جهودنا العربية لإنقاذ الـB.P الاستعمارية

طباعة

أمير سعيد

قال لي صديقي ـ وهو أحد خبراء النفط في الخليج ـ عندما بدأت مشكلة بقعة الزيت في خليج المكسيك في إبريل الماضي: "إنها بداية النهاية لـB.P وهذا النزيف النفطي الذي يحاولون إخفاء تداعياته الحقيقية سيفضي إلى انهيار الشركة البريطانية العملاقة التي تعمل في مجال النفط وتستنزف طاقاتنا"، وأسهب الرجل في شرح حجم الخسائر المتوقعة، والتي أشهد أنها كان سباقاً في توقعها وجاءت الأنباء لتؤكدها كما قال، بل لم تصل بعد للرقم الذي توقعه وهو تريليون دولار كرقم مهول متوقع كفيل بكسر العمود الفقري لأي اقتصاد مهما كانت ضخامته وقدرته على التحمل، لكنني مع ذلك أجبته بائساً بأننا للأسف من سيدفع الثمن، وستجد فوراً من يهرع إلى البريطانيين والأمريكيين ليساهم في حل أزمتهم ويحول دون انهيار إحدى أكبر الشركات "الاستعمارية" الاستنزافية للثروات الإسلامية وغير الإسلامية ـ لاسيما في إفريقيا ـ في العالم، وأن "الحلفاء" لن يرق لهم جفن حتى يقيلوا الشركة التي سرقتنا في كل وادٍ وبادٍ.


سكت صديقي آسفاً لحالنا مقراً بما توقعته، لكن الأنباء لم تسكت، بل توالت مؤكدة سحب أرجل دولنا الثرية في هذه المخاضة النفطية؛ فثمة فريق عمل سعودي توجه على الفور إلى لندن للتفاوض بشكل مباشر مع الشركة لشراء حصة في الشركة التي تبذل جهوداً مكثفة لمعالجة الآثار المالية المترتبة على التسرب النفطي الضخم في خليج المكسيك، حيث زار الرئيس التنفيذي للشركة توني هيوارد أبوظبي فيما وصف بأنه "زيارة مقررة لشريك مساهم وبهدف لقاء مستثمرين محتملين"، حيث يعتزم المسؤول الرفيع "مناقشة امتيازات B.P مع شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)" بحسب مصدر إماراتي رفض الكشف عن هويته لصحيفة الاقتصادية السعودية (7 يوليو الجاري)، مضيفاً أن مسؤولي الشركة "فاتحوا صناديق سيادية للاستحواذ على حصة في الشركة، لتفادي عملية استحواذ محتملة من شركات نفط أخرى عملاقة، مثل اكسون موبيل وتوتال"، وما لم يضفه المصدر الإماراتي، يمكننا إضافته؛ فالشركة لا تريد أن يستحوذ عليها "استعماري" آخر يعرف كيف يقتنص الفرص ويرفض أن يكون مطية للشركة وإنما سيأخذ الكعكة وحده ولن يرضى أبداً بالنسبة التي يرضاها المستثمرون العرب، وهي بحسب المصدر "تتراوح بين 10 و15%"، ولأننا ـ كعادتنا ـ دائماً نقبل هذه النسبة أو أعلى منها بقليل والتي أشرت إليها في مقال سابق هنا بعنوان "اليونان مأزومة.. لماذا لا تستعمرنا؟!" بحيث لا يمكننا التحكم في قراراتها وإنما نستخدم فيها كمطية "أممية" تعتلي فيها الشركة ظهورنا للعبور إلى انتعاشها من جديد ثم تلفظنا مجدداً إن أرادت أي أنها ببساطة تقامر بأموالنا وتوظفنا في حالة الركود وتنعش آمالها بالنهوض على أكتافنا.

والشركة لا تريد فقط مفاتحة "صناديق الثروة السيادية بما في ذلك صناديق أبوظبي والكويت وقطر وسنغافورة" ـ كما قال المصدر ـ (وأيضاً هناك عرض ليبي في الطريق)، وإنما هي تريد أيضاً الترحيب بكل مستثمر سمح له بأن يكون مستثمراً في عالمنا العربي بشكل "مشروع غربياً".

على أية حال؛ فالقصة بدأت بشكل طريف عندما سعت بريطانيا والولايات المتحدة إلى الاستغناء عن نفطنا العربي باستخراج النفط من مناطق عميقة جداً لاسيما في خليج المكسيك، وهي عمليات لا تخلو من مخاطر كما أنها تحتاج لتقنيات عالية، كما أنها تطبق معايير غاية في الصرامة فيما يخص تأمين استخراج النفط على أعماق سحيقة تصل إلى 1200 متر، فأسندت المهمة لشركة بريتش بتروليوم B.P)) لكنها في إحدى محاولاتها لاستخراج كمية هائلة من النفط الأمريكي ارتكبت غلطة كبيرة جداً، تحتاج بمفردها إلى مقال تالٍ لأهميتها وطرافتها ودلالتها، أما في هذا الموضع فيكفينا أن نقول أن تلك الغلطة أدت إلى تسرب هائل حاولت الشركة التقليل من حجمه وآثاره ثم ما برحت تحاول التملص من مسؤوليتها تجاه تطهير شطآن ثلاث ولايات أمريكية من آثارها البيئية المدمرة، والتي نجم عنها خسائر تقدر مبدئياً بــنحو 100 مليار دولار كرقم أولي لخسائر الشركة السوقية غير أن الدولة النفطية المستضيفة للشركة ليست جمهورية موز أو دولة نفطية صغيرة تعجز عن إلزام الشركة بتكاليف جريمتها البيئية والاقتصادية الباهظة وإنما دولة بحجم الولايات المتحدة في وسعها أن ترغم أنف الشركة ودولتها الحاضنة ولو كانت "الدولة الأم"، وعليه فقد كانت المصيبة فادحة وسرعان ما جلس الرئيس الأمريكي أوباما مع رئيس الحكومة البريطانية كاميرون واتفقا على "إلزام ما لا يلزم"، وهو دفع "الحلفاء" العرب ثمن الفاتورة عبر "الشراكة الاستثمارية"، وبالطبع كان العرب حاضرون، وتفتقت أذهانهم عن عبقرية استثمارية فريدة تتمثل في التدخل لشراء أسهم الشركة التي هبطت بمقدار 50% طمعاً (أو كرماً عربياً مألوفاً) في اقتناص الفرصة ـ أو هكذا سيسوِّقون ـ فيما هم يخاطرون بضياع أموال صناديق سيادية في صفقات غير مأمونة العواقب في أقل تقدير.

إن هذا الهدر المستمر لأموالنا العربية والتدخل العاجل في كل مرة لإنقاذ إحدى الدول الاستعمارية من التردي والانهيار إن عبر الاستثمار المشترك أو في صفقات أسلحة كاسدة هو أمر يدعو للريبة والقلق، ويؤخر كثيراً من أي نجاح أي مشروع للاستقلال في المنطقة يتغذى على الضعف الاقتصادي الغربي البادي بجلاء هذه الأيام، ويعني أن إدمان التبعية قد أصبح أضخم قاطرة تجر الاقتصاد العالمي الواهن وتعيدنا دوماً إلى مربع الصفر.

أمير سعيد
هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.
عن موقع المسلم

 



شارك على فيس بوك