الإعلام وعلاقته بالحركات الإسلامية

طباعة

منذ أن هدمت الخلافة العثمانية وتم القضاء على الإسلام بوصفه مبدأ لشؤون الحياة جميعا، ونظاما كاملا شاملا معالجا لجميع مشاكل الحياة..انبرت حركات وجماعات إسلامية عبر المراحل التاريخيّة للأمة التي أعقبت سقوط الخلافة العثمانية كان الهدف منها استعادة وحدة الأمة بوصفه العنوان الحقيقي لاستعادة الفكرة الإسلامية والنظام الإسلامي..
وظل موقف الحركة الإسلامية في الأمة مع كل التغيرات كرأس حربة لها يقودها لاستعادة هويتها وذاتها الحضارية،ويتابع تحرّكاتها وتغيّراتها..
والمقصود بالحركات الإسلامية في هذا البحث،الحركات التي تنشط في الساحة السياسية وتشتغل بالسياسة لبلوغ غاياتها.. فلا تطلق التسمية على الجماعات الإسلامية التي لا تنشط في المجال السياسي..
ويشمل هذا التعريف حركة الجهاد الإسلامي، حركة حماس، (الإخوان المسلمون)، حركة طالبان، السلفية وحزب التحرير.


وكان للإعلام الدور الريادي في تقديم هذه الحركات للأمة سواء بالمدح أو القدح، فالإعلام لايوجه الرأي العام وحسب بل بإمكانه أن يخلق الرأي العام نفسه!!
لذا كان عمل الإعلاميين هو " السّبق" في التحري عن الحقائق ونقلها بالصورة السليمة التي تقدّم بها نفسها للأمة!!
لكن، حينما يصبح عمل الإعلام انتقائيا ونقله للأحداث تابعيّا، كان لزاما على الأمة أيضا أن تعي على حقيقة الإعلام الذي يوجّهها ويغطّيها وتقف على تباين الإعلام في تناوله لهذه الحركات..
فقد اختلفت سياسة الإعلام في تناول هذه الحركات باختلاف الولاءات السياسية لهذه الحركات من جهة، واختلاف ولاءات الإعلام من جهة أخرى..
وعليه، ازدوجت المعايير لدى الإعلام في تعامله مع الحركات وباتت سياسته متلوّنة بتلوّن المصالح السياسية القائمة على أساسه..
فكيف تعاطى الإعلام مع الحركات الإسلامية القائمة في الأمة وما كانت السياسة الإعلامية المتّبعة في تناول الجماعات الإسلاميّة؟؟

حركة حماس:
تتبنى حسب ميثاقها "أن الإسلام منهجها، منه تستمد أفكارها ومفاهيمها وتصوراتها عن الكون والحياة والإنسان، وإليه تحتكم في كل تصرفاتها، ومنه تستلهم ترشيد خطاها."
ومما نلحظه أن حركة حماس بشقيها التنظيمي والحكومي اتخذت نهجاً براغماتيا من حيث الخطاب السياسي والسلوك السياسي كذلك ؛ فسلوكها السياسي تبدو عليه الرغبة الجامحة في الاندماج بمنظومة الوضع السياسي الحالي، وهذا الأمر لا يؤدي إلى التنازل فقط ؛ بل هو بذاته انحدار سحيق ورغبة ثمنها باهظ جدا بالنسبة لحركة إسلامية طرحت شعار "الإسلام هو الحل."
وحتى تستطيع الدول المتحكمة في المنطقة من جلب التنازلات وزيادة حجمها ، جعلت التغطية الإعلامية لما تقوم به حماس كبيرة جداً ، وذلك من خلال تغطية العمليات الاستشهادية التي كانت تقوم بها داخل الخط الأخضر ، بل ونشر صور المنفذين وما يقوم به اليهود كردّ على تلك العمليات ، مما جعل الناس ينجذبوا لتلك الحركة التي تظهر حملها للإسلام ، حيث أن الناس جميعاً يتلهفون لعودة الدين..
وتوالى مسلسل التنازلات، حتى مشاركة حركة حماس بالإنتخابات التشريعية،بعد أن قدّمت مبررات لدخولها..وبعد أن كانت رافضة في وقت ما الدخول تحت سقف الإنتخابات الفلسطينية التي جرت سنة 1996
وطبعا بينت وسائل الإعلام المؤيدة للحركة أن هذا العمل ضربة للصهاينة، مخفية أن ذلك هو تقديم خدمة.. وبهذه الطريقة استطاع الإعلام قلب الصورة تماماً بعد أن استغرب الناس من هذه المشاركة ، قدم الإعلام مبررات لتلك المشاركة ؛ بل وجعل العديد من الناس يؤيد بل ويشارك في انتخاب حماس.
وبعد أن حققت حماس فوزاً ليس بالقليل ظن الجميع أنه النصر وذلك لكثرة ما روج لهذا العمل إعلامياً على أنه بداية هدمٍ لإسرائيل ، وحقيقة الأمر أن هذا العمل هو ردمٌ للقضية وقتلٌ لها، بإلهاء الناس بحلولٍ جزئية وإلغاء فكرة أن قضية فلسطين هي قضية إسلامية قبل أن تكون وطنية حركية..
وانتهت قضية الانتخابات والفوز بها بانقسامٍ شنيع أدى لجعل حماس تتمركز في غزة في مقابل معسكرٍ للسلطة في الضفة الغربية ، وبدأ القتال بين الناحيتين وصار لكلا الحركتين إعلامٌ تابعٌ ، فكانت فضائية الأقصى التي تصف أعمال حماس بالجهادية ، وإظهارها بهيأة البطل ، كما كانت تركز على أي عملٍ يشوه صورة السلطة ، وفي مقابل ذلك كان إعلام السلطة من خلال فضائية فلسطين يعمل على إظهار أي عملٍ فيه إدانة لحماس ، وهكذا بدأ التراشق الإعلامي القذر..

 

حركة الجهاد الإسلامي:
حركة تدعو إلى الجهاد من أجل تحرير فلسطين كل فلسطين ، لها جناح عسكري يقوم بتنفيذ العمليات الاستشهادية وإطلاق صواريخ على إسرائيل..
للحركة قاعدة شعبية ولها إعلامها الخاص بها ، مثل موقعها على الانترنت وموقعها العسكري (موقع سرايا القدس الإعلام الحربي) والذي ينشر كل ما يصدر عن الحركة من أعمال سياسية وعسكرية ، فهذا الموقع ينشر ويعلن عن كل المواجهات التي تحصل بين سرايا القدس والعدو الإسرائيلي ، إلا أنه لا يوجد لها قناة كباقي الحركات الأخرى الإسلامية والوطنية الأخرى.
حركة الجهاد مضروب عليها تعتيم إعلامي كبير ، مما يحدّ من نشر فكرها ووجهة نظرها للناس،إلا أن الحركة تجد مساحة على قناة الجزيرة الفضائية ، فالقناة قامت باستضافة الأمين العام للحركة "رمضان شلح" أكثر من مرة وفي أكثر من لقاء من خلال برامجها الحوارية أو اللقاءات الخاصة..
فظهر الأمين في برنامج بلا حدود، وفي برنامج لقاء اليوم وفي عدة مقابلات أخرى، وهناك ظهور لقادة من الحركة مثل محمد الهندي وخالد البطش..
إن قناة الجزيرة ولأنها صنيعة الإنجليز؛ والإنجليز والغرب بشكل عام يحاربون الحركات الإسلامية ويصفونها بالإرهاب..
وعندما تستضيف قناة الجزيرة قادة من حركة الجهاد الإسلامي فهي تريد أن تظهر بمظهر الشعار التي تحمله ( الرأي والرأي الآخر) .
وشعارات عديدة ترفعها وسائل الإعلام حتى تظهر منبرا لمن لا منبر له وتكسب مصداقيتها لدى الأمة..وما ذلك إلا ذرّ للرماد في العيون..لأنّ الإعلام يكون بكل حالاته حارسا أمينا لمصالح أسياده الذين يسيّرونه ويمنهجونه..
وسائل الإعلام العربية الأخرى لا يوجد ظهور لافت للحركة فيها ، فالإعلام العربي مسيَّس وتابع للأنظمة ، والأنظمة تحارب الإسلام السياسي من خلال الإعلام وتلصق تهمة الإرهاب إلى كل حركة أو حزب تدعو إلى الجهاد ، وتحارب كل من لا يسير في طريق التنازلات التي سارت وتسير فيها الأنظمة والحكومات ، إن حركة الجهاد لا تزال متمسكة بثوابتها وبمبادئها –كما تقول -وترفض اتفاقية أوسلو وتصف من شاركوا فيها بالخونة والتنازل عن ما لا يملكون.
والحركة بحسب تصنيف الغرب " إرهابية" إذ أنها تتبنّى العمل المادي لكنها لا تعدو أن تكون حركة وطنية للدفاع عن فلسطين بوصفها وطن للفلسطينيين وحسب!
وكل من يدعو إلى الجهاد ضد الكفار والخونة من العملاء من حركات وأحزاب تجد صد ومنع وتعتيم عليها من كل اتجاه وأهمها التعتيم الإعلامي..

حركة طالبان:
نشأت الحركة الإسلامية لطلبة المدارس الدينية المعروفة باسم طالبان (جمع كلمة طالب في لغة البشتو) في ولاية قندهار الواقعة جنوب غرب أفغانستان مع الحدود مع باكستان..على يد الملاّ عمر محمد المجاهد،حيث رغب في القضاء على مظاهر الفساد الأخلاقي وإعادة أجواء الأمن والإستقرار إلى أفغانستان وساعده على ذلك طلبة المدارس الدينية الذين بايعوه أميرا لهم عام 1994
وكانت مساعي الحركة الأساسية هي تطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة الحكومة على نهج الخلافة مع تبنّي العمل المسلّح لتحقيق هذه الأهداف..
وبحسب تصنيف الغرب لها، فإنّ حركة طالبان هي من أقوى وأعتى الحركات الإسلامية التي واجهتها في منطقة العالم الإسلامي والتي عرقلت مشاريع الغرب في المنطقة وفتحت باب حرب تأكل الأخضر واليابس..
وطبعا، كانت الحركة إرهابيّة وخطيرة في أعين الغرب ممّا جعل الإعلام يتصدّى لها بشدّة ويقابلها بسياسة التشويه والذمّ والقدح!!
وعلى الرغم من أن الحركة هي أفغانية التوجّه، وأن مشروعها الذي رمت إليه لم يطرح بوصفه مشروعا توسّعيا لجمع كل المسلمين في ظل دولة واحدة، إلا أنّ الإعلام تجيّش لها بسيل من التهم عليها وعلى الفكر الذي يقود أفرادها حيث تصفهم على أنهم نموذج مثالي للتخلف و الرجعية. و تحوّل أتباعها إلى مجموعة من( الرعاع المرتزقة الإرهابيين).
وتصور وسائل الإعلام حركة طالبان على أنها ((عنيفة ومتطرفة)) تضم بضعة ألاف من المقاتلين المتعصبين من مختلف بلدان العالم..
وأنها تعتمد أكثر الوسائل وحشية بدون اكتراث لحياة المواطنين، و تصف العمليات العسكرية (( الجهادية ))التي تقوم بها (( أنها هجمات انتحارية))
ويبرز الإعلام أن الحركة تعتمد أسلوب تركيع الشعب الأفغاني و اضطهاده و إرغام الناس على التعاون بالقهر وفرض الإتاوة بالإضافة إلى تكبيل المرأة و اقتيادها كما تقاد البهائم..
وإحدى التهم التي روج لها الإعلام الغربي كثيرا والتي تقول" إن ((طالبان)) تعتمد في تمويلها على زراعة وترويج المخدرات"
والغرب والإعلام في كل هذا يستعملون ورقتهم الأخيرة للقضاء على(( حركة طالبان ))و لشق صفهم عن طريق (مفاوضات سلام) برعاية "سعودية" "أمريكية" مع من أسموهم (بالقوى المعتدلة ) هدفها الأساسي نزع السلاح و إنهاء الحرب في أفغانستان لتحقيق التقدم" لحفظ ماء الوجه " بعد أن فشلت مجازر حروبهم العسكرية..
وكان الصدّ الإعلامي لهذه الحركة واضحا وجليّا من خلال سياسة التشويه والهجوم، لكن الحيّز الإعلامي الذي تشغله هذه الحركة نفسها ساعدها على كسب قاعدة شعبية عريضة في كلّ من باكستان وأفغانستان..

السلفيّة:
1- السلفيَّة الدعوية
ترجع جذور الحركة السلفية إلى مؤسسها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في أواخر القرن الثاني عشر للهجرة الذي تحالف مع محمد ابن سعود لنشر الفكر الوهابي في شبه الجزيرة العربية مع ضمان الولاء السياسي لآل سعود، وتم ذلك بالخروج على دولة الخلافة العثمانية بتحالف آل سعود مع الانجليز.. وأصبح المذهب السلفي هو المذهب المُتبنى من قبل آل سعود في الدولة السعودية إلى اليوم..
وعندما يخدم فكر الحركة أو التنظيم الفئة الحاكم في بلاد المسلمين، تتاح له كل الوسائل اللازمة لنشره خاصة إذا كانت الحركة تنادي بالسمع والطاعة...
وهذا ما جرى مع السلفية الدعوية فهي تملك نفوذا واسعا على المستوى الإعلامي حيث جندت عشرات القنوات الفضائية العاملة على نشر الأفكار السلفية إلى جانب آلاف المواقع الألكترونية..
فنجد باقة المجد الفضائية وغيرها الكثير من القنوات ذا التوجه السلفي كقناة الهدى الناطقة بالانجليزية وقناة الناس والرحمة .
أما عن المواقع الألكترونية فهي بالآلاف ويستطيع المتلقي الدخول إلى هذه المواقع بيسر وسهولة دون اللجوء إلى بروكسي ؛ بل يوجد محركات بحث ضخمة مليئة بالمواقع السلفية كدليل سلطان للمواقع الإسلامية.. وبعدة لغات
كما أن كتب ومنشورات هذه الحركة متوفرة في كل البلدان الإسلامية وحتى الغربية..
ومن خلال هذه القنوات والمواقع تم صناعة بعض الرموز وإعلاء شأن علماء الفضائيات وحصر الدين في العبادات الفرديّة والأخلاق العامّة..
تُمنح السلفية الدعوية في جل القنوات الفضائية حيزا مهما خاصة في وسائل الإعلام التابعة والممولة من المملكة العربية السعودية ولا نرى نقدا لهذه الحركة إلا في قليل من القنوات أو المواقع الألكترونية التابعة للشيعة في إطار تبادل الشتائم والتهم بين السنة والشيعة (وكالعادة خدمة للمصالح الغربية عامة والأمريكية خاصة للإبقاء جذوة الصراعات المذهبية مشتعلة للحيلولة دون توحيد الأمة الإسلامية)

2- السلفيّة الجهاديّة
بدأت السلفية الجهادية مع حرب أفغانستان حين أراد الأمريكان هزيمة الإتحاد السوفيتي وإخراجه من أرض الأفغان..
وحرصا على إرضاء أمريكا وتحقيق سياستها، رجع آل سعود إلى استغلال المذهب مرة أخرى بتحريض شباب الأمة الإسلامية على الجهاد؛ فأصدرت الفتاوى، وتحركت الأقلام، وجندت الأصوات والخطب والنداءات بالدعوة إلى الجهاد وإخراج المحتل السوفيتي الكافر من أراضي المسلمين..لكن المصلحة الأمريكية باتت مهدّدة من جانب آخر، إذ أنّ تلك الفئة الشبابية المجاهدة باتت تهدّد مصالح الغرب في المنطقة ممّا دعا انفصال هذه الفئة عن الحركة الأم وتبنّي العمل المادي ومحاربة التدخّل الأجنبي الكافر بالجهاد والعمل المسلّح..
لذلك، كان التعتيم الإعلامي ضخما على هذه الحركة من خلال تصويرها كرمز للعنف وسفك الدماء وزهق الأرواح..
وتعمل القنوات الناطقة بالعربية الحاملة للفكر الغربي والممولة أمريكيا، على إلصاق كل عنف وتدمير وسفك للدماء بتنظيم القاعدة والحركات السلفية الجهادية خدمة للأجندات الأمريكية، وتبريرا للوحشية الغربية في احتلال أراضي المسلمين، متناسية عصابات الموت الأمريكية كبلاك وتر والهدف من ذلك نزع الثقة بين المجاهدين والمسلمين. في مقابل ذلك نجدها تمجّد وتمدح السلفية الدعوية خاصة في ما يخص طاعة أولي الأمر وتحريم مقاتلة الأمريكان ومجاهدتهم..
وهناك الكثير من القنوات السائرة في نهج الغطرسة الأمريكية ولو بمستويات مختلفة، إذ يوجد العديد من القنوات العربية الإخبارية تستعمل نفس الألفاظ والمصطلحات بدلالاتها الغربية من تطرف، إرهاب، تعصب، رجعية، عمليات انتحارية..

حزب التحرير:
هو حزب سياسي مبدؤه الإسلام ؛فالسياسة عمله، والإسلام مبدؤه، وهو يعمل بين الأمة ومعها لتتخذ الإسلام قضية لها، وليقودها لإعادة الخلافة والحكم بما أنزل الله إلى الوجود..
وحزب التحرير هو تكتل سياسي، وليس تكتلاً روحياً، ولا تكتلاً علمياً، ولا تعليمياً، ولا تكتلاً خيرياً، والفكرة الإسلامية هي الروح لجسمه، وهي نواته وسرّ حياته..وكان السبب من قيام هذا الحزب استجابة لقوله تعالى: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }آل عمران104 ، بغية إنهاض الأمة الإسلامية من الإنحدار الشديد، الذي وصلت إليه وتحريرها من أفكار الكفر وأنظمته وأحكامه، ومن سيطرة الدول الكافرة ونفوذها وبغية العمل لإعادة دولة الخلافة الإسلامية إلى الوجود، حتى يعود الحكم بما أنزل الله.
تنوّعت السياسة الإعلامية في تعاملها مع حزب التحرير، واختلفت في كل مرّة باختلاف المراحل التي عاشها الحزب مع الأمّة.. وكانت سياسة التعتيم والتهميش على رأس المخطط الإعلامي لصدّ هذا التيّار الجامح في الأمة..
إننا حينما نتحدث عن حزب التحرير فإننا نتحدث عن تكتل عالمي، توسعت قاعدته في الأمة، في أركان الدنيا وفي قاراتها الخمس..
نتحدث عن مسيرات وندوات ومظاهرات ومؤتمرات وفعاليات قام بها حزب التحرير في مختلف أقطار العالم الإسلامي والغربي أيضا داعيا الناس لاستئناف الحياة الإسلامية وتطبيق نظام الخلافة..
إنها لمن المفارقات العجيبة الغريبة أن يشهد العالم بكل أصقاعه نشاطا هادفا جامحا وحركة جماهيرية معلنة ودعوة صريحة من حزب سياسي لتغيير سياسة العالم بأسره بينما يقابل الإعلام كل هذا النشاط في الأمة بمنطق لا أرى لا أسمع ولا أتكلم!!
ويبرز هذا المنطق في التعتيم الإعلامي المضروب على حزب التحرير وعلى أهم المؤتمرات التي عقدها في الأمة والتي تداعى إليها لفيف من الناس تجاوز أعدادهم الآلاف..
كمؤتمر جاكرتا ومؤتمر العلماء بأندونسيا والمؤتمر الإقتصادي بالسودان ومؤتمرات أميركا وأستراليا وفلسطين ومؤتمر المبلّغات بأندونيسيا وغيرهم الكثير..ناهيك عن المسيرات الحاشدة التي قام بها الحزب في فلسطين وأندونيسيا والقرم ولبنان و الكويت والسودان وماليزيا وأستراليا وبريطانيا والدنمارك داعيا الناس لاستئناف حياة إسلامية عن طريق تطبيق نظام الخلافة الراشدة..
أما أخبار الإعتقالات في صفوف أبناء هذا الحزب فإن الإعلام لا يلقي للظلم بالا،في حين تهبّ كل القنوات الفضائيات والصحف والمجلات لنقل أخبار الأسرى الإسرائليين لدى المقاومة، أو مقتل الجنود الأمريكيين في باكستان وأفغانستان أو جرحى من حلف النيتو..
ومع هذه الخطّة الممنهجة تأتي سياسة الإعلام بركوب الموجة إثر تصاعد النشاط الحزبي وكسب قاعدة جماهيرية عريضة لم يعد الإعلام أن يخفي توسّعها في الأمة..ومع كثرة الحديث عن الخلافة والإسلام السياسي وتطبيق الشريعة، ارتأت وسائل الإعلام الحديث عن هذه المواضيع الخطرة ولكن بتشويه وإظهار صورة غير الصورة الحقيقية فهكذا تواكب الحدث وترضي أسيادها في تشويه صورة الحزب وفكره الذي يقوم عليه..
وذلك باتهامه أحيانا بالتشدّد والرجعية وزجّه في قائمة الجماعات الإرهابية،ـ ولو كان غير ضالع بشكل مباشر في العمل المادي المسلّح ـ إلا أن فكر الحزب المتشدد برأي الإعلام يخلق جوا مواتيا للعنف والتمرّد على النظام..وبعض وسائل الإعلام عندما تضطر لنقل جانب من نشاطات الحزب –في محاولة لتأكيد مصداقية في نقل الرأي والرأي الآخر- قد تدرجها مثلا تحت عنوان " حزب التحرير الأندونيسي" وحزب التحرير الأوزبكي و" حزب التحرير اللبناني "و“حزب التحرير الفلسطيني” متاغبية أو متناسية أنه لا يوجد حزب بهذا الاسم.
والبعض الآخر يعرض حزب التحرير في فلسطين وكأنّه فصيل فلسطيني يتنافس لملء فراغات تتمخض عن صراعات فصائلية أو مكتسبات سلطوية، متجاهلا أنه لا يوجد على الأرض حزب أكثر وضوحا من حيث الرؤية العالمية وأكثر ثباتا على تحقيقها مثل حزب التحرير..
وتمعن وسائل الإعلام في تزييف الحقائق لتضليل الرأي العام الذي ينقاد بسهولة في حال غاب عنه الوعي الإسلامي الصحيح، حيث أنها لا تستضيف من يتحدث عن الإسلام كنظام الحياة والمجتمع والدولة ولا عن الخلافة لا من قريب ولا من بعيد،إلا إن كان كلامه قدحاً أو ذماً أو تشويهاً للحقائق..

ومن المفارقات الواضحة والجليّة في بحثنا لتناول الإعلام لحزب التحرير وقضية الخلافة هو مقابلة هذا التهميش الإعلامي المدروس..نرى اندفاع الغرب بمؤسساته الرسمية وغير الرسمية من مراكز أبحاث ومؤسسات متخصصة في متابعة الشؤون والقضايا الإسلامية على مختلف مشاربها إلى أن تنبري وتنكب في الفترة الأخيرة على إعداد التقارير والوثائق والأبحاث التي تتكلم عن الخلافة وعن حركتها العالمية الزاحفة. فما أن نفرغ من قراءة تقرير لمركز بحوث هنا حتى يطل علينا تقرير جديد من مركز آخر هناك ، أو من تصريح جديد لمسؤول غربي يحذِّر الغرب والدول الغربية من أن العمل لمشروع الخلافة يسير بسرعة صاروخية في العالم الإسلامي، بل سار بهم الأمر إلى درجة دفعت بعض الباحثين الاستراتجيين والسياسيين الغربيين إلى التنبؤ بان مشروع الخلافة سيصبح حقيقة واقعه في حدود العام 2022 من القرن الحالي، إلا أن المثير واللافت للنظر في هذه التقارير هي أنها لم تقف فقط عند حد هذا التنبؤ الزمني لقيام الخلافة الإسلامية، بل تعدت ذلك إلى دعوة السياسيين الغربيين إلى ضرورة التنبه لهذا الأمر، وذلك من خلال تقديم الإرشادات ووضع الخطط والإستراتيجيات لكيفية التعامل مع هذه الخلافة حال قيامها بل وحتى دعوتهم إلى انتهاج طريق المصالحة والتعاطي السلمي لتجاوز أخطار الصدام العسكري معها حيث كان أبرز هذه المقالات هو تلك المقالة التي كتبها الصحفي جون شيا والذي أوصى بها الرئيس أوباما إلى ضرورة المصالحة مع دولة الخلافة الخامسة القادمة.
ومن ذلك إهمال الحديث عن التصريحات الخطيرة والكثيرة للسياسيين الغربيين التي تثير في الأمة أحاسيس النهضة، مثل تصريحات هنري كيسنجر ورامسفيلد وبوش وبوتين وغيرهم التي تهاجم فكرة الخلافة بشكل صريح، مع أنهم عادة ينقلون ويحللون كل ما هبَّ ودبَّ من أقوالهم وتصريحاتهم..
فلماذا تهمل وسائل الإعلام كل ما سبق، فضلاً عن غضها النظر عن ما أدلى به بوتين وكثير غيره من رؤساء العالم مراراً وتكراراً وفي مناسبات مختلفة، حيث اعتبروا أن التهديد الحقيقي للعالم سيأتي من تلك القوى التي تعمد إلى إقامة دولة إسلامية أصولية في آسيا الوسطى أو في الشرق الأوسط أو في تركيا..
إنها ولا شك حرب على الإسلام بشكل عام، وحرب على فكرة الخلافة بشكل خاص، وعلى اعتبار أن حزب التحرير هو التجسيد العملي للإسلام في واقع حياة الأمة، وإعادته فاعلاً في الساحة الدولية؟؟
إن الإعلاميين في الغرب هم السبّاقون دائما في دق نواقيس الخطر التي تهدد مصالح أسيادهم..
أما الإعلام العربي فهو السبّاق في دق الطبول والمزامير والتنافس على تقديم كل ما هو ساحق ماحق لهذه الأمة!!
وهكذا نأتي على بيان تبعيّة الإعلام للمصالح الغربية في المنطقة وازدواجيّته في التعامل مع الحركات..
فمن يخدم الغرب والأنظمة المأجورة؟
يخدمه الإعلام ويروّج له ويمدّه بالدعم الإعلامي القوي لكسب ثقة الأمة ومصداقيتها..
أما من لا يخدم المصالح الخارجيّة فالإعلام منه براء..فاليوم لا تكاد تمر ساعة من الزمن إلا ويطالعنا الإعلام بأخبار يجمعها لنا من مختلف أقطار الدنيا: فمن أخبار عن إنفلونزا الخنازير، وأخبار أكبر طبق" كنافة" وأخبار الفيفا والمونديال وغيرها من الأخبار الكثيرة ولكن ما إن يتعلق الخبر بقضية الخلافة ومشروع الأمة الحضاري حتى يمر عليها على استحياء لا بل على مضض وكأنه بذلك لم يسمع بها أو أنه يحاول أن يخفي أخبارها عن سابق إصرار وترصد..
إن الإعلام يتصدّى لرفعة هذه الأمة ونهضتها على أساس الإسلام واستعادة حجمها ومكانتها بين الأمم!!
إن قضية الخلافة أكبر من خبر حادث سير يقع هنا أو هناك.. إذ هي قضية شرعية وسياسية يتعلق بها مصير أمّة بأكملها تجوب حركتها ونشاطاتها الدنيا شرقا وغربا..فلماذا يقابلها الإعلام بكل هذا التعتيم وإن ذكرها فعلى استحياء ومضض؟؟؟

وختاما نقول:
إن الإعلام العربي لم يُبن أساسا على العقيدة الإسلامية حتى يلتزم بقول الحق وخدمة مصالح الأمة!!
إن المطلوب اليوم من الإعلام إعلان البراءة من هذه السياسات التي لا تخدم إلا المصالح الغربية في المنطقة والإنحياز إلى مشروع الأمة الحضاري، وأن لا يرضى لنفسه أن يكون أداة تنفّذ بها ومن خلالها مخططات الغرب في بلادنا..
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }الأنفال24



تقرير من إعداد مجموعة الإذاعة والتلفزيون في منتدى الناقد الإعلامي



شارك على فيس بوك