرئيس التونسي يوم 27 ديسمبر حوارا حصريّا وصف بـ"الجريء" مع عائلة الشاب الذي أحرق نفسه رغم أنه جاء بعد نحو 10 أيام من محاولة الانتحار وصف بأنه "حدث بكل المقاييس" داخل البلد الذي يواجه اتهامات مستمرة بخنق حرية التعبير.

الحزب الديمقراطي التقدمي وحركة التجديد وهما من أبرز أحزاب المعارضة المشروعة في تونس أعلنا يوم الاثنين 27 ديسمبر 2010 أن السلطات حجزت العدد الأخير من الصحيفتين الأسبوعيتين الناطقتين باسميها بعد أن تضمّنتا تغطية لأحداث سيدي بوزيد. وكان حزب "التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات" المعارض انتقد بشدة في بيان أصدره يوم 24 ديسمبر "التعتيم الإعلامي الذي واكب الاحتجاجات على المستوى الوطني وأساسا في أجهزة الإعلام الرسمية" معتبرا أنه "أدّى إلى تحوّل هذه الاحتجاجات إلى مواجهات ومصادمات بين قوى الأمن والمواطنين الغاضبين".
 

الإفلات من الرقابة

وفي ظل غياب وسائل الإعلام التقليدية(صحافة مكتوبة ووكالات الأنباء وإذاعات وتلفزيون) عن تغطية الأحداث، أسس مستعملو الانترنت حسابات خاصة على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك خصصوها بشكل حصري للتغطية الفورية لآخر الأحداث ذات الصلة بالاحتجاجات التي بدأت في سيدي بوزيد ثم امتدت إلى محافظات أخرى ما جعل الشبكة مصدرا رئيسيا للأخبار والصور ومقاطع الفيديو التي تستند إليها القنوات الفضائية وبعض وكالات الأنباء العالمية والمواقع الالكترونية لإعداد تقاريرها حول الاحتجاجات.

الصحافي والمدون سفيان الشورابي قال ل"دويتشه فيله" إن فيسبوك "كشف المستور وفضح التعتيم" مشيرا إلى أن القنوات التلفزيونية والإذاعات الأجنبية لم تجد بديلا لتأثيث تقاريرها حول الأحداث في سيدي بوزيد إلا بما تم تداوله على فيسبوك. وتحدث الشورابي الذي يعمل صحافيا بصحيفة " الطريق الجديد" الناطقة بإسم حزب التجديد المعارض، عن"حملة حجب شعواء قامت في إطارها السلطات بحجب كل صفحات الفيسبوك الخاصة بتغطية الاحتجاجات دون استثناء بمجرد إطلاقها"، لكنه لاحظ أن اعتماد كاسرات الحجب "بروكسي" كان "حلا مؤقتا" لتجاوز الرقابة مضيفا أن أجهزة الأمن "حذرت أصحاب مقاهي الانترنت من تجهيز الحواسيب بالبروكسي حتى لا يتم النفاذ إلى صفحات فيسبوك المحجوبة". 

الشاب رمزي حمدي الذي يقطن مدينة منزل بوزيان التي وقعت فيها أعنف الاحتجاجات بمحافظة سيدي بوزيد قال ل"دويتشه فيله" إنه يعتمد فيسبوك كوسيط مع العالم الخارجي لنقل كل ما جرى ويجري في المدينة من أحداث. وأضاف:"عمدت السلطات إلى إضعاف تدفق بث الانترنت في المدينة إلى أدنى مستوى وخرب رجال أمن مقاهي انترنت إثر الأحداث الدّامية الأخيرة حتى لا ننشر على فيسبوك التجاوزات والانتهاكات الكبيرة التي تورطت فيها قوات الأمن ..لكنني مازلت قادرا على تحيين صفحتي الشخصية على فيسبوك انطلاقا من هاتفي الجوال المزود بتقنية فايسبوك موبايل".

أما نورالدين المباركي الصحافي في جريدة "الوطن" التونسية الأسبوعية الناطقة بإسم حزب "التحاد الديمقراطي الوحدوي" (ممثل في البرلمان) فقد لفت إلى أن المتابعة الإعلامية لأحداث مدينة سيدي بوزيد والمناطق المجاورة لها بينت أهمية الشبكة الاجتماعية (فايسبوك) كمصدر للأخبار بالنسبة للإعلاميين مفسرا ذلك بالنسبة الكبيرة للمشتركين في الفيسبوك داخل تونس والانتشار الواسع لامتلاك  الهواتف الجوالة المجهزة بكاميرات في صفوف السكان وعلى نطاق واسع.


فيسبوك رأس الحربة

وحسب موقع "بيكريرز الاجتماعي" الذي يقدم إحصائيات حول عدد مستعملي الفيسبوك في العالم، فإن عدد التونسيين الذين استعملوا الفيسبوك خلال الفترة ما بين 18 و26 ديسمبر 2010 (وهي الفترة التي عرفت ذروة الأحداث) لم ينزل عن مليون و820 ألف مستعمل يوميا بعد أن كان في عند مليون و790 ألفا قبل الاحتجاجات.

لكن استخدام فيسبوك على نطاق واسع في أحداث سيدي بوزيد، أثار جدلا موازيا حول مدى مصداقية التقارير الإعلامية التي تستند إلى مواد الفيديو والمعلومات التي تبث عبر الشبكة الإجتماعية.

وبرأي الصحافي نور الدين المباركي فإن استناد الإعلامي إلى شبكة فيسبوك كأحد مصادر الخبر "ليس بدعة" وأن ذلك معتمد في العالم بأسره وخاصة لما توفره هذه الشبكة من "متابعة حينية للأحداث" مما دفع خلال السنوات  للحديث عن "الإعلام الجديد" و "إعلام المواطن". لكنه حذّر في المقابل من أن "الفاعلين والناشطين" في شبكة  فيسبوك  أو المدونات "لا تحكمهم ضوابط مهنية كما هو الشأن بالنسبة للصحفي المحترف إنما هم  في الغالب متابعون  ليست لهم  كفاءة أو خبرة فنية أو إعلامية أو صحفية مما يتطلب الانتباه و التدقيق في نشر كل ما يصدر  أو ينشر عنهم".

وأضاف المباركي أن "الصحافي المحترف الذي تضبط مهنته مجموعة من المعايير والضوابط والقيم مطالب عند اعتماده على فيسبوك أن يكون مهنيا و أن يحترم ضوابطه، والخطأ أن لا يقوم بذلك" مشيرا إلى أن "عدة تجارب بينت المآزق التي تتسبب فيها هذه الفضاءات الافتراضية عند نقل ما تنشره في وسائل إعلام مهنية دون تثبت وتدقيق".

هيثم الناشط في صلب حزب التجمع الدستوري الديمقراطي (الحاكم) حذّر من "الانزلاقات الخطيرة" عند اعتماد فيسبوك. وقال لدويتشه فيله "نشروا صورة لطفل عاري الظهر زعموا أن شرطة منزل بوزيان عذبته وأطفأت أعقاب السجائر على ظهره لكن تبين فيما بعد أن الصورة مفبركة". وأضاف هناك ''جهات معادية انقضت على السلطة في هذا الظرف وشرعت عبر شبكة فيسبوك في تحريض مستعملي الانترنت ودعوتهم إلى العصيان المدني ضد الحكم القائم وهذا قد يؤدي إلى عواقب غير محمودة" ملاحظا أن هذه "الجهات لا تنقل الأخبار والمعلومات والمعطيات كما هي بل تحرّفها وتوجّهها حسب آرائها وتوجهاتها وأجنداتها المغرضة".

وتضمنت مقاطع الفيديو التي تبث على الشبكة الاجتماعية مشاهد لمحتجين يرفعون شعارات مناهضة لحكم الرئيس بن علي وطالت أحيانا محيطه العائلي واتهمته ب" الفساد". ولم يتوقف استعمال فيسبوك عند نقل الصور والأخبار ومقاطع الفيديو بل تعدى ذلك ليصبح فضاء للتعبير عن الآراء والمواقف حول ما يجري من احتجاجات في البلاد. وقد دخل بعض مغنّي الراب على الخط إذ بثوا على الفيسبوك أغاني جديدة أعدوها خصيصا لهذا الظرف ومجّدوا فيها "شهداء" سيدي بوزيد و"نضال" أهاليها ضد "الظلم" و"القمع".
 

أحداث سيدي بوزيد و"الجزيرة"

وقد فجرت أحداث سيدي بوزيد جدلا حول تغطية بعض القنوات الفضائية للأحداث، وخصوصا قناة "الجزيرة" القطرية، وتتباين آراء التونسيين حول هذا الموضوع.

منذر، طالب في كلية الحقوق بتونس العاصمة، قال لدويتشه فيله إن "التونسيين الذي يطالبون منذ عقود بإعلام مستقل لا يزيّف الحقائق ولا يحرّفها، كرهوا بشكل نهائي خلال هذه الأزمة التلفزيون الرسمي والخاص في تونس فيما ازدادت شعبية قناة الجزيرة القطرية". وأضاف:"اعتبر قناة الجزيرة قناة وطنية فهي تنقل طوال اليوم آخر التطورات الحاصلة في البلد فيما تجاهلت تلفزيوناتنا التي تغط في نوم عميق الأمر نهائيا".

وما امتدحه منذر رأى فيه مجلس النواب التونسي في بيان له صدر في خضم الأحداث "حملات إعلامية مغرضة تشنها قناة الجزيرة بهدف تشويه سمعة تونس". ويسيطر حزب التجمع الدستوري الحاكم على مجلس النواب، كما أن أربعة أحزاب ممثلة في المجلس أعربت بدورها عن استنكارها لما وصفته ب"أسلوب تهويل وتزييف" في تغطية قناة الجزيرة للأحداث. وأشاروا إلى "تجاوزات مهنية وخاصة بحجم المسيرات التضامنية التي تنظّم وخلفيتها الصحيحة وأعطتها حجما أكبر مما هي عليه ميدانيا".

ومن جهتها ردت قناة "الجزيرة" عبر مقدمي برامجها السياسية والإخبارية على تلك الانتقادات وقالت إنها كانت تنقل آراء كافة الأطراف بما فيها رأي الحكومة التونسية، إذ انفردت القناة بحوار مطول مع وزير التنمية والتعاون الدولي التونسي.

 

منير السويسي - تونس
مراجعة: منصف السليمي
عن دويتشه فيله
http://www.dw-world.de/dw/article/9799/0,,14741158,00.html
   

 



شارك على فيس بوك