جرائم إغتيال علماء العراق

طباعة

يقول سبحانه وتعالى: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ). ويقول صلى الله عليه وسلم « العلماء ورثة الأنبياء » أخرجه أبو داود والترمذي من طريق أبي الدرداء.

لقد جاءت الآية الكريمة والحديث النبوي الشريف لتبيان منزلة العالم، النافع بعلمه، المخلص في عمله، فالعلماء هم خلفاء الله في عباده بعد الرسل، وقد قال الله تعالى بهم {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} العنكبوت43 قال ابن كثير (أي وما يفهمها ويتدبرها إلا الراسخون في العلم، المتضلعون منه).
وقال جل وعلا: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ }الزمر9، وقال عزوجل: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} المجادلة11، وقال جل وعلا: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} فاطر28 قال ابن كثير: "أي إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به، لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال، المنعوت بالأسماء الحسنى، كانت المعرفة به أتم والعلم به أكمل، وكانت الخشية له أعظم وأكثر". ولما أراد الله تعالى بهم خيراً فقههم في دينه وعلمهم الكتاب والحكمة وصاروا سراجاً للعباد ومناراً للأمة.

 

وقد فضّل الله العلماء على العابدين لحديث أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم)، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت يصلون على معلمي الناس الخير). ولما رواه أبو الدرداء قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من سلك طريقاً يبتغي فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًى بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر). وقد هيأ الله جل وعلا العلماء ليوضحوا للناس ما التبس عليهم فهمه واستبهم، وليبينوا لهم معاني القرآن وكثيراً من أسراره وأحكامه وبلاغته، فالأمة الإسلامية تعتبرهم بمثابة قلبها الذي يعقل والمحرك لها في الطريق الصحيح وتوجيههم في أمر دنياهم وربطهم بأمر دينهم في كل مناحي الحياة. كذلك بالنسبة لعلماء العلوم والطب وغيرها فهم بعلمهم يكتشفون ويخترعون ما يسهل للناس عيشهم ويزيد في تقدمهم ونمو مدنيتهم.

لقد عُرف أبناء العراق بتألقهم في كل مجالات العلم إن كان علم بالدين أم بالتكنولوجيا والطب والفيزياء. فالعراق فيها أكثر عدد من حملة الشهادات العلمية العالية من كل بلاد العالم. ولذلك لا عجب أن يستهدفهم الغرب الكافر الذي إحتل العراق بمساعدة العملاء الخونة. ولقد نقلت وسائل الإعلام نقلا مباشرا هذا الإحتلال على مدى أيام وأسابيع شهد فيها العالم هذه التحولات الرهيبة في بلاد الرافدين. ونقلت ذلك إمعانا في إذلال المسلمين وتناقلت أخبار الإحتلال العسكري الأمريكي للعراق على إنه تحرير لها من هذه الحكومة الديكتاتورية القمعية فقط ليصبح الأمريكان وحكومة المالكي الجديدة هم الجلادون الجدد لهذا الشعب العظيم. والحجة دائما أسلحة الدمار الشامل والأبحاث النووية التي يقوم بها علماء العراق في هذا المجال!

ففي أواخر أكتوبر 2002 مثلا، كتب "مارك كلايتون" المحرر في صحيفة "كريستين ساينس مونيتور" يحذر من العقول المفكرة التي تقف وراء المخزون العراقي من الأسلحة" حسبما قال، وبعد أن قدّم لائحة بعدد من علماء العراق الذين تدربوا في الولايات المتحدة قال: "إن هؤلاء العلماء والفنيين أخطر من أسلحة العراق الحربية؛ لأنهم هم الذين ينتجون هذه الأسلحة".

ودعا مفتشي الأسلحة الدولية في ذلك الحين ألا يكتفوا بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل فقط، ولكن عليهم محاولة إيجاد الأشخاص الذين يعرفون كيف يصنعونها!

وعدد كلايتون -نقلاً عن خبراء- قرابة 15 من كبار الخبراء النوويين العراقيين قال بأنهم تدربوا في الولايات المتحدة ضمن خطة تعليمية كبرى للرئيس صدام حسين، ونقل عن "الدكتور كاري" كبير مفتشي الأسلحة السابق في العراق قوله بأنه أثناء زيارة قام بها إلى جامعة متشيجان في آن آربور عام 1993 اكتشف أنه بعد حرب الخليج بقي كثير من الطلاب العراقيين ملتحقين بجامعات أمريكية لدراسة الفيزياء والهندسة النوويتين، وأنه أثناء إلقائه محاضرة أمام عدد من طلاب صف التخرج في الهندسة النووية كانوا يملئون الغرفة، دهش عندما وجد هناك حوالي 12 طالبًا عراقيًا.

وأوضح كلايتون "أنّ دراسة جرت مؤخرًا لشهادات الدكتوراة في الولايات المتحدة أيدت تلك الملاحظة الشخصية، حيث وجد باحثون في جامعة جورجيا في أتلانتا أنه خلال الفترة من 1990 إلى 1999، مُنحت 1215 شهادة دكتوراة في العلوم والهندسة لطلاب من 5 من الدول السبع المصنفة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية على أنها دول ترعى الإرهاب، بما يمثل 2% من الشهادات التي منحت لطلاب من مواليد دول أجنبية؛ حيث نال العراقيون 112 شهادة دكتوراة في العلوم والهندسة، ومن هؤلاء كان هناك 14 طالبًا يدرسون مواضيع حساسة كالهندسة النووية، أو الكيميائية، أو البيولوجيا المجهرية.


قانون أمريكي لتهجير علماء العراق!

وقد سعت واشنطن بوسائل عدة لتفريغ العراق من كفاءاته العلمية مستكملة خطة إسرائيلية قديمة لتصفية أي عالم نووي عربي (قتلوا المشد وسميرة موسى وغيرهما)؛ ولهذا صدر في أوائل العام الجاري أغرب قانون أمريكي لتهجير علماء العراق، حيث أقر الكونجرس الأمريكي مشروع قانون حمل عنوان "قانون هجرة العلماء العراقيين 2002" ينص على منح العلماء العراقيين الذين يوافقون على تقديم معلومات "ذات مصداقية" بشأن برامج الأسلحة العراقية تصريح إقامة دائمًا في الولايات المتحدة.

بلغ عدد الأساتذة الجامعيين الذين اغتيلوا منذ بدء الاحتلال الأمريكي للعراق في 9 نيسان/أبريل من عام 2003 وحتى يوم 28 من آب/أغسطس من العام الماضي أكثر من 250 أستاذا من مختلف الجامعات والمعاهد العراقية كان اخرهم رئيسة قسم الترجمة في كلية الآداب في جامعة الموصل. وقالت رابطة المدرسين الجامعيين العراقيين التي تأسست بعد إحتلال العراق في إحصائية نشرتها في بغداد إن 250 أستاذا قضوا برصاص الاغتيال والانتقام والتصفيات الجسدية خلال الستة عشر شهرا الأولى بعد الإحتلال حيث شملت حملة الاغتيالات أساتذة من مختلف الاختصاصات. وهذا يدل بشكل واضح على وجود مخطط لتصفية العقول العراقية ومنهم استهداف الأطباء وأساتذة الجامعات واصحاب الكفاءات العلمية بنحو استثنائي حيث تم اغتيال عشرات الأطباء العراقيين الذين يعدون من خيرة الأطباء في العالم في مجالات اختصاصهم، الأمر الذي دفع الكثيرين الى الهروب خارج العراق وخاصة بعد تفاقم ظاهرة خطف الأطباء ومساومتهم على فدية مالية كبيرة. واشارت إحصائية رابطة المدرسين إلى أن اكثر من 1500 من الأطباء واصحاب الكفاءات العلمية غادروا العراق هربا من الموت أو الخطف
.
وأدناه أسماء مجموعة من العلماء الذين إغتالتهم قوات الإحتلال ومليشيات الأحزاب العميلة:

1. الأستاذ الدكتور محمد عبد الله الراوي: رئيس جامعة بغداد.
2. الدكتور صباح محمود الربيعي: عميد كلية التربية في الجامعة المستنصرية وعميد معهد الدراسات الافرو آسيوية.
3. الدكتور عزيز علي: عميد كلية حقوق ورئيس جمعية الهلال الاحمر.
4. الدكتور فلاح علي الدليمي: معاون عميد كلية العلوم - الجامعة المستنصرية.
5. الدكتور محمد علي جواد الجشعمي: عميد كلية القانون في الجامعة المستنصرية.
6. الأستاذ الدكتور عبد اللطيف المياح: عميد معهد الدراسات السياسية في الجامعة المستنصرية.
7. د. نافع عبود، جامعة بغداد
8. د. صبري البياتي، جامعة بغداد
9. د. حسام شريف، جامعة بغداد
10. د. وجيه محجوب، عميد كلية التربية سابقاً، الجامعة المستنصرية
11. د. عبد الجبار مصطفى، رئيس قسم، جامعة الموصل
12. د. ليلى عبد الجبار، عميدة كلية القانون، جامعة الموصل
13. د. عبد الحسين جابوك، جامعة بغداد
14. التربوي فاضل إطراد اليساري: كربلاء، مدير مدرسة.
15. التربوي جميل عبود البيضاني: مدير مدرسة.
16. التربوي نجم كربول اليساري: مدير اعدادية صناعة في كربلاء.
17. الدكتور عبد الرحمن سعيد سالم: استاذ جامعي.
18. الدكتور حافظ الحافظ: طبيب أطفال.
19. الدكتور سعد الوتري: أحد اشهر أطباء جراحة الأعصاب والجملة العصبية.
20. الدكتور حسين ياسين: عالم فيزياء تم اغتياله في 18/2/2004.

وتجد الكثير من الأسماء في هذه الروابط أيضا،
http://www.hdrmut.net/vb/t178655.html
http://www.al-bayyna.com/modules.php?name=News&file=article&sid=4555

الأهداف من إغتيال العلماء :
وفي هذا الإطار فقد مثّل استهداف العلماء العراقيين جانبًا مهمًا في توجهات وأهداف السياسة الأمريكية تجاه العراق، سواء قبل الغزو أو بعده، حيث عملت واشنطن من وراء ذلك على تحقيق مجموعة من الأهداف:

أولها: محاولة منع العراق بعد سقوط النظام السابق من إعادة بناء قدراته في مجال الأسلحة الكيماوية والجرثومية بعد وصوله إلى درجة متقدمة في هذين المجالين.

ثانيها: منع وصول هؤلاء العلماء إلى دول عربية أو إسلامية أخرى قد توظفهم في برامج سرية لإنتاج أسلحة دمار شامل.

ثالثها: معرفة المصادر التي استمد منها هؤلاء العلماء خبراتهم لتجفيفها ومنع العلماء العرب الآخرين من التفكير في الاقتراب من مجالات البحث التي ترى واشنطن أنها محظورة عليهم.

ومن الأساليب والإجراءات التي لجأت إليها واشنطن لتحقيق تلك الأهداف قيامها بإصدار مجموعة من القرارات غير المسبوقة من مجلس الأمن الدولي للقضاء على البنية التحتية العراقية المرتبطة بالبرنامج النووي العراقي، ونزع أسلحة العراق عقب حرب الخليج الثانية، وكذلك ملاحقتها العلماء والخبراء الفنيين العراقيين العاملين في برامج التسلح العراقية، فضلاً عن إصرارها على تضمين قرار مجلس الأمن رقم (1441) الصادر عام 2002م فقرة تجبر العراق على السماح للمفتشين الدوليين باستجواب علمائه وفنييه حتى إذا تطلب الأمر تسفيرهم خارج البلاد، وفي بداية عام 2003م أقر الكونغرس الأمريكي قانون "هجرة العلماء العراقيين"، الذي نص على منح العلماء العراقيين الذين يوافقون على تقديم معلومات ذات مصداقية بشأن برامج التسلح العراقية تصريح إقامة دائما في الولايات المتحدة.

وبعد الاحتلال حظي العلماء العراقيون بوضع متقدم في إطار اهتمامات القوات الأمريكية التي سارعت إلى الحصول على قوائم بأسمائهم، خاصة الذين ساهموا في برنامج التسلح العراقي، من لجان التفتيش الدولية، وطرحت أمامهم الاختيار من بين عدة بدائل، هي:

إما العمل داخل بلادهم بشرط التزامهم بعدم تقديم خبراتهم إلى دول معينة تحددها واشنطن، وفي هذا الصدد أعدت الخارجية الأمريكية خطة باسم "مبادرة رعاية العلوم والتكنولوجيا والهندسة في العراق" بلغت ميزانيتها 20 مليون دولار من أجل توظيف العلماء العراقيين في أبحاث سلمية داخل العراق، وإما إغراؤهم بالعمل في الولايات المتحدة نفسها مع منحهم حق الإقامة فيها، وعرضت على العديد منهم السفر إلى "إسرائيل"، والعمل في جامعاتها ومعاملها التي تتسم بدرجة عالية من التطور والتقدم التكنولوجيين والعلميين، والحصول على درجات علمية.
أما من رفض من هؤلاء العلماء هذه الاختيارات فقامت القوات الأمريكية باعتقاله ووضعه في السجون، ومنهم الدكتورة (هدى عماش) الخبيرة في بكتيريا "الجمرة الخبيثة".

وخلال الربع الأول من العام الحالي تم الكشف عن قيام الولايات المتحدة بتبني برنامج يتكلف ملايين الدولارات لاحتواء العلماء العراقيين، خاصة الذين كانوا يعملون في برامج التسلح، وقد تضمن هذا البرنامج ثلاثة مستويات:

الأول: يندرج في إطار برنامج بدأ تطبيقه في حزيران/يونيو 2004م، وشمل بوجه خاص العلماء العراقيين الذين كانت لهم علاقة بشؤون التسلح، وتم في إطاره احتواء بعضهم في العمل ضمن مراكز العلوم التي تعمل من أجل دعم الأمن القومي الأمريكي، سواء في مختبرات "سانديا" أو مؤسسة "بروكنغز"، وتم إخضاع هؤلاء العلماء لدورات في الولايات المتحدة ومُنح بعضهم الجنسية الأمريكية.

الثاني: يتم في إطار برنامج مشترك تنفذه الحكومة الأمريكية بمساعدة مؤسسة التكنولوجيا والعلوم العربية التي تتخذ من الإمارات مقرًا لها، ويهدف هذا المستوى إلى تشكيل نموذج مهم للتعاون العلمي والتكنولوجي في المنطقة.

الثالث: يركز على العلماء الذين توجهوا إلى الأردن وسوريا ودول المنطقة بعد سقوط النظام السابق، ويتولى إدارة هذا المستوى مركز الرصد التعاوني التابع لمختبرات "سانديا" الموجود في عمان بالأردن، ويتم من خلاله استقطاب العلماء في مختلف الاختصاصات بالتعاون مع الجمعية العلمية الملكية الأردنية.

وتشير الإجراءات السابقة إلى وجود ضغوط نفسية تمارسها واشنطن تجاه العلماء العراقيين بهدف احتوائهم في أطر هذا البرنامج، خاصة في ظل تعرض عدد غير قليل منهم للاغتيال والاختطاف مقابل فدية أو دفعهم للهجرة إلى الخارج، فضلاً عن احتمال تورط بعض الأجهزة الاستخباراتية المناوئة للولايات المتحدة ولمشروعها في احتواء العلماء العراقيين في حملات الاغتيال والخطف التي تعرض لها العلماء بعد سقوط النظام السابق. وإضافة إلى المحاولات الأمريكية السابقة لاحتواء العلماء العراقيين، فقد امتدت محاولات استهداف الكوادر العلمية العراقية إلى عمليات الاغتيال والقتل المنظمة بهدف إجبارهم على الهجرة إلى خارج العراق وإفراغه من عقوله المفكرة، حيث تشير بعض التقارير إلى وجود مشروع أمريكي – "إسرائيلي" يهدف إلى إفراغ العراق من الكفاءات العلمية، إذ لوحظ هجرة العشرات من هؤلاء إلى الخارج، وتعرض بعض علماء الذرة العراقيين لضغوط كثيرة لدفعهم إلى الهجرة خلال وجود المفتشين الدوليين في العراق قبل الحرب.

وقد وصل عدد علماء الذرة الذين تم اغتيالهم طبقا لآخر الإحصائيات إلى 315 عالمًا، فيما أشارت إحصائية صادرة عن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى اغتيال 65 أستاذًا جامعيًا متخصصين في العلوم الطبية والنووية والحياتية والإنسانية في أعقاب الغزو الأمريكي، فيما كشفت إحصائية دولية أخرى عن اغتيال أكثر من 100 عالم عراقي خلال عامين من الاحتلال.

دور وسائل الإعلام في فضح هذه الإغتيالات المؤلمة..

إن على الإعلام بكل الأحوال أن يكون صادقا ونقيا، ومتابعا لقضايا أمته..إذ لايمكن أن يتجاهل الحقائق ويتغافل عنها أو ينقل لنا أوجها متداخلة ولا يبدي رأيه من أي قضية كانت...ولكن حين يصبح عمله انتقائيا وموجها لأغراض سياسية عدائية لا تخدم مصالح أمته، فهنا تكمن الخطورة الحقيقية...!!!
ومن خلال واقع تبعية الإعلام للأنظمة الفاسدة التي تحكم شعوب العالم الإسلامية، وغياب مرجعية إعلامية إسلامية مبدئية تحدد للإعلام دوره الريادي في خدمة مصالح الأمة وتبني قضاياها.. فإن مانتلقّاه من الإعلام عما يجري في منطقتنا يتناقض تماما مع المشهد المعيشي فيها كما يتناقض مع الحقائق الصارخة التي تتحرك باتجاه، بينما يتحرك الإعلام في الاتجاه المعاكس تماما..!! بحيث أصبح العمل الإعلامي مستقلا عن مجريات الأحداث. ففي العراق يتم قتل العلماء العراقيين وخطف الدكاترة والأطباء والمثقفين وليس عبثا أن يستهدف العلماء في العراق بوصفهم مراكز النشاط والحراك الثقافي والسياسي، أما الإعلام فيمر على أخبار اغتيالهم مرورا وكأنهم لا قيمة لهم.

تدل الإحصائيات التي أعدتها "رابطة التدريسيين العراقيين في بغداد" بأنه تم قتل 3 أرباع العلماء بالعراق، و 62 بالمائة من العلماء المغتالين يحملون شهادات الدكتوراه
وثلثهم مختص بالعلوم والطب.

نقف على أعتاب هذه القضية المؤلمة، لنبين مدى تجاهل الإعلام الصريح لأرواح علمائنا الطاهرة و وشلالات الدماء التي أريقت على أبواب المساجد وفوق المنابر وفي قاعات الخطب والمحاضرات.. إن هذا " القتل المضبوط" يتجاهله الإعلام تماما.. وقد أكد عدة مراقبون عالميون بأن عمليات الاختطاف تتبع النمط المعروف باسم " مجازر السلفادور" التي أشرفت على تنفيذها وكالات المخابرات الأميركية في أميركا اللاتينية، ومع أنه هناك كل يوم في الاخبار "العثور على عدد من الجثث على قارعة الطريق" إلا أن الخبر يكون عبارة عن عدد فقط ، مجرد ذكر لعدد جثث دون التطرق لاسماء أو صفات أو سبب يدعو لقتلهم، وعدم ذكر الاسماء بالتأكيد للحيلولة دون البحث عن خلفياتهم ومعرفة حقيقة هذا القتل، وهنا يصبح التكهن واردا، إما قتلوا اثناء التعذيب أو قتلتهم عصابات أمريكا واعوانهم من العراقيين وألقوا بهم في الشارع مقطعي الرؤوس مشوهين، ويبقى هذا النقل لهذه الأخبار المؤلمة نقلا على الهامش لا ينتبه إليه الناس ولا يليق بحجم المصيبة. وبحسب ما ينقل ليس عبر الاعلام ، فأن معظمهم أئمة مساجد وأساتذة جامعات ومدارس وحملة شهادات عالية، وعليه فالقتل مقصود لفئة معينة حتى يكاد يكون الامر ظاهرا ليس للاعلام فحسب انما للافراد والبسطاء من الناس. فهي سياسة متبعة مدروسة لها أبعاد تصل الى مئة سنة قادمة. بل الأسوء من ذلك أن يبرر الإعلام للمتلقي هذه المذابح المنتهكة في حق دماء العلماء أنها سلسلة جرائم طائفية بين سنة وشيعة!!! ويتخذ في ذلك مقولاته التي عهدناها والتي يتم تضخيمها:

إرهابيون يقتحمون المساجد واختفاء عالم من "جهات خفية" وسيارات مفخخة مجهولة وتهديدات أدلت بها مصادر غير معلنة كي يتم توفير الغطاء الإعلامي للحملة الشنيعة التي تستهدف أول ماتستهدف العلماء.

إنه لمن المصيبة أن يتعامي الإعلام على هذه الأعداد الهائلة من أرواح علمائنا في العراق..
ويتجاهل ألم أبائهم وأمهاتهم و أبناءهم و بناتهم و زوجاتهم وفقدان الأمة لهذه الثروة الهائلة بسبب الأنجاس..
إنه لمن المصيبة أن يتجاهل الإعلام المجازر الشنيعة التي يرتكبها المحتل الكافر في المساجد....
انه لمن المصيبة أن يعزف الإعلام عن هذا النوع من القضايا في الأمة الإسلامية، في حين يهتم بثقافة العهر التي يروجها عبر قنواته الفضائية والمتمثلة في أفلام الخلاعة وأغاني الفيديو كليب الهابطة
أو يهتم بإسرائيلي واحد قتل أو بطائرة أمريكية يهددها إرهابي أو يهودي اعتقل وآخر فكّ أسره..
أين إعلامنا من استراتيجة "الفوضى المنظمة" التي اتبعها الاحتلال منذ الغزو الأمريكي في العراق لقبض العلماء حتى لايبقي عالما؟؟؟؟

فهل عجزت وسائل الإعلام عن تبني قضية الأمة الإسلامية التي يعتصر قلبها ألما على علمائها في العراق ؟  أم أنها لا تريد؟!!



شارك على فيس بوك